يغامر لاجئون ومهاجرون بأرواحهم، للخلاص من الصراعات والفقر في بلادهم، وينطلقون في رحلات خطيرة قد تختلف بين السفر جواً أو بحراً، أو يتقوقعون داخل شاحنات، ليموت العديد منهم قبل تحقيق حلمهم بالوصول إلى المملكة المتحدة.
ومن بين هذه القصص المأساوية، يروي رجل من جنوب أفريقيا يعرف باسم جاستن، لأول مرّة علناً عن رحلته على متن الخطوط الجوية البريطانية، التي استغرقت 11 ساعة من جوهانسبرغ إلى مطار هيثرو في لندن. ويقول لصحيفة "ذا غارديان" إنه اختبأ في الهيكل السفلي للطائرة، مع صديقه الذي سقط ليلقى حتفه، ولا يزال يذكر آخر كلمات تبادلها معه.
قال الرجل الذي كان يعرف باسم ثيمبا آنذاك: "فعلناها". لكن جاستن فقد بعدها الوعي بسبب نقص الأوكسجين. لتتحوّل الفاجعة التي حدثت في عام 2015، إلى فيلم يروي هذه القصة الغريبة الأقرب إلى الخيال. وعُرض الفيلم في الرابع من الجاري، ليروي فيه جاستن قصته وقصة فالي في فيلم وثائقي على القناة الرابعة، بعنوان "الرجل الذي سقط من السماء".
وبينما نجا الرجل الذي يعرف باسم جاستن، وأمضى السنوات الخمس الماضية في ليفربول، توفي صديقه المهاجر الموزمبيقي الشاب الذي رافقه طوال فترة الرحلة تقريبا، متأثرًا بإصابات متعددة بعد سقوطه من ارتفاع 430 مترًا (1400 قدمًا) من الطائرة في يونيو/حزيران 2015. أطلقت صحيفة "ذا غارديان" على الرجل الذي توفي في عام 2016، اسم كارليتو فالي. وكان الرجل قد نشأ في دار للأيتام في بيرا، ثاني أكبر مدن الموزمبيق. وغامر بالذهاب إلى أوغندا وجنوب أفريقيا قبل أن يحاول البحث عن حياة جديدة في لندن.
اختبأ جاستن في الهيكل السفلي للطائرة لمدّة 11 ساعة
أمّا جاستن فيروي للصحيفة، أنهما كانا قد استعدا للتخفي في رحلة طيران على المدرج في جوهانسبرغ، بعد أن درسا بدقة كيفية تصميم الطائرات في أحد الكتب. يقول جاستن إنهما اعتقدا أنهما اختارا الرحلة الأقصر إلى لندن. ولم يكن لديهما أي فكرة عن مدى خطورة خطتهما. ويصر جاستن على أنّهما لم يلقيا أي مساعدة داخلية للوصول إلى الطائرة، بل أنجزا هذه المهمة وحدهما وقفزا فوق الأسوار المحيطة بالمدرج، بعد أن لبسا طبقات من الملابس استعدادًا لذلك.
يضيف جاستن في حديثه إلى صانع الفيلم الوثائقي، أنه لم يكن بعيدًا عن المحرك وكان يمكنه أن يشعر به في الخارج عندما يدور. ويشير إلى علامات حروق لا تزال دابغة على ذراعيه، لافتاً إلى أنه لف ذراعيه بكابلات، كي لا يسقط من الطائرة، وكان بإمكانه رؤية المنازل، عندما كانت الطائرة تحلق. وكل ما يذكره بعد ذلك، أنّه استيقظ على المدرج في مطار هيثرو لندن، مع ساقه المحطمة.
حلم كل من فال وجاستين، اللذين عاشا في بلدة فقيرة في جوهانسبرغ وتعرّضا للعنف على أيدي عصابات أثناء عيشهما في الشوارع، ببداية جديدة في أوروبا. وكان فالي قد خطّط أيضاً، لإحضار أفراد عائلته من الموزمبيق بعد بضع سنوات. يقول جاستن: "أتذكر عندما تحدثت إلى كارليتو ... قال إنه يريد أن يصبح دي جي وإنه سيعود ويحضر ابنته بعد بضع سنوات.... كنت أتمنى له الأفضل حقًا، ولذا اعتقدت أنها فكرة جيدة لنا، لأننا كنا نبحث عن مستقبل أفضل".
لا يزال جاستن يتذكر لحظة استيقاظه على سرير في المستشفى، عندما عرض عليه محققو الشرطة صورة لصديقه فال. وقال: "عندما هبطت الطائرة، سقطت وأتذكر أنني كنت أعتقد أن كارليتو لا يزال بداخلها. لكن بعد ذلك أبرزوا لي جواز السفر وقالوا: هل تعرف هذا الرجل؟ قلت نعم. قالوا لي إنه لم ينجح، فصُدمت".
بدأ جاستن حياة جديدة في ليفربول، وهو يحاول إنشاء دائرة جديدة من الأصدقاء، ويأمل في متابعة مهنة في الموسيقى. وفي أحد مشاهد الفيلم يقول جاستن لصانع الوثائقي، ريتش بنتلي: "أجد الأمر سهلاً هنا، لأن الناس لطيفون"، وذلك بعد أن يلتقيا لأول مرة في زاوية شارع في ليفربول. ويتابع: "كل شخص لديه مشاكله الخاصة، هم يغادرون بسبب شيء يحدث في بلادهم". يقول ذلك بينما تتصدر الهجرة مرة أخرى عناوين الصحف، مع وفاة أشخاص يعبرون القناة كل يوم تقريباً في قوارب صغيرة.