أسفرت انتخابات نقابة الصحافيين المصريين، الجمعة، عن اختيار اليساري خالد البلشي نقيباً جديداً على حساب منافسه المحسوب على الدولة، خالد ميري، و6 أعضاء لمجلس النقابة، لمدة عامين. تجرى انتخابات التجديد النصفي كلّ عامين، وذلك على مقعد النقيب و6 أعضاء من المجلس الذي يضم 12 عضواً، وخاضها هذا العام 51 مرشحاً (11 للنقيب، و40 للمقاعد الستة).
وفاز خالد البلشي، وهو رئيس تحرير موقع درب الإخباري المحلي التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي المحسوب على المعارضة، بعدد أصوات بلغ ألفين و450 صوتاً، بينما حصل منافسه الأبرز الكاتب خالد ميري، وهو رئيس تحرير صحيفة الأخبار المملوكة للدولة، على ألفين و211 صوتاً.
وحصل عبد الرؤوف خليفة وجمال عبد الرحيم وهشام يونس ومحمود كامل ومحمد يحيي ومحمد الجارحي على المقاعد الستة لعضوية المجلس.
أعلنت النتائج صباح السبت، ورأى مراقبون أنها تعكس "غضباً واسعاً وعميقاً" وتمثل "رسالة غضب واحتجاج" على أجهزة الدولة التي كانت واثقة تماماً، "إلى حد الاستخفاف" بالصحافيين، بقدرتها على إنجاح مرشحها. وأبدى آخرون تفاؤلاً أكبر، إذ رأوا في النتائج مؤشراً على تغيير كبير في البلاد ينطلق من نقابة الصحافيين التي طالما اندلعت منها شرارات التغيير السياسي.
وتذكر هذه الانتخابات بتلك التي أجريت عام 2004. تنافس حينها على مقعد النقيب مرشح تيار الاستقلال جلال عارف الذي ظل يخسر في كل مرة يترشح فيها أمام مرشحي الدولة القويين إبراهيم نافع ومكرم محمد أحمد. وبلغ فرط الثقة بالدولة حينها ترشيح كاتب لا يملك نشاطاً نقابياً، وأيضاً متهم بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، خلافاً لقرارات الجمعيات العمومية المتعاقبة للصحافيين، وهو الكاتب صلاح منتصر الذي تلقى هزيمة مفاجئة أمام عارف.
في الانتخابات الأخيرة لم تكن خسارة ميري أولى المفاجآت، بل كان طرح اسمه منذ البداية مفاجأة لمعارضي الحكومة كما لمؤيديها. أشار مراقبون للشأن الصحافي في مصر إلى أن ميري كان يمكن أن يكون عضواً في المجلس، فـ"بذلة النقيب واسعة عليه"، وفقاً لقول الصحافي المصري المؤيد للتيار الحكومي في النقابة عبد الرحمن علاء. وقال عبد الرحمن علاء، لـ"العربي الجديد"، إن "المقربين للدولة هم صمام الأمان" لتجنب الإضرار بمصالح الصحافيين الذين تدهورت أوضاعهم نتاج صدام عام 2016 بعد اقتحام مقر نقابتهم من قبل الشرطة منتصف ذلك العام. الآن يخشى علاء من "صدام وشيك" مع الدولة.
كان يتوقع أن تطرح الدولة اسم النقيب السابق عبد المحسن سلامة، وهو رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الحكومية، مرشحاً لها على مقعد النقيب، وهو ما لم يحدث. ورأى الصحافي عزت عبد الله أن الدولة ارتكبت خطأ فادحاً باختيارها ميري، لا سلامة. وذكر عبد الله، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن القرار اتخذ "بناء على ترشيحات مقربين من السلطة".
دعم رسمي وإعلامي
في الكواليس، يتردد أن خالد ميرى استأذن الرئيس عبد الفتاح السيسي في الترشح إلى مقعد النقيب، خلال جولة للأخير اصطحب فيها رؤساء تحرير الصحف القومية كما هو متبع. وعلى المستوى الإعلامي، بدأ كأن هناك دعماً رسمياً لميري، تزامن مع حشد مؤسساتي قام به رؤساء مجالس الإدارات للصحافيين الذين دعوا إلى الاقتراع لصالحه.
لكن هذا الحشد "كان يجرى من دون حماس كبير"، وفقاً لما قاله صحافي في "الأهرام" لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم الكشف عن اسمه. وأضاف هذا الصحافي أن عبد المحسن سلامة شعر بأنه قد "غدر به" بعد استبعاد ترشحه، فلم يبد اكتراثاً بتقديم الدعم اللازم لميري، بل استقبل منافس الأخير بود كبير وشت به صور اللقاء في مكتبه في "الأهرام".
