"وطن" الفلسطيني عبد الوهاب الكيالي ورفاقه "القادمون".. موسيقى إنسانية من مونتريال إلى العالم

31 مارس 2024
ينحاز عبد الوهاب الكيالي إلى الموسيقى العربية خاصة آلة العود (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- فريق "القادمون" من مونتريال يجمع أعضاء من خلفيات متنوعة مثل الفلسطيني عبد الوهاب الكيالي، ويعبر ألبومهم "وطن" عن الهوية واللجوء، حاصل على جائزة الموسيقى العالمية في مونتريال.
- الكيالي يستغل الجائزة للتعبير عن رسالة سياسية مؤيدة للتحرر والمساواة للفلسطينيين، مؤكدًا على أهمية المساواة الإنسانية والموسيقية في مشروعهم.
- "القادمون" يخططون لجولة عروض دولية ويعملون على ألبوم ثانٍ "تجاه النور"، مستوحى من فيكتور هوغو، يعكس تطلعاتهم لمستقبل مشرق ويعمق التعاون الفني.

"الترحال" هي الثيمة التي تجمع أعضاء الفريق الموسيقي "القادمون"، وتأسس في مونتريال بكندا قبل قرابة ثلاثة أعوام، وبينهم الفلسطيني عبد الوهاب الكيّالي، الذي يحمل اسم عمّه المفكر والمناضل الشهيد الذي اغتيل في بيروت عام 1981.

والكيالي، وهو من الجيل الثالث للجوء الفلسطيني كما يعرّف نفسه، يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، لكنه تفرّغ للموسيقى مُحترفاً إيّاها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وتحديداً حين استقر مع زوجته في كندا صيف عام 2020، في مونتريال، باعتبارها "الأغنى ثقافياً، لتنوعها، ولكونها الأكثر قرباً إلى الثقافة الأوروبية والمتوسطية منها إلى الثقافية الأميركية الشمالية"، ليبدأ زمالة في مركز موسيقيي العالم هناك، حيث تعرف إلى رفيقيه الإيراني والأرجنتيني ذوي الأصول البولندية، وشكلوا فريق "القادمون"، قبيل انتشار فيروس كورونا، وحصلوا على عديد المنح لإنتاج ألبومهم الأول.

والألبوم الموسوم بـ"وطن" Home أطلق عام 2022، وفيه مقطوعات تعبر عن الأوضاع في الوطن العربي هاجسها الهوية كـ"بسمة"، و"بركان" للكيالي، وأخرى لرفيقيه. حصل على الجائزة الأولى للموسيقى العالمية في مونتريال، الشهر الماضي.

ووصف الكيالي الجائزة بأنها إعلان ولادة، وتأكيد أن الفرقة من ألبومها الأول حققت أصداءً إيجابية، ووجدت من يستمع لها، ويُعجب بما قدّمته. وهي، وفق تصريحاته لـ"العربي الجديد"، بمثابة تأكيد مشروع "القادمون" وأهميته، كاشفاً أن الفريق لم يكن يخطط للتوجه إلى الحفل، خاصة أن النتيجة لا تعلن سلفاً، وإلى أنه أبلغ رفاقه بأنهم في حال توجهوا إلى المشاركة سيحوّل مشاركتهم فيه إلى بيان سياسي حول فلسطين.

وكان الفوز، وكان أن صعد إلى المسرح بكوفيّته، وطالب بالتحرّر والمساواة والعدالة الشاملة للفلسطينيين، أسوة بغيرهم، خاصة مع حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، مشيراً إلى أن استقبال الجمهور لرسالته كان في غاية الأهمية، خاصة أن مشروع "القادمون" يعبّر عن الحقوق المتساوية، وهي فلسفة كندية سائدة، مؤكداً أنه المولود في بيروت عام 1982، قرّر التوجه إلى كندا، بعد طول ترحال، وأكثر من لجوء ونزوح، بحثاً عن هذه المساواة الإنسانية التي هي الفلسفة المحورية لفريق "القادمون" الموسيقي.

