كشف تحقيق صحافي، أعدّه مركز حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي - أن النيابة العامّة الفلسطينية طلبت من شركات الاتصال العامة والإنترنت الحصول على معلومات تخصّ مشتركين/ات في قضايا تحقيقية مختلفة، بواقع 26 ألف مرة خلال عام 2021.
شركات الاتصال لا تملك حق الرفض
وفق التحقيق الصحافي الذي أعدّه الصحافيان فراس الطويل وبثينة سفاريني، فإنه غالبًا ما تكون هذه المعلومات التي يتم طلبها عبارة عن كشوفات لسجلّ اتّصالات الشّخص المتّهم (مكالمات صادرة وواردة)، ولا يشمل السّجل التّسجيل الصّوتي.
ويقول رئيس نيابة الجرائم الإلكترونية في النيابة العامة الفلسطينية ناصر جرّار، كما ورد في التحقيق، "إن عدد الطّلبات المقدّمة من قبل النيابة العامّة إلى شركات الاتّصال والإنترنت، خلال عام 2021، وصل إلى 26 ألف طلب، وفي 2020 كان الرّقم بحدود 21 ألفًا". وفقًا لجرّار، فإنّ فحوى المكالمات والرّسائل النصّية لا يمكن الوصول إليه، وهو بحاجة إلى تقنيّات خاصّة غير متوفّرة أساسًا لدى شركات مزوّدي الخدمة، بل أكد أنّ "النيابة لا تتعامل مع التسجيلات الصوتيّة، لأنّها غير قانونية".
ويشير التحقيق إلى أن تلك الطلبات لا تملك الشّركات صلاحية رفضها، لكنّه أكد أن النيابة رفضت طلبات مقدّمة من أجهزة أمنيّة للحصول على بيانات، لأنّها غير مرفقة بمحاضر استدلال وغير مقنعة، وعن عددها قال: "نسبتها قليلة جدًّا".
رئيس هيئة مكافحة الفساد يحصل على معلومات عن موظفيه
بالإضافة إلى النيابة العامّة والمحاكم المختصّة، أكد التحقيق الصحافي أنّ هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية كانت تطلب من شركات الاتّصال (بالتل، وجوال، وأوريدو) بيانات عن مشتركين بقضايا تحقيقيّة، وفق ما قاله جرار، الذي يضيف "إنّ النّيابة العامّة علمت بطلب رئيس هيئة مكافحة الفساد السّابق أحمد براك من الشّركات المزوّدة للخدمة معلومات عن مشتركين، مستندًا لنصّ بقانون مكافحة الفساد، وتبين أن لا صلاحيّة لهيئة مكافحة الفساد بطلب ذلك، وتمّ منع الشّركات من تزويدها بأيّة معلومات، إلّا من خلال النيابة أو المحكمة المختصّة، كضمانة لسرّية المشتركين ولعدم استعمال هذه الصّلاحيّة لأهداف شخصيّة".
النيابة العامّة الفلسطينية طلبت معلومات تخصّ مشتركين/ات 26 ألف مرة في 2021.
ويشير جرار إلى أن براك تمكن من الطّلب والحصول على هذه المعلومات من مزوّدي الخدمة لفترة قصيرة، واستغلّ الأمر للحصول على معلومات اتّصال تخصّ موظّفين/ات في هيئة مكافحة الفساد.
وأشار معدّا التحقيق الصحافي إلى أن هذا السّلوك (طلب المعلومات) كان متّبعًا قبل وصول أحمد براك إلى رئاسة هيئة مكافحة الفساد.