تعد "الأهرام" مركز ثقل تصويتي ضخم، إذ تضم أكبر تجمع للصحافيين في مصر، وخسارتها يمكن أن تقلل فرص المرشح. لكن الضربة القاضية لميري سددتها مؤسسته أخبار اليوم، حيث تراجع عدد مؤيديه، بعد انتشار تسريبات تحمله مسؤولية معاناة الصحافي صاحب الشعبية الكبيرة في المؤسسة نفسها، ياسر رزق، الذي توفي إثر أزمة قلبية في يناير/ كانون الثاني 2022. وفي العزاء، خلال وجود ميري وقيادات المؤسسة الجدد، أشارت زوجة الراحل أماني ضرغام، وهي صحافية في المؤسسة نفسها، إلى القيادات قائلة: "يقتلون القتيل، ويمشون في جنازته". هكذا نُقل عن لسانها بين الصحافيين.
يوم الاقتراع
في سرادق الانتخابات الجمعة، كانت قيادات المؤسسات القومية تجلس من دون حماس لحشد التأييد لميري، رغم ما بدا من إنفاق هائل على الدعاية، بلغت حد توصيل وجبات طعام للمؤيدين، وتقديم زجاجات مياه وأقلام عليها صورة المرشح. خلاف العوامل السابقة، جاء العامل الأكثر حسماً لخسارة ميري ممثلاً في ضآلة الدعم المادي المقدم من الدولة لإنجاحه، ألا وهو الزيادة في البدلات النقدية المقدمة للصحافيين، وقيمتها نحو 600 جنيه (نحو 20 دولاراً) فقط.
انقلب طارق الشامي، وهو صحافي يقترب من سن التقاعد، على ميري، بعد أن كان مؤيداً له، فـ"ليست هذه قيمة الصحافيين" بتعبيره. وشرح الشامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الصحافيين يترقبون كل انتخابات من أجل زيادة البدلات النقدية التي صارت تمثل مرتباً يعتاش منه معظم الصحافيين، وقررت الدولة الاستجابة لحكم قضائي بزيادته دورياً بنسبة 20 في المائة، تمثل قيمة الزيادة الأخيرة.
لم يكد ميري يعلن عن قيمة الزيادة وينشرها في صدر الصفحة الأولى لصحيفة الأخبار اليوم، حتى قررت الحكومة زيادة مرتبات موظفيها بضعف القيمة، فانقلب الأمر إلى دعوة للحكومة لمساواة الصحافيين بالموظفين.
"إذاً، لا وزن لميري لدى الدولة، وهذه الزيادة هي قيمته وقيمة الصحافيين الضئيلة لديهم" قال الشامي. وأضاف: "كان رد الصحافيين على الإهانة والتجاهل باختيار البلشي نكياية في الحكومة".
هدنة البلشي
في جولات البلشي الانتخابية التي زار فيها معظم المؤسسات الصحافية، حرص على التأكيد أنه غير معارض للدولة وغير متصادم مع الحكومة، ليحاول تهدئة مخاوف الصحافيين من أن انتخابه سيكون وبالاً على رؤوسهم. وصف متابعون أداء البلشي بأنه كان "هادئاً بشكل أقرب للمهادنة"، فهو يدرك حساسية الموقفين السياسي والمهني للصحافيين. وللمفارقة، فالبلشي نفسه لديه أزمة مهنية مزمنة: الموقع الذي يترأس تحريره محجوب في مصر.
وفقاً لمصادر قريبة من حملة البلشي، فقد كان هناك إدراك لأن "بذلة النقيب واسعة على الخالدين: ميري والبلشي" وأن أنصار تيار الاستقلال حاولوا إقناع النقيب السابق يحيى قلاش بخوض الانتخابات "مضمونة النتائج لضعف المنافس". لكنّ قلاش الذي سجن لساعات عام 2016، في قضية اقتحام النقابة، رفض خوض التجربة مجدداً، خشية الهزيمة أمام مرشح الدولة الضعيف، فيقضي بذلك على تاريخه النقابي الطويل، إذ ظل سكرتيراً عاماً للنقابة لعدة دورات، قبل أن يصير نقيباً عام 2014.
كان البديل لقلاش هو البلشي. وبحسب اعتبارات أنصار تيار الاستقلال، فسقوطه أمام ميري لن يضيره، باعتبار أن هذا هو المتوقع، في ظل أوضاع سياسية ونقابية ضاغطة على الجميع تجعل الانتخابات، كما وصفها الناشط النقابي جمال أبو عليوه، في منشور له على "فيسبوك"، بـ"ضَعُف الطالب والمطلوب"، في إشارة إلى ضعف المرشحين، وإحباط الناخبين الذين تجاوزت أعدادهم نحو 4700 صحافي، من جملة نحو 9338 عضواً يحق لهم التصويت.
تحالفات رابحة
الرهان الحقيقي لإنجاح البلشي كان على التصويت العقابي ضد ميري، ثم إجراء تحالفات مع مرشحين يتمتعون بشعبية كبيرة، تثقل كفة البلشي إلى جوار كفة تيار الاستقلال، البالغة نحو ألف صوت تقريباً.
