وقف العسكري حاملاً سلاحه، وتحدث عن مقاطعة الاحتلال والمطبعين: "أن نخرج أفواهنا من طعامهم، ومعاصمنا من ساعاتهم، وحناجرنا من أناشيدهم"، وروى عن الوقوف مع المقاومة والفدائيين، ورفض التطبيع من كامب ديفيد إلى الآن، وكلما تحدث رد عليه شخص آخر متحدثاً عن "صورة الوطن التي يوصلونها"، بالقول: "كل اللي وصلولي إياه الوطن اللي احنا فيه ما بيسوى صرماي"، وكلما تحرك العسكري منفعلاً، هرول من مخزن سلاحه ما يشبه التراب.
تلك هي إحدى اللوحات الفنية التي حملت الكثير من الدلالات لواقع ربما أراد مخرج مسرحية باللهجة الفلسطينية القول إنه يتكرر، علماً أنها مأخوذة من مسرحية من تأليف الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط التي خطها في كتابه "سأخون وطني". وقرر مسرح عشتار الفلسطيني افتتاح مهرجانه الدولي لمسرح الشباب بها الليلة الماضية، وهي من إخراج خليل البطران، وأداء ثمانية من طلبة مسرح عشتار الذين نظم لهم حفل تخريج بعد انتهاء عرضهم.
تحاول المسرحية المستوحاة من كتاب الماغوط طرح أسئلة كثيرة: هل نخون الوطن؟ أيمكن لمن يحب وطنه أن يخونه؟ نشارك الماغوط خيانته المجازية للوطن، فنحن "نريد وطناً مختلفاً عكس الذي نعيشه في الوطن العربي، نريد وطننا نحن، لا وطن السادة والطغاة".
على المسرح البلدي لبلدية رام الله، وسط الضفة الغربية، كانت مسرحية "سأخون وطني" عرض الافتتاح للمهرجان في نسخته السادسة، والذي يتواصل حتى الثامن من الشهر الحالي بأربعة مواقع في مدينة رام الله، تحت شعار "هبة فنّ". سيشمل المهرجان 14 عرضاً مسرحياً لـ11 فرقة دولية وفلسطينية (من الضفة الغربية بما فيها القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948).
تقول المديرة الفنية للمهرجان إيمان أبو عون، لـ"العربي الجديد"، إن "سأخون وطني" اختيرت لحفل الافتتاح "لأنها تعبر عن السؤال القوي والحاضر الذي ينم عن شعور متكرر بخيبة الأمل، من هجمات متكررة من الاحتلال، وعدم وجود أفق سياسي، وهرولة عربية نحو التطبيع. لذا، يشعر الإنسان أنه في مكان مفرغ من إمكانات التحرر ويعتمد على نفسه فقط، ليبقى السؤال: ما العمل؟ هل نخون الوطن، أو نستمر في النضال؟ وما هو شكل النضال الذي من الممكن أن نستمر فيه؟".
يغيب فريق "سودوكو" المصري عن المهرجان، بسبب عدم موافقة الاحتلال الإسرائيلي على إصدار التصاريح الخاصة بقدومه إلى رام الله. كان من المفترض أن يقدّم "سودوكو" مسرحية "ضلع مؤنث سالم". وهذه التصاريح من العوائق أمام مهرجان عشتار كما غيره من الفعاليات الثقافية والفنية، لكنه ليس العقبة الوحيدة، فشروط التمويل السياسية تطل برأسها أيضاً.
توضح أبو عون أن "المسرح فقد عام 2020 مئات آلاف الدولارات، لأننا رفضنا التوقيع على وثائق تديننا كشعب وكحراك من أجل التحرر. رفضنا تمويلاً من الاتحاد الأوروبي، ووكالة سيدا السويدية، وجهات عدة. هذه واحدة من الإشكاليات التي تواجهنا في كل الوطن، ولكن هنالك استهدافا حقيقيا مركّزا تجاه الثقافة".
استطاع المسرح إقامة المهرجان بدعم غير مشروط، كما تقول أبو عون، من مجلس الثقافة البريطاني، ومنحة من الصندوق العربي للثقافة، وأخرى من صندوق الاستثمار الفلسطيني ومساندات من جهات أخرى مادية أو عينية.
ويعود المهرجان في نسخته السادسة بشكل وجاهي للفرق المحلية والدولية، بعدما اضطر لتأجيل نسخة عام 2020 إلى 2021 بسبب جائحة كورونا، والتي نظمت بعروض وجاهية للفرق الفلسطينية وعبر العالم الافتراضي للفرق الدولية.
وتحمل نسخة هذا العام "ثيمة" رئيسية لعروضه هي حرية التعبير، كما تشمل ورشات مسرحية، ومؤتمراً دولياً تحت عنوان "حرية التعبير ودور المسرح" من أجل كسر الصمت المفروض على الفنانين محلياً وعالمياً، حسب المهرجان.
وتؤكد أبو عون أن اختيار شعار "هبّة فن" جاء بسبب الهجمة المستعرة أخيراً من الاحتلال الإسرائيلي، وعدم وجود وعي كافٍ لدور الفن مجتمعياً في بعض الأحيان، وتضيف: "كل له دور في حياتنا بهبة وطنية ما، ونحن هبّتنا الوطنية من خلال استخدامنا للفن وإعلاء صوتنا لدورنا المجتمعي والسياسي".
يتميز المهرجان بعروض يقدمها طلاب مسرح عشتار، وهو مؤسسة مسرحية تعمل على إنتاج المسرح والتدريب عليه. وإضافة إلى عرض "سأخون وطني"، سيعرض طلبة عشتار مسرحية "حكاية أبو سلمى"، التي يشارك فيها نورسان القواسمي (28 عاماً)، الذي تخرج بعد أربع سنوات حصل خلالها على الدبلوم المسرحي من مؤسسة عشتار.
يقول القواسمي، لـ"العربي الجديد"، إن "المهرجان يؤمن مساحة للمسرحيين الشباب، ويتيح العديد من الفرص والآفاق على الصعيد المحلي، وفرصاً للاحتكاك الفني والاستكشاف، خصوصاً مع وجود 11 فريقاً مسرحياً".
وتؤكد مديرة دائرة الشؤون الثقافية والمجتمعية في بلدية رام الله سالي أبو بكر، لـ"العربي الجديد"، أن مهرجان عشتار "من المهرجانات القليلة صاحبة الهوية الواضحة بتسليط الضوء على المسرح"، واعتبرت أن وجود فرق فلسطينية وخارجية يمثل نوعاً مهماً من التبادل والتعاون والإنتاج المشترك، خصوصاً أن الجزء الكبير من أعضاء الفرق المشاركة من الشباب.
وترى أبو بكر أن مسرح عشتار يقدم أمرين مهمين: "الأول هو الخروج من المساحات الآمنة في العمل الثقافي والوصول إلى أماكن تعكس الواقع الذي نعيشه لكنه غائب عنا، والثاني هو خلق علاقة شراكة واسعة مع مؤسسات وفضاءات ثقافية مختلفة، وما يعنيه ذلك من أهمية لاستمرار العمل الثقافي بالتعاون والتشبيك والتكامل".
وتأسس "عشتار" كمؤسسة مسرحية في مدينة القدس عام 1991، لتبدأ أول برنامج تدريبي للمسرح موجه لطلبة المدارس والجامعات في الضفة الغربية، وعام 1993 أطلقت برنامجها في غزة، وعام 1995 افتتحت مقرها في رام الله، وتنظم مهرجان عشتار الدولي لمسرح الشباب كل عامين منذ انطلاقته الأولى في 2012.