الناشطون في خطر
يشير التحقيق إلى ما حصل خلال الاحتجاجات الشعبية، التي أعقبت مقتل الناشط السياسي نزار بنات، العام الماضي، من سرقة هواتف المتظاهرين والصحافيين على نطاق واسع، وقد جرى التركيز على سرقة هواتف الصحافيّات والمتظاهرات النساء بشكل خاص، وتمّ في وقت لاحق نشر صور خاصّة جدًّا لهن محفوظة في هواتفهنّ وتعميمها على بعض مواقع التواصل الاجتماعي وتعرّضت بعضهنّ للابتزاز والتّهديد لثنيهنّ عن الخروج في الاحتجاجات أو تغطيتها.
ويشير التحقيق إلى أنه رغم ملاحقة النيابة العامة العسكريّة لأحد المتّهمين بسرقة هاتف إحدى المتظاهرات وبيعه، إلا أنّ محدوديّة إجراءات المساءلة في هذا الملف بقيت واضحة، ما يتطلّب من أجهزة إنفاذ القانون، وعلى رأسها النيابة العامة، اتّخاذ إجراءات جدّية لملاحقة المتورطين.
الحق في الخصوصية
يشكل الحقُّ في الخصوصيّة أحد حقوق الإنسان المنصوص عليها بالاتفاقيّات والمواثيق الدّولية، وينصّ القانون الأساسي الفلسطيني المُعدّل لعام 2003 صراحةً على أنّ حقوق الإنسان وحرّياته الأساسيّة ملزمة وواجبة الاحترام.
إلا أن المشكلة الجوهرية - بنظر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"- في نصوص القوانين الفلسطينية، الناظمة لحالات التّدخل في الخصوصيّة، بإسقاطها لشرط الأمر القضائي المسبِّب للتّفتيش أو الضّبط، واكتفائها – فقط ــ بمذكّرة التّفتيش والضّبط، الصّادرة عن النّيابة العامّة، أو عن النّائب العام، أو أحد مساعديه، بحسب الأحوال.
وأعطى قرار في قانون الجرائم الإلكترونية النيابة العامة صلاحية ضبط الأجهزة الإلكترونية، وصلاحية تفتيشها لمدّة غير محدّدة، وصلاحية بضبط كامل نظام المعلومات، أو جزء منه، والوسيلة التي تحتويه.
ويرى منسّق أعمال مجلس منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، محمود الإفرنجي، أن هناك إشكالية في ما منحته بعض النصوص القانونية، من صلاحيات للأجهزة الأمنية، في التّدخل في الحياة المدنية.
المشكلة الجوهرية التي تتيح خرق الخصوصية تكمن في نصوص القوانين الفلسطينية
وبحسب الإفرنجي، يعطي القرار بقانون لكل الأجهزة الأمنية صلاحية إنشاء وحدات متخصّصة تسمى "وحدة الجرائم الإلكترونية"، وتتولى النيابة العامة الإشراف القضائي عليها، لكن النيابة لا تشرف إلا على جهاز الشرطة، مشيرًا إلى أن المؤسّسات الحقوقية تطالب بأن تكون هناك وحدة واحدة للجرائم الإلكترونية في جهاز الشرطة فقط.
افتقار للشفافية
يرى الباحث في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار جاموس أنّ شركات الاتّصال والإنترنت الفلسطينيّة تفتقر للشّفافية، بملف خصوصيّة المشتركين/ات وبياناتهم، وبالدرجة نفسها تبدو الشفافية غائبة لدى الجهات الحكومية والأجهزة الرسمية في فلسطين.
واستقبلت الهيئة المستقلة، وعلى مدار السّنوات السّابقة، مئات الشكاوى، من مواطنين/ات حول خضوعهم لتدخّلٍ غير قانوني، في خصوصيّتهم من خلال (التّفتيش الشّخصي، وتفتيش المساكن والأجهزة الإلكترونية) من دون أن تكون هنالك مذكرة قانونيّة، صادرة عن النّيابة العامّة تأذن بالتفتيش.
