الصيد في غرينلاند... تقليد أساسي للإنويت يشهد تغييرات بسبب المناخ

21 يونيو 2024
كان هيلمر هاميكين شاهداً على التغير المناخي، 29 إبريل 2024 (أوليفييه مورين/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- هيلمر هاميكين، صياد محترف في غرينلاند، يعتمد على الصيد التقليدي للفقمات والدببة القطبية، مستخدمًا تقنيات تقليدية تعكس ثقافة وأسلوب حياة سكان قريته.
- التغير المناخي والقيود المفروضة على الصيد تهددان تقاليد الصيد، حيث يشهد هيلمر على التأثيرات السلبية مثل ذوبان الجليد والتحول نحو صيد الفقمات بسبب قيود صيد الدببة.
- مارتن مادسن، صياد جيل جديد، يواجه تحديات مختلفة ويأمل في مستقبل مختلف لابنه، مع التغييرات البيئية والاقتصادية التي تجعل الصيد أقل جاذبية كمصدر للعيش.

يرصد هيلمر هاميكين أحد ممتهني الصيد فقمة حلقية قرب ثقب جليدي، فيتقدّم ببطء فوق الجليد، مرتدياً ملابس بيضاء، ثم يستلقي وينتظر. عندما يُصدر أصواتاً برجليه، ترفع الفقمة رأسها، فيطلق النار. وفي هذا المنظر الأشبه بسطح القمر، يُقَطّع هيلمر الحيوان فوراً ويتناول قطعة نيئة من الكبد؛ مكافأة الصياد.

هذا المشهد عادي على جانب إيتوكورتورميت، قرب مضيق سكورسبي، أكبر مضيق بحري في العالم على الساحل الشرقي لغرينلاند، على أطراف القطب الشمالي. في هذه البلدة التي تضم 350 نسمة وتتميز بمنازلها الملوّنة، يمارس جميع الرجال الصيد: يصطادون الدببة إذا كانوا محترفين، والفقمات أو كركدن البحر أو ثور المسك إذا كانوا من الهواة.

فالصيد هو أسلوب حياة القدماء ويتوارثونه من جيل إلى آخر. ولكن منذ عشرين سنة، يعرّض التغير المناخي وتقييد الأعداد المسموح بصيدها، تقليداً تعتاش منه عائلات الإنويت إلى الخطر تدريجياً. ولتصوير حياتهم اليومية، عاش صحافي ومصوّر يعملان في وكالة فرانس برس لأيام عدة في نهاية إبريل/ نيسان مع صيادين محترفين من إيتوكورتورميت.

هيلمر هاميكين (66 عاماً)، شاهد على التغير المناخي. عندما يصل بواسطة زلاجة تجرّها الكلاب على طبقة جليدية على حافة المحيط، يُعامَل هيلمر باحترام. إنه أكبر صياد للدببة القطبية في غرينلاند، إذ قتل 319 دبّاً خلال السنوات الخمسين الفائتة، سبعة منها هذا العام.

تعود شهرة هيلمر إلى ثمانينيات القرن العشرين حين كان يذهب بمفرده عبر الأنهر الجليدية في المضيق البحري، مع كلابه وخيمة وبعض الإمدادات، وكان يصطاد ما يصل إلى ثلاثة دببة في نهاية رحلة استكشافية تستمر أسابيع عدة. كانت تلك المرحلة العصر الذهبي للصيادين المحترفين، حين كانت جلود الدببة تُباع في الخارج.

عام 2005، فُرضت قيود على أعداد الدببة القطبية المسموح بصيدها للحدّ من انخفاض أعدادها، وحُدد العدد بـ35 دبّاً لعام 2024، لكن الحصة الإجمالية استُنفدت حتى نهاية إبريل، ولهذا السبب كان هيلمر يصطاد الفقمات في ذلك اليوم، إذ لا يخضع صيد هذا النوع من الحيوانات لقيود على الأعداد.

ومنذ بداية القرن، كان هيلمر هاميكين شاهداً على التأثير البطيء للتغير المناخي في القطب الشمالي الذي يشهد احتراراً أسرع بأربع مرات من المتوسط العالمي. يقول هيلمر: "في السابق، كان بإمكاننا الصيد طوال السنة"، مضيفاً: "كان الجليد خلال الشتاء أكثر صلابة (...) ولم يكن المضيق البحري يذوب مطلقاً. أما اليوم، فباتت الطبقة الجليدية أرقّ وأقل تمدداً، وأصبح المضيق مفتوحاً من منتصف يوليو/ تموز إلى أوائل سبتمبر/ أيلول". يتابع: "في أغسطس/ آب، ستكون كل الطبقة الجليدية قد ذابت ولن يبقى سوى البحر، بحر هائج"، ما يصعّب اصطياد الفقمات أو كركدن البحر (الخاضعة أيضا لقيود على الأعداد المسموح بصيدها).

أما الدببة القطبية التي تصطاد على الطبقة الجليدية، فيتساءل هيلمر عمّا ستفعله للصمود. ومن المؤكّد أنّ هذه الحيوانات ستهاجر شمالاً في المستقبل، بحسب الباحثين. يقول هيلمر: "ماذا سيحدث خلال السنوات الخمسين المقبلة؟"، مضيفاً: "الصيد أمر أساسي لاستمرارنا، ونحن بحاجة إليه لنعتاش. إنه مهم للقرية ولمستقبلنا".

مارتن مادسن (28 سنة)، هو أيضاً أحد الصيادين المحترفين العشرة في إيتوكورتورميت. وهؤلاء الصيادون هم الوحيدون المسموح لهم باصطياد الدببة القطبية. ويُمنح لقب المحترف لمَن يعتاش كلياً من الصيد. يقول مادسن: "أمارس الصيد منذ كنت طفلاً. لقد نشأتُ بين صيادين، فوالدي وجدّي يمارسان هذا النشاط".

ومنذ العصر الذهبي الذي شهده كبار السنّ في عائلته، تغيرت ظروف الصياد المحترف. يقول مارتن: "لم يعد هناك الكثير لاصطياده في المرحلة الراهنة"، مضيفاً: "الأعداد المسموح صيدها غير مقبولة". يصل سعر جلد الدب الذي لا يُباع إلا في غرينلاند منذ صدور حظر فرضه الاتحاد الأوروبي عام 2008، إلى ألفي يورو، بينما يبلغ سعر جلد الفقمة 40 يورو كحد أقصى، وهو سعر أقل بنحو النصف من ذلك الذي كان مُعتمداً قبل فرض حظر أُلغي أخيراً للإنويت.

داخل منزلهما، تُعدّ شريكة حياة مارتن، شارلوت بايك، حساءً من لحم الدب القطبي مع الطماطم والجزر والبصل والكاري الأحمر. تقول هذه المرأة الأربعينية إنّ "الحياة صعبة جداً (...) فالصيد يحقق لنا دخلاً قليلاً". ويأمل مارتن، الذي لم يرتد المدرسة مطلقاً، ألا يصبح ابنهما نواه البالغ من العمر ثماني سنوات صيّاداً.

(فرانس برس)

المساهمون