يهتمّ زملاء مهنة ونقّاد عربٌ، في كتابات وتعليقات وحوارات سينمائية، بمسائل يعتبرها البعض هامشية: جوائز يفوز بها فيلمٌ أو عاملون/ عاملات فيه، تمنحها مهرجانات أو مؤسّسات مستقلّة. أحياناً، يظنّ هؤلاء أنّ أي جائزة، يحصل عليها فيلم أو عامل/ عاملة فيه من أي مهرجان، تُتيح لهم اهتماماً أكبر بالفائز/ الفائزة. هذا يُحيل إلى وفرة المهرجانات، ومعظمها غير مالكٍ أهمية دولية، أو ربما غير معروفٍ كثيراً في بيئته المحلية. هناك أسابيع احتفالية بسينما مُعيّنة، تُقام في مدينة ما، يراها هؤلاء مهرجاناً، فيظنّون أنّ جوائزه تستحق الإشارة إليها، من دون تدقيقٍ في أهميّتها وموقعها وتأثيراتها، محلياً ودولياً.
هؤلاء يتابعون أخبار جوائز سينمائية دولية مستقلّة أيضاً، لكنّهم يهتمّون أساساً بـ"أوسكار"، بفضل الشعبيّة الكبيرة لهوليوود وأفلامها، من دون تغاضيهم عن "غولدن غلوب"، التي تُمنح جوائزها قبل أسابيع قليلة من موعد الاحتفال الهوليوودي بـ"أوسكار". في الآن نفسه، يتجاهلون، أو ينسون (أم أنّهم غير عارفين البتّة؟) جوائز أخرى، ليست أقلّ أهمية من "أوسكار"، رغم أنّ السينما المحلية التي تُمنَح لها هذه الجوائز غير شعبيّة، وغير مُتداولة كثيراً في العالم، مع أنّ المهنة، صحافةً ونقداً سينمائيين، يُفترض بها أنْ تجعلهم يهتمّون ويتابعون ويُشاهدون، فيُعلّقون ويُناقشون ويُحاورون. أبرز تلك الجوائز: "سيزار" الفرنسية، و"بافتا" البريطانية، و"غويا" الإسبانية.
الاهتمام بالجوائز، الممنوحة في مهرجانات أو تلك المستقلّة، جزءٌ من المهنة، يستدعي عملاً مهنيّاً محترفاً وعادياً فقط، رغم أنْ لا حِرفية ولا مهنيّة، غالباً، في نشر أخبار الجوائز عربياً، إذْ ينقل معظم هؤلاء ما يحصلون عليه من وكالات أنباء، تحتاج تقاريرها وأخبارها إلى تحريرٍ، أو إعادة كتابة، أحياناً كثيرة. هؤلاء يتجاهلون حِرفية ومهنيّة، تتطلّبان تدقيقاً في المعلومات، وهذا سهلٌ في زمن التقنيات الحديثة، وذكر الأسماء الفائزة كلّها، في المهن كلّها، بدلاً من الاكتفاء بأسماء فائزة في فئات أساسية فقط. الفئات الأخرى مهمّة للغاية في صنع فيلمٍ، كالأزياء والديكور والموسيقى والماكياج والمونتاج والمؤثّرات الصوتية.
المبالغة في الاهتمام بالجوائز تُلغي كلّ تنبِّه مطلوب إلى فيلمٍ وعاملين/ عاملات فيه، إذْ لعلّ الفيلم مرتبك وبه خللٌ، والجائزة نتاج علاقاتٍ أو رغباتٍ لا علاقة لها بالسينما، وهذا يحدث أحياناً، في مهرجانات أولى وثانية أيضاً، وإنْ قليلاً. لذا، يُبدي نقّاد وزملاء مهنة، قليلون جداً، عدم اكتراث بالجوائز، رغم أهميتها بالنسبة إلى الحاصل عليها، تجارياً ومهنياً على الأقلّ. أسباب منح جوائز عدّة تبتعد، أحياناً، عن السينما؛ ولغالبية المهرجانات (الأولى والثانية بينها) مصالح وعلاقات ورغبات أيضاً، وهذا حاصلٌ.
الأسئلة المُلحّة مطروحةٌ دائماً، رغم أنّ الإجابات عنها عاجزةٌ عن الحدّ من الهوس بالجوائز والمهرجانات: ألن يبقى الفيلم أهمّ من جائزة أو مهرجان، يخضعان ـ وإنْ بتفاوتٍ كبير بين مانحي الجوائز ومُنظّمي المهرجانات، وإنْ بين حينٍ وآخر ـ لاعتبارات مرتبطة بواقعٍ وسلوكٍ وتغييرات جذرية في الاجتماع والثقافة والعلاقات؟ ألن تُحيَّد أفلامٌ وعاملون/ عاملات فيها عن جوائز تُعتبر أساسية، رغم أنّهم يستحقّونها؟ ألن يُغيَّب هؤلاء وأفلامهم عن مهرجانات تُصنَّف أولى وثانية؟ ألن يؤكِّد التاريخ أنّ المُحيَّد والمُغيَّب، أو بعضهما، أفضل وأهمّ وأجمل وأعمق من المُحتفى به، أو بعضه، في جائزة أو مهرجان؟
إلحاح الأسئلة يُنتج إجابات يُدركها كثيرون وكثيرات. المأزق العربي يكمن في ازدياد الهوس بجوائز من دون غيرها، وبمهرجانات محدّدة، بدلاً من التركيز على النتاج وصانعيه.