استمع إلى الملخص
- **الجدل حول هدم طابية الدخيلة**: تداولت أخبار عن تطوير المنطقة المحيطة بالطابية، مما أثار ارتباكاً. وزارة الآثار نفت نية الهدم، ودعوات للحفاظ على الحصون التاريخية وإنقاذها من الإهمال.
- **دعوات للحفاظ على الطوابي وتطويرها**: انتقد أستاذ التاريخ إسلام عاصم غياب المعلومات الرسمية، وطالب عبد الرحيم ريحان بترميم الطوابي وتطوير المنطقة المحيطة بها. أكد زياد مرسي على ضرورة توثيق الطوابي وإجراء أعمال ترميم عاجلة.
حالة من الارتباك وتضارب البيانات بخصوص هدم إحدى الطوابي في الإسكندرية الأثرية (شمالي مصر) المعروفة بطابية الدخيلة، بعد تداول أخبار عن البدء في أعمال تطوير المنطقة المحيطة، أعادت إلى السطح الحديث عن الأهمية التاريخية والسياحية لتلك الحصون التي ساهمت في حماية مصر من الغزاة منذ بدايات القرن التاسع عشر.
الطوابي هي إحدى القلاع أو الحصون التاريخية التي بناها الحكام والملوك على مدار التاريخ لتحصين سواحل المدينة وشواطئها المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ضد الغزو الخارجي. فيما زاد الاهتمام بها بأمر من محمد علي باشا والي مصر (1805 – 1848)، إذ وصل عددها إلى 25 قلعة منتشرة في أطراف المحافظة. وبمرور الزمن، تقلّص عدد الطوابي لأسباب عديدة، ما بين التعديات، أو الظروف المناخية الصعبة، وإهمال الصيانة والترميم، وتردي حالتها الإنشائية، ولم يبق منها إلا بقايا وأطلال 12 طابية وبرجاً مسجلين أثاراً، مثل طابية الدخيلة والنحاسين الموجودة في منطقة الشلالات وسط المحافظة، وطابية عرابي في منطقة العجمي، فيما تعاني مبان أخرى من التآكل بفعل الأمواج، مثل طابية كوسا باشا، والطابية الحمراء، وقلعة قايتباي.
ورغم إعلان وزارة الآثار المصرية أنه لا توجد نية لهدم طابية الدخيلة التي يرجع تاريخها إلى العصر المملوكي، وأنه لن تجري إزالتها كما يتردد، وسيُحافَظ عليها ضمن مشروع تطوير المنطقة مع مشروع ميناء الإسكندرية الكبير، انطلقت دعوات للمطالبة بالاهتمام والحفاظ على الحصون التاريخية التي تتعرض إلى الهدم واحدة تلو الأخرى من دون اكتراث لقيمتها التاريخية والأثرية، وإنقاذها من الإهمال والتعديات والاندثار، كجزء من هوية المدينة وتاريخها العريق. هكذا، وجه النائب محمود عصام، عضو مجلس النواب، طلب إحاطة للحكومة ممثلة في وزارتي السياحة والآثار والتنمية المحلية بشأن ترميم طوابي الإسكندرية، وإنقاذها من الانهيار.
قال النائب: "أصبحت طوابي الإسكندرية معرضة إلى الانهيار لعدة عوامل، سواء بسبب الإهمال الشديد الذي تواجهه لغياب الترميم والمتابعة المستمرة، أو بسبب التعديات التي تواجهها في العديد من المناطق". وأوضح عضو مجلس النواب في طلب الإحاطة أن الظروف والتغيرات المناخية التي تشهدها مدينة الإسكندرية، أثرت أيضاً في الطوابي، حتى أصبحت عرضة للانهيار.
وأكد أن الطوابي واحدة من أهم العلامات المميزة في الإسكندرية. وأشار إلى أن عدداً كبيراً من الطوابي تعرض إلى الإهمال ما تسبب في سقوطها، وتواجه بقيتها أزمة قد تودي بها إلى السقوط أيضاً. وطالب النائب الحكومة ممثلة في وزارتي السياحة والآثار والتنمية المحلية، من خلال المحافظة، بوضع خطة لإنقاذ ما تبقى من هذه الآثار الشاهدة على مدينة الإسكندرية، مشدّداً على ضرورة توفير الاعتمادات المالية اللازمة لصيانتها ورفع كفاءتها.
ينتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بالمعهد العالي للسياحة بالإسكندرية، إسلام عاصم، ما وصفه بغياب المعلومات الرسمية حول الأمر، مشيراً إلى أن معلومات مجهولة المصدر تدفقت بشدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بإزالة بقايا طابية الدخيلة للمنفعة العامة، لتكون تحت تصرف الهيئة العامة لميناء الإسكندرية.
ويؤكد عاصم لـ"العربي الجديد" أن طوابي مدينة الإسكندرية تحمل تاريخاً يصوّر كفاح المدينة ضد الغزاة، ويمكن الاستفادة منها في قطاع السياحة في مصر، مشيراً إلى أن هناك العديد من الكتب والدراسات الأجنبية، خاصة من باحثين إنكليز، اهتمت بهذه المواقع، لأهميتها التاريخية والعسكرية. ويوضّح أن المنطقة المحيطة بطابية الدخيلة تشمل الحوض الجاف، وفناراً، ومنطقة مخصصة للصيادين، ومدافع أثرية تعود إلى عهد الخديوي إسماعيل، كما كانت تضم في فترات سابقة ثاني أقدم المطارات في مصر، قبل إزالته.
فيما يطالب رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، عبد الرحيم ريحان، وزارة السياحة والآثار، بضرورة بالبدء فوراً في مشاريع عاجلة للترميم ودرء الأخطار عن طوابي الإسكندرية والمدافع النادرة الموجودة بها، بالتعاون مع كل الجهات المعنية، لوضعها على الخريطة السياحية في مصر، مع ضرورة وضعها على قواعد خرسانية ودهانها بمواد للحفاظ عليها، وعمل مصدات لمياه البحر، وتطوير وتجميل المنطقة المحيطة بالأثر، ونقل المصانع الملوثة للبيئة، وتحويلها إلى استراحات ومنطقة خدمات للموقع السياحي، وجراج لخدمة الزوار.
ويؤكد ريحان أن الطوابي لم تحظَ بالاهتمام المناسب، وكثير منها لم تمتد إليها أعمال الترميم أو التطوير نهائياً، رغم أن بعضها مسجّل في قوائم الآثار الإسلامية المصرية، ومنها ما هو غير مسجّل، وكثير منها تعرض إلى ضياع المعالم الأثرية، وانهيار أسوارها الخارجية، وتحلل المونة الرابطة بين الأحجار، وتآكل الأحجار، بفعل الأمواج والتغيرات والعوامل المناخية، كما أن المدافع أمامها تعرضت إلى الصدأ والتآكل، بسبب العوامل المناخية وقربها من البحر.
ويوضح ريحان أن المدينة كانت على مر العصور محل اهتمام كل الحكام، وعندما تولى محمد علي حكم مصر اهتم بتحصينها، فاستدعى المهندس الحربي الفرنسي، جاليس بك، لترميم الحصون القديمة وبناء العديد من الطوابي والأبراج الجديدة على مسافة ثلاثة كيلومترات لتأمين سواحل المدينة ضد أي غزو.
أما الخبير والمختص في الآثار البحرية، زياد مرسي، فيقول إن طابية الدخيلة هي أقدم أثر مملوكي مسجّل في الإسكندرية، وشاهد على حقبة مهمة في تاريخ مصر، من خلال دورها في تحصين الحدود والشواطئ، ضمن عشرات من الطوابي الحربية الأثرية التي تحكى تاريخ المدينة وتعاني من مخاطر عديدة نتيجة مرور الزمن وإهمال الصيانة والترميم.
يوضح مرسي لـ"العربي الجديد" أنه بمرور السنين اندثرت أغلب هذه الطوابي على طول الساحل المصري، بداية من العجمي في الإسكندرية حتى دمياط، وبعضها ما زال صامداً، يحتفظ بكثير من ملامحه مما يستلزم اهتماماً أكبر لتوثيقها والحفاظ عليها، إلى جانب إجراء أعمال ترميم عاجلة لدرء الخطورة عنها.
ويؤكد ضرورة توضيح الأمور فيما يخص تاريخ المنطقة ومستقبلها، بخاصة أن طابية الدخيلة لها رمزية تاريخية، فكانت من أقدم وأشهر الطوابي الدفاعية في مدينة الإسكندرية ضد الغزاة، وتُمثل شكلاً من أشكال الكتائب العسكرية ذات الرادارات المناسبة لذلك الزمن.