من هؤلاء جمال عبد الرحيم، المرشح الذي نجح في هذه الانتخابات، وصاحب الثقل المناطقي، إذ بدا واضحاً خلال الدورات السابقة مدى التأثير التصويتي الهائل لصحافيي محافظة سوهاج جنوباً. هنا، تتراجع المبادئ المعلنة لدى تيار الاستقلال ضد هذا النوع من التصويت، إذ تطل مصلحة إنجاح مرشحيهم برأسها، وتشكل عاملاً ضاغطاً، تحت غطاء "عدم ترك النقابة فريسة للتيار القوي الموالي للسلطة، وهنا يجوز أكل الميتة" بتعبير حامد عبد الله، وهو صحافي من صعيد مصر، أبدى تحفظاً على مسألة التصويت القبلي والمناطقي.
ولمحافظة سوهاج مرشح ثابت ومدعوم من أبناء المحافظة في كل عام، كان في الدورة السابقة العضو الحالي في المجلس محمد خراجة الذي حصل بموجب هذا التحالف بين أبناء محافظته والإسلاميين على أعلى الأصوات في انتخابات عام 2021.
تحالف البلشي كذلك مع المرشح الفائز محمد الجارحي، المدعوم من تكتل من رجال الأعمال والشركات، رغم بعده عن الشأن النقابي، ويعمل ــ بالمخالفة للوائح النقابة ــ موظفاً في إحدى شركات العلاقات العامة التي نجح من خلالها في جلب جملة من خدمات تقدمها شركات خاصة تتولى شركته مهام العلاقات العامة لها. وتساءل صحافيون: هل يستقيل الجارحي من تلك الشركة حتى لا يحرج المجلس الذي يتلقى أحياناً شكاوى بشأن عمل الصحافيين في مهن أخرى غير الصحافة أو تتعارض معها أحياناً، إلى حد فصل صحافية أخيراً لعملها في المحاماة، فما الحال مع وظيفة جوهرها يتعارض مع الصحافة التي تتطلب عرضاً محايداً للأمور، لا دعائيا كما تفعل شركات العلاقات العامة؟
يتقبل الوسط الصحافي على مضض عمل صحافيين في جلب الإعلانات، تعويضاً لنقص المدخولات المالية لهم من وراء العمل الصحافي، غير أن الأمر يختلف حين يتعلق بعضو مجلس يُفترض أن يكون قدوة في تطبيق لوائح النقابة.
وثارت أقاويل حول قيام عضو المجلس محمد خراجة بجلب إعلانات لإصدارات يعمل فيها، غير أنه لم يعترف بذلك صراحة، كما اعترف الجارحي في منشورات له على "فيسبوك"، حيث وجه الشكر لزملائه الموظفين.
استند البلشي كذلك إلى شعبية كبيرة يتمتع بها عضو المجلس المستمر في موقعه محمود كامل، إذ نجح الأخير هذه الدورة أيضاً، مدعوماً بمؤسسته أخبار اليوم، علاوة على تيار الاستقلال، ثم صحافيين له معهم وقفات يصفها أصحابها بأنها "قوية وصادقة"، متجاوزاً خلافات معهم تفرضها طبيعته الحادة أحياناً.
ولم يخذل عضو المجلس المستمر في موقعه هشام يونس صاحبه خالد البلشي، فلم يكتف بالترويج له ضمن حملته الانتخابية الأخيرة، بل كان مرافقاً له في جولاته كافة، محاطاً بهالة من الإعجاب بين الصحافيين لمواقفه خلال المجلس التي كان يخرج فيها فاضحاً كواليس الاجتماعات وفساد الميزانيات. وقالت مصادر في حملة يونس إنه كان أحد الذين أقنعوا البلشي بالترشح نقيباً على وعد بمساعدته ومساندته.
إذاً، فاز لتيار الاستقلال ثلاثة مرشحين هم هشام يونس وجمال عبد الرحيم ومحمود كامل، فيما فاز لتيار الخدمات الجارحي وعبد الرؤوف خليفة، المدعوم من مؤسسة الأهرام، ومحمد يحيى العضو المستمر في موقعه، والمدعوم من مؤسسة الأخبار، ومن صديقه وابن شعبته محمد شبانة، السكرتير العام السابق للنقابة الذي خرج من المجلس بتصويت عقابي على ما اعتبره الصحافيون تقييداً لنقابتهم وتشويها لها بالخيش والسقالات طوال أربعة أعوام.
أحدثت انتخابات التجديد النصفي لستة أعضاء من بين 12 عضواً تشكيلاً جديداً للمجلس، لكنه يظل منقسماً إلى ثلاث فئات: تيار الاستقلال ويمثله أربعة أعضاء، وتيار الخدمات ويمثله ثلاثة أعضاء، والتيار الحكومي ويمثله خمسة أعضاء.
وبعيداً عن أسماء الفائزين، حقق الصحافيون مكسباً لهم خلال الجمعية العمومية التي سبقت الانتخابات، برفض الميزانية المنتهية العام الماضي "لعوارها ولفساد يشوبها"، كما قال صحافيون لـ"العربي الجديد". وأكد هؤلاء على مبدأ رفض التطبيع مع إسرائيل، وهو الموقف الثابت للنقابة منذ عقود.