استمرار محاكمات الصحافيين وتفاقم أزمة خانقة تهدد بإفلاس المزيد من المؤسسات الإعلامية جراء تداعيات جائحة كورونا، تلك مؤشرات طبعت أوضاع الصحافة في المغرب عام 2021 لتضعها تحت ضغط كبير. فبعدما شهد العام الماضي تحسن ترتيب المغرب في سلم حرية الصحافة، أظهرت نسخة 2021 من تصنيف "مراسلون بلا حدود"، تراجع المملكة بثلاث مرتبات لتحتل المرتبة الـ 136 من أصل 180 دولة، لتصنف بذلك ضمن قائمة البلدان ذات الـ "وضعية الصعبة" من حيث حرية الإعلام.
وفي توصيفها لوضعية الإعلام بالمملكة، قالت المنظمة الدولية، في تقريرها الصادر في 16 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، إن وسائل الإعلام المغربية لا تزال تتعرض لمتاعب قضائية، بالإضافة إلى استمرار المحاكمات التي تطاول شخصيات إعلامية، مسجلة أن "المتابعات القضائية انهالت على الصحافيين من جديد" في 2021، و"تركزت التهم هذه المرة على مسائل أخلاقية تمس حياتهم الشخصية، مع استمرار استخدام المرأة كأداة في مثل هذه القضايا، علماً أن الظروف التي تجري فيها المحاكمات وما يصاحبها من تشهير وتغطية إعلامية مفرطة غالباً ما تحرم الضحية والمتهم بالاعتداء بعض الحقوق الأساسية التي يجب أن تتوافر في مثل هذه الحالات".
محاكمة الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي وعماد استيتو
خلال 2021، عرفت البلاد محاكمة الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي وعماد استيتو، وهي المحاكمة التي انتهت بسجن الريسوني لمدة خمس سنوات، بعد إدانته بتهمتي "الاعتداء الجنسي" و"الاحتجاز"، وبحبس الراضي ست سنوات، إثر ملاحقته بتهمة ارتكاب جنايتي "هتك عرض بالعنف والاغتصاب"، مع الاشتباه في ارتكابه جنحة "تلقي أموال من جهات أجنبية بغاية المس بسلامة الدولة الداخلية". فيما قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بالجسن سنة في حق الصحافي استيتو، منها ستة أشهر موقوفة التنفيذ.
وبينما أثارت الأحكام الصادرة في حق الصحافيين الثلاثة حفيظة منظمات دولية ووطنية، مطالبة بالإفراج عن الريسوني والراضي، كان لافتاً تشديد السلطات المغربية على استقلالية القضاء وقانونية الإجراءات المتخذة بحقهما، نافيةً حدوث أي تراجع على مستوى الحقوق والحريات في البلاد.
وبالنسبة إلى رئيس "المنتدى المغربي للصحافيين الشباب" (غير حكومي)، سامي المودني، فإن التقدم الحاصل على المستوى التشريعي في علاقة بحرية الرأي والتعبير، لم يمنع تسجيل وإدانة عدد من الجمعيات الحقوقية والنقابات استمرار متابعة الصحافيين في قضايا تتعلق بالنشر بموجب القانون الجنائي، الذي يتضمن عقوبات سالبة الحرية، إذ عرفت هذه السنة متابعة الصحافي محمد بوطعام في حالة اعتقال لبضعة أيام، بسبب تهم "تتعلق بالسب والقذف والتشهير" بواسطة النشر، قبل أن تقضي المحكمة الابتدائية بمدينة تزنيت (جنوب المغرب) ببراءته.
وحسب رئيس "منظمة حريات الإعلام والتعبير" (غير حكومية) محمد العوني، فإنه "في الوقت الذي وجد فيه الإعلام المغربي نفسه قاصراً في مواجهة جائحة كورونا بالنظر للقيود التي تكبله، كانت هناك اعتقالات ومحاكمات طاولت صحافيين (سليمان الريسوني وعمر الراضي) ومدونين بتهم بعيدة عن عملهم وعن الأسباب الحقيقية لملاحقتهم"، لافتاً إلى أن سنة 2021 كانت استكمالاً لما عاشته السنتين الماضيتين من تراجعات على مختلف المستويات. ويوضح العوني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "في الوقت الذي احتاج فيه المغاربة للإعلام خلال مواجهة جائحة كورونا، كانت هناك ضربات توجه إليه من جهات مختلفة، وتغليب للمقاربة الأمنية، فضلاً عن استمرار السيطرة على وسائل الإعلام العمومية وتدجين الإذاعات الخاصة والمواقع الإلكترونية".
وجد الإعلام المغربي نفسه قاصراً في مواجهة كورونا بالنظر للقيود التي تكبله
من جهته، يسجل الصحافي ورئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان" (أقدم تنظيم حقوقي في المغرب) عادل تشيكيطو، "تنامي ظاهرة الاعتداء على الصحافيين وعرقلة تأدية عملهم خلال الفترة الأخيرة، في مؤشر على أن السلطات قد انتقلت إلى السرعة القصوى في مهاجمة الصحافيين والنيل منهم". ويقول في تصريح لـ"العربي الجديد": "بعدما كانت السلطات تقتصر على أساليب هجوم محددة تتجلى في المتابعة القضائية، وربما السجن، وهو ما حاول البعض وصفه بالقمع الناعم عبر استعمال فصول القانون الجنائي، راحت اليوم تفضل استعمال عنصر المباشرة في أسلوبها وتنهال عليهم بالضرب والشتم وتكسير وسائل العمل خلال تأديتهم لعملهم، وعلى وجه الخصوص خلال تغطية الوقفات والمسيرات وكل الأشكال الاحتجاجية".
