يقول المثل العربي "على الوعد يا كمون" للإشارة لمن ينكث عهده دوماً، فالكمون من المزروعات التي لا تحتاج إلى السقاية بشكل دائم ممّا أدّى إلى إهماله من الفلاحين، لكنّه اشتكى مرّات من هذا التجاهل فوعده الفلاحون ثم نسوا وعدهم سريعاً حتى قال الشاعر: "لا تجعلوني ككمون بمزرعة إن فاته السقي أغنته المواعيد".
قرّرت مشاهدة فيلم العهد أو الميثاق (The Covenant) للمخرج غاي ريتشي الذي يعرض في صالات السينما هذه الأيام، وحصل على تقييمات عالية من المنصات التي تهتم بنقد ومراجعة الإنتاجات السينمائية كموقعي "روتن توميتوز" و"آي إم دي بي".
وجاء اختياري للفيلم لسمعة المخرج الإنكليزي غاي ريتشي، والذي يعتبر من أغزر المخرجين إنتاجاً، وله أعمال ناجحة جداً مثل "شرلوك هولمز" (2009) الذي رشح لنيل جائزة أوسكار، و"شرلوك هولمز: لعبة الظلال" (2011)، فيما يعتبر فيلمه "علاء الدين" (2019) من أكثر الأفلام ربحية.
لا تشفع الصورة الأخاذة والإخراج المبدع، ولا الأداء الممتاز للممثلين، ولا الموسيقى الرائعة أو المؤثرات البصرية والسمعية لهذا المضمون الأميركي الكمّوني الخادع
ولاقت أعمال أخرى له فشلاً ذريعاً، ولا سيما "الانجراف بعيداً" (Swept Away) مع طليقته مادونا، والذي اعتبر من أسوأ الأفلام على الإطلاق. كذلك، ينتظر محبو السينما فيلمين قادمين من إنتاجه أوّلهما "هرقل"، والثاني عنوانه "وزارة الحرب غير النبيلة" عن الحرب العالمية الثانية.
يتناول فيلم العهد قصة الرقيب الأميركي في أفغانستان، جون كينلي (يؤدي الدور جيك جيلنهال)، والذي ينقذه المترجم الأفغاني أحمد من الموت، بعد إصابته بجروح بليغة، يقوم بالدور الممثل الدانماركي من أصل عراقي دار سليم.
حمل أحمد جون في رحلة تمتد لمائة كيلومتر، خاطر فيها عبر الجبال الوعرة، واحتال فيها على الحواجز وعيون المخبرين، وهرب من ملاحقة قوات "طالبان"، وكاد يموت أكثر من مرة قبل أن يحقق المعجزة ويصل إلى ثكنة عسكرية أميركية، وينقذ الرقيب الأميركي من موت محقق.
يعاني جون بعد شفائه من عذاب الضمير، حيث وصل للولايات المتحدة وترك المترجم لمصيره، ولم ينجح باستصدار فيزا أميركية لأحمد وعائلته، بسبب البيروقراطية الأميركية. بعد أن انتظر طويلاً يقرّر العودة ليردّ دينه لأحمد ويصل في اللحظة الأخيرة قبل وصول "طالبان" لقتله ويخوضان معاً معركةً ضد "قوات التطرف"، وينتهي الفيلم نهاية أميركية سعيدة، وتحمل الطائرة الصديقين وعائلة أحمد إلى بر الأمان في الولايات المتحدة.
يقدّم الفيلم القصة على أنّها مقتبسة من حادثة حقيقية، ويعرض صور جون وأحمد سويةً وعلائم البهجة والرضا على محياهما، إلّا أنّ الواقع والذي شاهده العالم كله خلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول عام 2021 أثناء الانسحاب الأميركي من أفغانستان يثبت زيف هذه السردية، أو أنّها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، حيث تركت القوات الأميركية المتعاونين معها ليواجهوا مصيرهم مع حركة طالبان التي سرعان ما استلمت الحكم في البلاد ودعتهم إلى التوبة والبقاء في أفغانستان.
يضع الفيلم بعد صور الرقيب والمترجم تعليقاً يؤكد على موت مئات من المترجمين الأفغان المتعاونين مع القوات الأميركية بعد انسحابها، ولا يذكر شيئاً عن عدم حصول المئات منهم على أماكن لجوء واستقرار، كما لا يشير إلى صور موت أولئك الذين تسلقوا أجنحة الطائرات الأميركية أثناء إقلاعها، ممّا أعاد ذاكرة العالم إلى الانسحاب الأميركي المذل من فيتنام عام 1975.
بالنسبة لي لا تشفع الصورة الأخاذة والإخراج المبدع، ولا الأداء الممتاز للممثلين، ولا الموسيقى الرائعة أو المؤثرات البصرية والسمعية لهذا المضمون الأميركي الكمّوني الخادع.