تُعد الصقارة فناً تاريخياً يرجع إلى زمن القبائل البدوية، حيث تُدرَّب الطيور الجارحة على مستوى عالٍ وتُستخدم لصيد الطيور المهاجرة للحصول على الغذاء. تنتج العلاقة التي تنشأ بين الطائر ومدرّبه في العادة شراكة صيد عظيمة. هذا الطائر الانعزالي يعلّم مربّيه الصبر والتحمّل والاعتماد على النفس والشجاعة.
يُعد الصقر الحرّ وصقر شاهين، صقري الصيد الأكثر شهرة وطلباً لدى هواة الصيد في قطر، وعادةً ما يتمّ حبسهما وترويضهما وإعدادهما للطلب التقليدي للبيع في أسواق الصقور بأسعار تبدأ بـ30 ألف ريال قطري وقد تصل إلى أكثر من مليون ريال قطري. (الدولار= 3.64 ريالات)
تكفي زيارة سوق الصقور في الدوحة، للتعرّف على أصالة هذا التقليد وثقافة الصقارة القطرية. يمثّل السوق بقعةً مثاليةً للاستمتاع بملاحظة الصقور، وتصويرها عن قرب، وكذلك الإمساك بها تحت إشراف متخصّصين.
يوجد بالقرب من المنطقة مستشفى الصقور، لرعاية الطيور المصابة وعلاجها. ومن المحتمل أن ترى صقوراً مقنّعة بشكل مؤقت، وهي ممارسة مُتّبعة كجزء من عملية الترويض، للحفاظ على هدوء الصقر حتّى يعتاد على الأجواء المحيطة به أو على مربي الصقور.
يقول عضو جمعية القناص القطرية متعب القحطاني، لـ"العربي الجديد"، إنّ موسم الصقارة يبدأ مع بزوغ نجم سهيل، في 24 أغسطس/ آب من كل عام. عندها، يبدأ هواة الصيد في الاستعداد للصيد في البرّ، ويستمرّ الموسم حتّى شهر مارس/ آذار من كلّ عام.
وهناك نوعان من الصقور منتشران في قطر: الطير الهجين، الذي ربي في المزرعة، والطير الوحش، الذي عاش في الطبيعة، وعادةً ما يكون صياداً أمهر من صقور المزرعة.
جمعية القناص القطرية
تختص جمعية القناص القطرية برياضة الصيد بالصقور (الصقارة) وبشؤون القنص والقناصين، وتعمل على دعم الصيد العربي التقليدي من خلال مساندة القناصين وإدارة أعمالهم، إضافة إلى تنظيم فعاليات متنوعة حول الصيد، وتمثيل الصقارين العرب في المسابقات الإقليمية والعالمية.
وقد خاطبت جمعية القناص القطرية منظمة يونسكو، لتصنيف الصقارة على لائحة التراث غير المادي للإنسانية عام 2010، وقامت بصياغة مذكرة تفاهم للحفاظ على الطيور المهاجرة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، لا سيما المهدّدة منها بالانقراض، مثل الصقر الحر. وتنص المذكرة على بناء شبكة تضمّ الصقارين، والبيطريين والصيادين والباحثين لتبادل المعلومات والخبرات، ووضع الأنظمة والآليات لتنظيم الصقارة، وتقرير أفضل السبل لرعاية الصقور.
يشير القحطاني إلى أنّ الجمعية قد نظّمت، منذ تأسيسها، العديد من الفعاليات السنوية، أهمها مهرجان قطر الدولي للصقور والصيد، وبطولة القناص التنشيطية، وبطولة إصفري قطر للصقور، ومعزاب القناص الصغير، والبطولة الدولية لهدد السلوقي.
أما، على الصعيد العلمي، فتقيم الجمعية مؤتمر قطر الدولي لبيطرة الصقور بالتعاون مع منظمة الصقارة العالمية، ويحضر المؤتمر أطباء وعلماء ومتخصّصون وطلّاب للاطلاع على آخر التطورات العلمية والطبية في مجال بيطرة الصقور. كذلك، يعد مهرجان قطر الدولي للصقور والصيد، الذي تنظمه الجمعية من أكبر المهرجانات المتخصصة في مجال الصقور والصيد في المنطقة، وحظي المهرجان في نسخته الأخيرة بمشاركة واسعة النطاق، تمثّلت في مشاركة آلاف الصقارين من دول مجلس التعاون الخليجي.
يقع مقرّ الجمعية في المؤسسة العامة للحيّ الثقافي (كتارا)، ويعدّ مبناها من أبرز معالم الحي، نظراً لتصميمه المستوحى من برقع الصقور. جذب المبنى عدداً كبيراً من المصورين المشهورين، واعتبرته صحيفة "ذا تليغراف" البريطانية وجهة ضرورية لزوار قطر، كما اختير في المرتبة الخامسة لأشهر 58 معلماً في الدوحة.
ويضمّ مقرّ الجمعية معرضاً نادراً للمحنطات، يشمل أهم الأنواع البرية التي تعيش في البيئة القطرية. كذلك، يضمّ قاعة للمحاضرات والدروس المخصص للمهتمين بالصقارة.
لمحة عن أنواع الصقور وألوانها
يقول أحد هواة الصيد بالصقور، محمد الهاجري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جيل الشباب متمسّك بتراث الأجداد"، ويعتبر أن لا متعة تضاهي متعة هذه الهواية رغم تكلفتها المالية العالية. ويشير إلى وجود أنواعٍ محدّدة من الصقور، أكثر شهرةً من غيرها في أوساط الصقارين، مثل الصقر الحر (الوافي) ويمتاز بكثرة ألوانه وبكبر هامته، وتمام المنسر المحبوب في الخليج، أمّا أفضلها فيسمى الفارسي، وكذلك الصقور القادمة من الشام وباكستان.
كذلك، تبرز أنواع أخرى مثل المثلوث، ويُقال له غالباً مثلوث الحرار، وهو سريعٌ وصغير الحجم. أما الوكري، فيعتبر من أصغر أنواع الصقور، ويمتاز بلون أحمر أعلى رأسه. بينما، يتميّز الشاهين برأسه شبه المستطيل وعينيه الصغيرتين، وريشه أقرب إلى السواد، وحجمه المتوسط نسبةً للطيور الأخرى، وفي الغالب يكون أسرع من الحر.
لكن، من عيوب الشاهين أنّه يحتاج إلى الطعام الطازج بشكل يومي، بينما يمكن ترك الحر دون طعام لمدّة 3 أيّام. مع ذلك، فإنّ سرعة الشاهين مقارنة بغيره، والتي تصل إلى 360 كيلومتراً في الساعة، تجعل منه رغم عيوبه الخيار المفضل للكثير من الصقارين.
تمتلك الصقور ألواناً مختلفة، فمنها الأبيض والأسود والأحمر والأشقر والأخضر. لا يخلو الصقر الأبيض من بعض النقط أو الخطوط أو النمش على ريشه، لكن قلّة عددها وظهورها، تزيد من سعر الطير في السوق وجماله في أعين الصقارين. أمّا الأسود، فلا يشبه لونه سواد الغراب، فهو أفتح قليلاً وأقرب للبني الداكن، ويسمى بالسنجاري، نسبة إلى جبل سنجار في العراق.
أمّا الأحمر فهو يخلو من الخطوط والنقاط، ويملك شعبيةً بين الصقارين. بينما ينظر إلى الصقر صاحب اللون الأخضر على أنّه الأدنى مرتبة بين الصقور ويفضّل أن يكون لون رأسه ولون ظهره متماثلين.