ويلفت إلى أن الحق في ممارسة صحافية تليق ببلد الديمقراطية وحقوق الإنسان مبدأ رسخه دستور 2011 من خلال الفصل 28 منه، وهو ما يستوجب على السلطات الانتباه إليه وعدم القفز على مضمونه، ولا سيما أنه كان مدخلاً لعدد من التشريعات الوطنية التي وسعت مجال الصحافة والإعلام.
ويقول رئيس العصبة المغربية لحقوق الإنسان إن سنة 2021 عرفت مواصلة الحكومة المغربية هجومها على الحقوق والحريات، وعلى وجه التحديد حرية التعبير والصحافة، وارتفاع عدد المتابعين على خلفية كتاباتهم أو آرائهم، مشيراً إلى أن منهجية تعاطيها مع قضايا حرية الصحافة اختلفت، حيث صرنا نشاهد متابعات انتقامية بلبوس جنائي فضائحي يغتال الصحافي المستهدف رمزياً ويكبل حريته مباشرةً.
ويسجل أن السنة التي تشرف على النهاية، لم تعرف وضع حد لظاهرة تكبل حرية الصحافة، وهي ظاهرة ثنائية التجريم، موضحاً أنه بالرغم من أن المغرب خطا خطوات مهمة في مجال التشريع المناصر لحرية الصحافة من خلال إخراج قانون الصحافة والنشر لحيز التنفيذ، الخالي من أية عقوبة سالبة للحرية، إلا أنه، بكل أسف، شهدت سنة 2021 إدانات متعددة من قبل القضاء لصحافيين وناشطين حقوقيين مارسوا حقهم في التعبير وفق ما هو منصوص عليه في الفصلين الـ 25 والـ 28 من الدستور، بمنطوق القانون الجنائي الذي يتضمن عقوبات سالبة للحرية.
إدانات من قبل القضاء لصحافيين وناشطين حقوقيين مارسوا حقهم في التعبير
في المقابل، ترى نائبة رئيس "النقابة الوطنية للصحافة المغربية"، رحاب حنان، أن أوضاع الصحافة في المغرب لا تختلف عما عرفته أوضاع الصحافة عالمياً، بسبب تداعيات جائحة كورونا، حيث تقزم هامش تحرك الصحافيات والصحافيين بسبب الإجراءات الاحترازية، مشيرة إلى أن "سوء فهم بين العاملين في قطاع الصحافة وبين المسؤولين عن إنفاذ القانون كان يحصل في بعض الأحيان بسبب الوضعية المفاجئة للجميع، وعدم وجود أعراف سابقة تنظم العلاقة بين السلطات والصحافيين في أثناء حالات الطوارئ الصحية، وهو ما انعكس حتى على الحق في الحصول على المعلومة".
وتتابع في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ما يجب الانتباه له، وهو المغيب في التقارير الوطنية والدولية لأوضاع الصحافة والصحافيين، هو ما يرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد تأثرت أوضاع المقاولات الصحافية سلباً بسبب مجموعة من الإجراءات الاحترازية، وخصوصاً المتعلقة بتقييد حركة التنقل، وكان المتضرر الأكبر هو الصحافة المكتوبة التي عرفت إغلاق منابر وطنية وجهوية ومحلية، كذلك تضرر الإعلام الرقمي بسبب تراجع المداخيل الإشهارية نتيجة المنافسة من طرف شبكات التواصل الاجتماعي"، مشيرة إلى أن هذا الوضع انعكس سلباً على حقوق المهنيين الاقتصادية والاجتماعية، حيث شهدنا عمليات تسريح، وتأخر في أداء الأجور، ومستحقات الضمان الاجتماعي.
وإن كانت الأشهر الأخيرة قد عرفت انفراجاً نسبياً، تقول رحاب، فإن الأخبار المقلقة حول احتمال عودة التشديد في الإجراءات المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية، يجعل الخصم الأول للصحافة والصحافيين هو شبح الجائحة الذي تستغله، سواء بعض المقاولات، وحتى الحكومة، لتقييد حرية الصحافة أو للهجوم على مكتسبات العاملين في القطاع المهنية والاجتماعية.
وكان لافتاً، خلال العام الحالي، تفاقم أزمة الصحافة الورقية في المغرب، وزاد الخطر بأن تختفي من الوجود في ظل الظروف الراهنة والتحديات التي تواجهها والتي كان آخرها الأزمات المالية الكبيرة جراء تداعيات تفشي فيروس كورونا الجديد. وفي السياق، دق "المجلس الوطني للصحافة" ناقوس الخطر، منبهاً إلى أن الصحافة المبنيّة على قواعد العمل المهني والأخلاقي "مهددة الآن بشبح الإفلاس"، بعد أن عمقت جائحة كورونا الأزمة التي تعاني منها الصحافة الورقية في المغرب بشكل غير مسبوق؛ حيث عرف حجم مبيعات الصحف انخفاضاً بعد رفع الحجر الصحي قارب 70 في المئة، مقارنة بما قبله، والإعلانات التجارية بنحو 65 في المئة، مع استمرار الأزمة في الصحافة الإلكترونية التي لا تصل إليها إلا 25 في المئة من المخصصات الإعلانية الرقمية.