لا يقتصر تغييب السردية الفلسطينية مقابل تغليب رواية الاحتلال على وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة، بل يمتد إلى الصحف الأكثر محلية التي تتعمد تجاهل التحركات الداعمة لوقف إطلاق النار في غزة داخل المدن والبلدات الأميركية البعيدة عن المراكز الكبرى، وفقاً لموقع تروث آوت الأميركي.
ومنذ انطلاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سلط الناشطون المؤيدون لفلسطين الضوء على دور وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة بتبنّي رواية الاحتلال، وتضييقهم على وصول الجمهور الأميركي إلى معلومات دقيقة حول السردية الفلسطينية والتحركات المؤيدة للفلسطينيين.
لكنّ هذا العداء ليس حكراً على كبريات الصحف مثل "ذا نيويورك تايمز" و"ذا واشنطن بوست"، إذ يعاني المتضامنون مع فلسطين خارج المدن الأساسية الإعلامَ المحلي الذي يعمد إلى تجاهل تحركاتهم الداعية لوقف إطلاق نار، أو يغطيها بتحيز واضح للاحتلال.
غياب التغطية
صارت الضواحي الغنية في ولاية نيوجيرسي خلال الأشهر الأخيرة موقعاً لمظاهرات منتظمة تطالب بوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب على غزة، لكن سيكون من الصعب على الجمهور معرفة ذلك من الصحف والمنصات المحلية التي تغطي عادةً أخبار هذه المنطقة، وفقاً لـ"تروث آوت".
وبات تحيّز الإعلام المحلي واضحاً بالنسبة للعديد من الناشطين في مجموعة نيوجيرسي 11 من أجل فلسطين، الذي يسعون لإقناع ممثلة الولاية في الكونغرس، ميكي شيريل، لدعم وقف إطلاق النار.
في يناير/ كانون الثاني الماضي، نظمت "نيوجيرسي 11 من أجل فلسطين" وقفة احتجاجية خارج مكتب شيريل في بلدة ليفينغستون، ليفاجئوا بوقفة احتجاجية لمئات من مؤيدي الاحتلال الذين عمدوا إلى الاعتداء عليهم.
وهاجم مؤيدو إسرائيل فتاةً عمرها سبع سنوات ووصفوها بأنها "إرهابية المستقبل"، وبصقوا على فلسطيني يعمل حارس أمن، وضايقوا زوجين يهوديين معاديين للصهيونية، لكنّ هذه المضايقات لم تظهر في مقالين كتبهما مراسلان محلّيان.
لم يُذكر أي من هذه المضايقات في تغطيتين مختلفتين كتبها مراسلان محليان تجاهلا تماماً الإشارة إلى الوقفة الاحتجاجية الداعية إلى وقف إطلاق النار، واكتفيا بالتطرق إلى التظاهرة المؤيدة لإسرائيل.
وأكدت الناشطة في "نيوجيرسي 11"، إيمي مصطفى، أنّهم تعرضوا لتجاهل متعمد من المراسلين المحليين، وقالت في حديث مع "تروث آوت": "كان الناس منقسمين بين ضفتي الشارع خلال الوقفة الاحتجاجية، مؤيدو فلسطين ومؤيدو إسرائيل، إذ لا يمكنك أن تدّعي أنك لم تعرف أو لم ترَ ما حصل. لقد كان ذلك خياراً واعياً ومتعمداً لحذف القصة الكاملة".
من جهته، رأى أحد مؤسسي المجموعة علي الجراح أنّ التجاهل المستمر للتحركات المؤيدة لفلسطين يساهم في استمرار العنف ضد الفلسطينيين، وقال: لمحو النشاط المؤيد لفلسطين في استمرار العنف ضد الفلسطينيين.
وقال الجراح: "إذا لم تكن وسائل الإعلام المحلية صادقة في عرضها للتحركات والمظاهرات التي تحدث دعماً لفلسطين، فإن ذلك يظهر حقيقة أنهم متواطئون في الإبادة الجماعية بغزة، وبمحو الفلسطينيين هنا في أميركا".
أما في مقاطعة هدسون فقد كان من الأسهل على الناشطين تنظيم فعاليات داعمة لفلسطين، كما نجحوا وفي وقت سابق من شهر فبراير/ شباط الحالي، بإقناع مجلس المقاطعة بإصدار موقف مؤيد لوقف إطلاق النار، لكنهم لم ينجحوا في الحصول على تغطية لهذا الخبر من الصحيفة الرئيسية في المنطقة "ذا جيرسي جورنال".
ولا تقتصر المعاناة للحصول على تغطية الإعلام المحلي على نيوجيرسي وحدها، إذ يعاني مؤيدو فلسطين التجاهل والتعتيم في الكثير من المدن في الولايات المتحدة. ففي مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأميركية، شارك عدنان أحمد مع مجموعات من الناشطين في إقناع مجلس المدينة بإصدار موقف مؤيد لوقف إطلاق النار في غزة.
كذلك، كتب الشاب مقالاً لحشد الدعم لغزة في مينيسوتا، لكنّه واجه الرفض والتجاهل من الصحف الثلاث الرئيسية في الولاية، "ستار تربيون" و"مين بوست" و"مينيسوتا ريفورمر"، قبل أن يتمكن أخيراً من نشره في منصة يونيكورن ريوت المستقلة.
تحيّزٌ ضمني
حتى في الحالات التي تمكن فيها الناشطون من إقناع المراسلين المحليين بتغطية تحركاتهم، افتقرت هذه التغطيات إلى شرح السياق وتقديم المعلومات بما يكفي. حين حاول مجموعة "نيوجيرسي 11" الحصول على موقف مؤيد لوقف إطلاق النار من مجلس مدينة نيوجيرسي، غطّت صحيفة جيرسي جورنال الحملة، لكن سلبياً.