وأشار الكيالي لـ"العربي الجديد" إلى أن هذا الألبوم فيه انعكاسات هواجس كل من الموسيقيين الثلاثة، فهو يبحث في ثيمة الهويّة بو صفه فلسطينياً، وفكرة الوطن واللجوء. فلم يغفل رفيقه الإيراني الذي كان رضيعاً في عمر السنة حين قدمت أسرته للعيش في كندا، حكاية والدته البهائية المُهجّرة أيضاً ما بين باكستان وإيران والعكس. وكان لحضور التانغو عبر رفيقهما الأرجنتيني نكهة خاصة. وإلى أن الثلاثة قبل اكتشافهما تجاورهم الإنساني والسياسي، اكتشفوا ذلك التماس في ذائقتهم الموسيقية، ولعلّ هذا سرّ نجاح مشروع "القادمون"، وألبوم "وطن"، وما سبقه من حفلات مشتركة بينهم.

واعتمر الكيالي الكوفية الفلسطينية حين تسلّم الجائزة، في حين كانت تحرص الفرقة أن تبدأ حفلاتها بدقيقة صمت حداداً على شهداء غزة، مشيراً إلى أن أعضاء الفريق كانوا متفقين على أن التوجه السياسي الغربي كان عاملاً أساسياً لتعزيز ارتكاب الإبادة الجماعية في القطاع، خاصة أن العديد من هذه الدول باتت تعاقب كلّ من ينتقد الإبادة، وهنا كان دور الفنانين في رفض سياسات حكوماتهم، ومقاطعة المؤسسات الرسمية في دولهم.

ولفت الكيالي إلى أن مشروعهم في "القادمون" قائم على المساواة ليس فقط الإنسانية، بل الموسيقية، فليس ثمة جنسٌ موسيقيّ قوّام على الآخر، أو نوع من الموسيقى تفوّق على آخر، رغم انحيازه إلى الموسيقى العربية، خاصة آلة العود، التي كان لأستاذه العراقي منير بشير دور كبير في مشواره معها وتعلقه بها، لكن دون "شوفينية" أو تطرّف.

وأشار الكيالي إلى جولة عروض بدأت منذ مارس/ آذار 2024 في عدّة مقاطعات ومدن كندية، لتقديم مقطوعات ألبوم "وطن"، وهي جولة ستمتد إلى مدن أميركية أيضاً، ويجري الترتيب لعروض في بلجيكا واليونان وتركيا والمغرب وأيرلندا وغيرها.

عبد الوهاب الكيالي
اعتمر الكيالي الكوفية الفلسطينية حين تسلّم الجائزة (فيسبوك)

وكشف الموسيقيّ الفلسطيني أن في الأفق ألبوماً ثانياً قيد الإطلاق، ويحمل عنوان "تجاه النور"، وهو مستوحى من عبارة لفيكتور هوغو حول "القادمون"، وأشار فيها إلى أن الطبيعة تقسّم البشر إلى "مغادرين يتجهون نحو الظلام، وقادمين يتجهون نحو النور"، ومن هنا جاءت التسمية، لافتاً إلى أن فيه دفعاً لقدراتهم التقنية إلى أقصى مدى، وفيه بناء على الصوت القديم في ألبوم "وطن" الذي كان يتكئ على فكرة "المنزل" أيضاً، أي مصدر الراحة، حيث الملاذ والمأمن والملجأ، ولكن بصيغة جديدة، وتحمل الطغيان ذاته لحضور النغمة ذات السردية، مع "أننا تعاونّا في الألبوم الجديد مع عازفة قانون تركية مقيمة في مونتريال، فشاركتنا في كتابة مقطوعة خاصة للفرقة، كما شاركتنا في العزف فيها، وتعاونّا أيضاً مع مؤلف جاز كندي من أصول بلغارية في مونتريال في مقطوعة بعنوان بلا بلاد"، معلناً إطلاقه هذا العام.

بعد مسيرة علمية وعملية طويلة، وبعد اشتغاله في البحث العلمي لسنوات، وجد عبد الوهاب الكيالي نفسه في عالم الموسيقى، وبات خلال سنوات على قناعة أن الرسائل التي يمكن له أن يقدمها عبر الموسيقى لا يمكنه أن يقدمها عبر البحث العلمي، وتقوم على أن من حقنا نحن الفلسطينيين أو العرب أو أي كان أن نعيش بشراً، وأن إنسانيّتنا ليست مدعاة للتجارة أو التجريح أو المحو، فليس من حق أحد مصادرتها أو الاستحواذ عليها أو تجييرها لمصلحة مشروع قمعي أو احتلالي أو إحلالي، خاصة أن "الموسيقى أقل مُباشرة، وأقل استفزازاً".

المساهمون