ما زال مونديال قطر يضيف بصمة ونكهة مختلفتين عن باقي مونديالات كأس العالم السابقة. وما زالت الدهشة حاضرة بقوة في هذه البطولة، سواء على أرض الملعب، أو من على مقاعد الجماهير، أو حتى خارج الملاعب، وبالطبع داخل البيوت العربية التي تتابع المباريات بشغف.
كل يوم يمر على المونديال تظهر العبارة العربية التي جاءت مع انطلاقة كأس العالم: "هذا المونديال غير"، مع التأكيد أيضاً على أن مونديال قطر سيبقى محفوراً في الذاكرة، ليست العربية فقط، بل أيضاً العالمية. ولعل مفاجآت مونديال هذه المرة زادت من شغف الجماهير العربية فيه، خصوصاً بعد خروج منتخبات كبيرة باكراً من البطولة، كألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، بالإضافة إلى الانتصار القطري على حملات التشويه التي طاولته، والغمز واللمز الغربي الذي لم يغن ولم يسمن ولك يغن من جوع، ولم يؤثر على صمود المونديال، ناهيك عن التفوق الكروي العربي والأفريقي لمنتخب المغرب.
ومن النكهات اللطيفة التي خلفها كأس العالم في قطر، الحضور القوي للنساء المسنات العربيات في المشهد المونديالي، وربما يتمثل ذلك بوالدة اللاعب المغربي أشرف حكيمي، تلك السيدة المسنة الحاضرة باستمرار في ملاعب قطر، لتساند ابنها وفريق منتتخبه المغرب، وباتت حاضرة أيضاً في الصحف الأجنبية والعربية.
مع انتهاء كل مباراة تلعب فيها المغرب، أصبح المتابع العربي ينتظر لحظة قفز اللاعب أشرف حكيمي عن الحاجز الذي يفصل الجمهور عن أرض الملعب، ليحتضن والدته ويقبل يدها، لتظهر السيدة كنموذج للمرأة العربية في دعم نجاح مونديال قطر من جهة، ولإبراز الهدف العربي المشترك في هذه المرحلة بأن يكون مونديال قطر "غير" عن باقي المونديالات السابقة، من جهة أخرى.
ليست والدة حكيمي وحدها التي تلعب دوراً ذا نهكة لطيفة في كأس العالم 2022. هناك أيضاً نساء عربيات، من بينهن نساء أردنيات مسنات، يقمن بأداء دور عفوي وبارز في الوقت ذاته، يظهر بقوة في المباريات التي شاركت فيها منتخبات عربية، ولا شك أنه سيظهر بقوة أكبر في مباراة المنتخب المغربي اليوم ضد نظيره الفرنسي.
"وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون"، هذه الآية القرآنية تتكل عليها نساء مسنات أردنيات، ويرددنها مع كل فرصة دخول هدف من قبل المنتخب الذي يواجه المنتخب المغربي، والتي حضرت على ألسنتهن في الضربات الترجيحية بين المغرب وإسبانيا.
قليلة هي الحالات التي تتابع فيها نساء كبيرات في السن في الأردن المباريات بشكل عام، حتى أنه وبالنسبة لبعضهن كرة القدم مجرّد "تضييع وقت"، إلا هذه المرة، وتحديداً في المونديال العربي القطري. ومن يعيش في الأردن يدرك أن "جمعات" العائلات تحدث بتنسيق من الأمهات، وتأجيل وجبات الغداء حتى الساعة السادسة مساء حسب توقيت أولى المباريات، هو مشهد طبيعي جداً في هذه المرحلة.
وفي فلسطين، تظهر صور ومقاطع فيديو ينشرها ناشطون ومدونون، مثل المصور الفلسطيني طارق البكري، الذي يوثق عبر حسابه على "إنستغرام" ردود فعل مسنات فلسطينيات وهن يتابعن مباريات كأس العالم، وكيف أن المسابح لا تغادر أياديهن وهن يرددن أدعية واستغفارات "تطرح البركة" في تسديد المنتخبات العربية لأهداف في شباك "الأجانب"، وتنصرهم على منافسيهم. "الله ينصر العرب على الأجانب"، واحدة من العبارات التي ترددها نساء فلسطينيات كبيرات في السن، ودرج ترديدها بقوة في مباراة السعودية عندما هزمت منتخب الأرجنتين. أيضاً في المباراة الأخيرة، التي فاز فيها المغرب على البرتغال.
أما في ما يخص نساء المغرب، فحدث ولا حرج، إذ يقال إنه قبيل كل مباراة لمنتخب المغرب تصلي كثيرات منهن صلاة "الحاجة"، استغاثة لتأهل المنتخب المغربي. ووردت أخبار أيضاً تتحدث عن تنافس نساء في دعوة المنتخب المغربي للغداء بعد انتهاء فعاليات كأس العالم. ويعرف عن الزغرودة المغربية أنها مختلفة عن باقي الزغاريد العربية. وبفضل فيديوهات انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لنساء مغربيات كبيرات في السن وهن يزغردن في احتفالات المغربيين في الشارع، عقب فوز المغرب على إسبانيا، ومن ثم البرتغال، تعرف العرب إلى الزغرودة المغربية.