ووثّق المرصد الفلسطيني لانتهاكات الحقوق الرّقمية (حُر)، التّابع لحملة - للمركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، (1121) انتهاكًا للحقوق الرّقمية الفلسطينية؛ منذ بداية عام 2021 حتّى يناير/ كانون الثاني 2022، وضمّت انتهاكات مختلفة، منها 17 حالة اختراق رقمي.
وتقول كاثرين أبو عمشا، مديرة المناصرة المحلية، في حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، "إنّه واجب على الدّولة إلزام شركات تزويد الإنترنت والاتّصالات، وكل الجهات، الّتي تحصل على بيانات المستخدمين/ات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بأن تكون لديها سياسة واضحة وملزِمة في التّعامل مع الحقّ في الخصوصيّة والبيانات الشّخصيّة للمستخدمين/ات وحمايتها".
وفي مؤشّر على غياب الشّفافية ومعايير تداول البيانات الشّخصية، بين القطاع الرّسمي ومزوّدي الخدمات، تحدّث الإفرنجي عن موضوع تجديد ما بوصفه "عقد احتكار" شركة الاتّصالات الفلسطينيّة، في الفترة الأخيرة، من عهد حكومة رامي الحمد الله، الّتي لم تنشر حتّى اليوم.
ويشير التحقيق إلى حوادث تتعلّق بتجسس السلطة على مسؤولين، وكذلك ما أعلنت عنه شركة فيسبوك العام الماضي، من أن قسم اعتراض التّهديدات التابع لها أحبط أنشطة تجسس منفصلة على مستخدمين/ات للموقع، إحداها تابعة لجهاز الأمن الوقائي في الضفة الغربية، والأخرى تعرف باسم الأفعى القاحلة، واستهدفت معارضين وصحافيين وحقوقيين وموظّفين رسميين فلسطينيين وعربًا مدنيّين وعسكريين وأعضاء في حركة فتح.
من ناحية ثانية، حذّرت مجموعة "محامون من أجل العدالة" من خطورة إقدام بعض أجهزة الأمن الفلسطيني على إجبار موقوفين على فتح هواتفهم، وتصفّح حساباتهم، من دون مذكّرة قانونية.
الاحتلال.. سيطرة مطلقة على الاتّصالات والخصوصيّة
يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على البنية التّحتية للإنترنت وتكنولوجيا المعلومات للفلسطينيين/ات، إضافة إلى امتلاكه أحدث الوسائل التّكنولوجية، التي يستخدمها في المراقبة الدّائمة والعشوائية للفلسطينيين/ات، وانتهاك حقّهم في الخصوصيّة، وحُرمة حياتهم الخاصّة، وهذا يعني - وفق ما تثبّته الوقائع - أنّ إسرائيل تكشف خصوصيّة الفلسطينيّين/ات بشكل فاضح.
وهو ما أشار إليه التحقيق من خلال الإضاءة على استخدام الاحتلال الشبكات الفلسطينية لإيصال رسائل تهديد واختراقه هواتف فلسطينيين، ما يعكس واقعًا مركّبًا، في ما يتعلّق بالخصوصية وحماية البيانات، في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي.
ويمنع الاحتلال شركات الاتّصالات الفلسطينيّة من تقديم خدماتها في المناطق المصنّفة "ج" والمقدّرة مساحتها بـ60 في المائة من أراضي الضّفّة الغربيّة، وتستحوذ الشّركات الإسرائيلية على 20 - 40 في المائة من سوق الاتّصالات الفلسطينيّة بشكل غير قانوني.
كذلك تطرّق التحقيق إلى نقطة مهمّة تتعلّق بإجبار العمّال الفلسطينيين على تحميل "تطبيق المنسّق" على هواتفهم المحمولة "بحجّة تقديم معلومات حول تصاريح العمل، ورفع المنع الأمني"، "حيث يتطلّب التّطبيق عند تحميله الوصول إلى الموقع الجغرافي، وملفّات وبيانات الهاتف، والكاميرا، وأيّ معلومات للغطاء الأمني الإسرائيلي"