يوصف بعض المراهقين من البشر بأنهم غريبو الأطوار، كذلك الحال في علم الفيزياء الفلكية، إذ يمكن وصف بعض المجرات بـ"المراهقة" في بعض أطوار نموها الأولى، بسبب الفوضوية والطفرات التي يمكن أن تمر بها، عدا احتوائها على معدن ثقيل لم يتوقع العلماء وجوده في السابق، وهو النيكل.
في دراسة نشرت يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني، في دورية The Astrophysical Journal Letters، حلّل فريق من علماء الفيزياء الفلكية، النتائج الأولى لمسح التطور الكيميائي المقيد في الشفق القطبي بين النجوم، وهو برنامج يستخدم تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لإدارة الفضاء الأميركية (ناسا) لدراسة كيمياء المجرات البعيدة.
ووفقاً للنتائج المبكرة لهذه الدراسة، فإن ما يسمى بـ"المجرات المراهقة"، أي تلك التي تشكلت بعد ما بين مليارين إلى ثلاثة مليارات سنة من الانفجار الكبير، كانت ساخنة بشكل غير عادي، وتحتوي على عناصر يصعب رصدها ولم يتوقع العلماء وجودها، مثل النيكل.
ركز الباحثون على 33 مجرة بعيدة لمدة 30 ساعة متواصلة، ثم دمجوا الأطوال الموجية للضوء التي جمعت من 23 من تلك المجرات، لإنشاء صورة مركبة لما يحدث في هذه الهياكل. تحتوي هذه الأطياف الموجية على أدلة تتعلق بأشياء مثل متوسط درجات الحرارة والعناصر التي قد تكون كامنة داخلها.
تقول المؤلفة الرئيسية للدراسة والأستاذة المساعدة في الفيزياء وعلم الفلك في جامعة نورث وسترن في إلينوي في الولايات المتحدة، أليسون ستروم: "نحن نحاول أن نفهم كيف نمت المجرات وتغيرت على مدى 14 مليار سنة من التاريخ الكوني، باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي. ويستهدف برنامجنا المجرات المراهقة عندما كانت تمر بوقت فوضوي من طفرات النمو والتغيير. فغالباً ما يكون لدى المراهقين تجارب تحدد مساراتهم إلى مرحلة البلوغ. الأمر نفسه يحدث بالنسبة للمجرات".
تحتوي الصورة المركبة للمجرات على ثمانية عناصر يمكن تحديدها: الهيدروجين، والهيليوم، والنيتروجين، والأكسجين، والسيليكون، والكبريت، والأرغون، والنيكل. وبينما كان من المتوقع وجود عناصر أخف، فإن وجود النيكل، وهو أثقل من الحديد في الجدول الدوري، كان بمثابة مفاجأة إلى حد ما.
"لم أتخيل أبداً، حتى في أحلامي، أننا يمكن أن نعثر على النيكل". تقول ستروم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، وتضيف أنه حتى في المجرات القديمة والقريبة من مجرتنا، نادراً ما يلاحظ وجود النيكل، وذلك بعد دورات حياة متعددة للنجوم، ما يعني جولات متعددة من المستعرات العظمى، وإتاحة الفرصة لعناصر أثقل للتجميع والانتشار في جميع أنحاء المجرة.
تشبّه الباحثة أطياف المجرة بـ"حمضها النووي الكيميائي" الذي يمكن للعلماء، من خلال فحص هذا الحمض النووي أثناء سنوات "المراهقة" للمجرة، أن يفهموا بشكل أفضل كيف نمت وكيف ستتطور إلى مجرة أكثر نضجا. لا يزال علماء الفيزياء الفلكية لا يفهمون سبب ظهور بعض المجرات حمراء وجدباء، أي لا تتكون فيها نجوم جديدة، في حين لا يزال بعضها الآخر، مثل مجرتنا درب التبانة، تشكل نجوماً.
يمكن أن يكشف طيف المجرة عن عناصرها الرئيسية، مثل الأكسجين والكبريت، التي توفر نافذة على ما كانت تفعله المجرة سابقا وما يمكن أن تفعله في المستقبل.
أظهرت نتائج الدراسة أيضا أن المجرات المراهقة كانت شديدة الحرارة، إذ وصلت درجة حرارتها إلى أكثر من 13 ألف و350 درجة مئوية، في الوقت الذي اعتاد فيه العلماء على رصد درجات حرارة تقترب من 9700 درجة مئوية في الجيوب الأكثر سخونة في المجرات. تعلق ستروم: "هذا مجرد دليل إضافي على مدى احتمالية اختلاف طبيعة المجرات عندما كانت أصغر عمراً. في النهاية، حقيقة أننا نرى درجة حرارة مميزة أعلى، هي مجرد مظهر آخر للحمض النووي الكيميائي المختلف؛ لأن درجة حرارة وكيمياء الغاز في المجرات مرتبطان بشكل جوهري".