وقالت الصحيفة في مقال نُشر في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، قبل تصويت مجلس المدينة على القرار، إن "الحرب بدأت في 7 أكتوبر عندما شنّت حماس هجمات غير مبررة".
وانتقدت ميرا جافري من منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام تغطية الإعلام المحلي للحراك المؤيد لفلسطين، وقالت لـ"تروث آوت": "من المؤكد أن التحيز الإعلامي له تأثير على الحركة وتصور الناس للحقيقة"، مضيفةً: "لا يقتصر الأمر على أن هذا النوع من التقارير يحبط جهود وقف إطلاق النار، وهو هدفها الرئيسي، ولكنه يساعد أيضاً في نشر المشاعر المعادية للعرب والفلسطينيين والمعادية للإسلام".
وتابعت: "وسائل الإعلام السائدة تجبر الناشطين في حركة وقف إطلاق النار على بذل جهد أكبر من أجل تحقيق السلام".
بدورها، اعترضت الناشطة كايتلين بلانشارد من ولاية تينيسي على تغطية الصحف المحلية في مدينتها تشاتانوغا، ورأت الإشارة المتكررة في الصحف المحلية إلى "حماس باعتبارها سبباً للعدوان الإسرائيلي" على أنّها من "أوقح الادعاءات"، كذلك، لفتت إلى أن افتقار معظم التغطيات إلى السياق يجعلها متحيّزة ضمنية لمصلحة الاحتلال، حتّى في التقارير التي تعطي مساحة مماثلة لمؤيدي الطرفين.
وقالت: "يقدم الوضع القائم بين فلسطين وإسرائيل من دون أي تحليل على الإطلاق، ثم لا تتاح للناس الفرصة لمراجعة أفكارهم وانحيازاتهم المسبقة".
كان ذلك مشكلة أيضاً في سان فرانسيسكو، مع أن التقارير في الصحافة المحلية غالباً ما كانت متعاطفة مع الحركة الداعية إلى وقف إطلاق النار، بحسب وسيم الحاج من المركز العربي للموارد والتنظيم.
وقال: "أعتقد أنه مقابل كل صوت معارض لوقف إطلاق النار في سان فرانسيسكو، ستجد أكثر من 1000 صوت مؤيد، لكن في التغطية الصحافية ستشعر كما لو أن داعمي وقف إطلاق النار ورافضيه متساوون من ناحية الوزن السياسي".
وانتقد الحاج وبلانشارد والعديد من الناشطين الخلط المتعمد بين الصهاينة والمجتمع اليهودي المحلي، حتى مع لعب اليهود المناهضين للصهيونية دوراً بارزاً في معظم التحركات الداعية إلى وقف إطلاق النار في غزة.
وقال الحاج: “دائماً ما يتم اقتباس مركزنا في الصحف المحلية، لكنّ المراسلين يكونون أكثر تحفظاً في الحديث والاقتباس من المنظمات اليهودية المناهضة للصهيونية خلال إعداد تقاريرهم".
وبحسب "تروث آوت"، استخدمت العديد من المنصات الإخبارية في نيوجيرسي هذا الخلط الخاطئ في تغطيتها، ويعود ذلك بحسب الناشطة في "الصوت اليهودي من أجل السلام"، ليز كوبر، إلى تزايد المشاعر المعادية للصهيونية داخل المجتمع اليهودي في أميركا.
وقالت إنه في حين انقسمت المجتمعات اليهودية حول فلسطين، تظلّ معظم المؤسسات اليهودية صهيونية بشدة، وتعمل على قمع الأصوات اليهودية المناهضة للصهيونية".
وتابعت: "ليس هناك شك في ذهن أي شخص أن اللاعبين المؤثرين في الحياة المؤسسية اليهودية والسياسة المحلية كانوا معادين بوضوح شديد لصوت اليهود من أجل السلام، وهذا على وجه التحديد بسبب انهيار إجماع المجتمع اليهودي على إسرائيل".
مساحة للنضال
وكتبت كوبر لمدونة أنشأتها حركة وقف إطلاق النار في نيوجيرسي حول التجمع الأسبوعي الذي يعقد في بلدتها ساوث أورانج.
قالت كوبر: "لقد كنت متحمسةً للتحدث عن الحراك، لأنني شعرت أنه كان تغييراً مهماً في المشهد السياسي في شمال جيرسي ولم يتم تناوله بدقة".
وأشارت إلى أن حركة وقف إطلاق النار أنشأت مدونتها الخاصة لتغطية تحركاتها ونشاطاتها في نيوجيرسي بشكل يعبر عن رسالتها بدقة.
وأعرب العديد من الناشطين عن شعورهم بالحاجة إلى النشر عبر منصات خاصة بهم، نظراً إلى الأداء المنحاز الذي قدمته الصحف المحلية، ورأت كايتلين بلانشارد أنّها "فرصة يجب أخذها على محمل الجد". بدوره، قال وسيم الحاج: "وسائل الإعلام جزء من المشكلة، والآن بدأت الحركة بإدراك ضرورة بذل مزيدٍ من الجهد من الناحية الإعلامية، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام التقليدية".
فيما قال عدنان أحمد: "علينا أن نتعلم من غزة، يجب على الأشخاص العاديين أن يصيروا صحافيين ينقلون إلينا حقيقة ما يحدث، هذا هو نوع التغطية الإعلامية التي يجب أن نعتمد عليها نحن المؤيدين للفلسطينيين".