سيطرت أغاني المهرجانات في مصر على قوائم الأغاني الأكثر استماعاً، والأكثر إثارة للجدل أيضاً، في السنوات الأخيرة، قبل أن تواجه منافسة من موجة الراب التي وصلت إلى ذروتها قبل عامين. وأصبح من المعتاد تصدر أغنية راب أو أغنية مهرجانات قوائم الأكثر استماعاً، ولكن الحال تغير عام 2022، بعودة أنماط موسيقية أخرى للمزاحمة على الصدارة، مما يجعل التكهن حول هوية النمط الموسيقي الذي سيسود في 2023 أمراً صعباً. ويبقى السؤال: لماذا تراجعت المهرجانات العام الماضي؟
غياب أغاني المهرجانات عن صدارة الأغاني الأكثر رواجاً واستماعاً العام الماضي من أكثر التوجهات اللافتة في القطاع عربياً، وذلك بعد عدة نجاحات ضاربة خلال الأعوام الماضية، مثل أغنية "بنت الجيران" لحسن شاكوش وعمر كمال قبل 3 أعوام، ومهرجان "إخواتي" لفرقة "الصواريخ" قبل عامين. وتزامن مع ذلك خفوت بريق أغاني البوب والموسيقى التقليدية، وانحصرت المنافسة بين المهرجانات والراب، خاصة بعد صعود جيل جديد ضم نجوماً بينهم ويجز ومروان بابلو ومروان موسى وغيرهم.
في 2022 كانت الصدارة لأعمال أغلبها لنجوم تقليديين ولموسيقى البوب المعروفة، مثل أغنية "من أول دقيقة" للمغربي سعد لمجرد مع اللبنانية إليسا. وصعد نجم عدد من المطربين القدامى،أحمد سعد مثل وأصالة وتامر عاشور وغيرهم. هل يعني ذلك انتهاء صدارة أغاني المهرجانات وعودة البوب رسمياً إلى القمة؟
لن نستطيع الجزم بانتهاء عصر صدارة المهرجانات بناء على إحصائيات العام الماضي، خاصة أن هذه الفئة تعتمد بشكل كبير على المفاجآت والنجاح غير المتوقع. فنجاح حسن شاكوش وعمر كمال على سبيل المثال، في "بنت الجيران" و"عود البطل"، لم يسبقه تمهيد لوجودهما على الساحة، بالإضافة إلى أن سوق أغاني المهرجانات ينتج دورياً أسماء جديدة لامعة تختفي سريعاً، بداية من ظهور أوكا وأورتيغا بعد عام 2012 وخفوت حضورهما لاحقاً، إلى ظهور فرقتي "المدفعجية" و"الدخلاوية" واختفائهما أيضاً، وأخيراً حسن شاكوش وعمر كمال. وكان 2022 هو عام بزوغ نجم عصام صاصا الذي كان من أكثر 10 فنانين استماعاً على منصتي سبوتيفاي وأنغامي.
أسباب أخرى كانت وراء غياب المهرجانات في 2022، ومنها اندماج نجوم المهرجانات مع الألوان الموسيقية والأعمال التجارية الأخرى، مما يضعهم في منافسة نجوم آخرين خارج منطقة تفوُّقهم. ففي نفس العام اتجه حسن شاكوش إلى التعاون مع فرقة "شارموفرز" في أغنية "دي حلاوة"، في حين اتجه عمر كمال إلى التعاون مع عبد الباسط حمودة في أغنية "ضيعنا"، وابتعدا عن صدارة مشهد المهرجانات.
ومن الأسباب الأخرى أيضاً التقارب الموسيقي بين الراب والمهرجانات في الأداء أو استخدام الإيقاعات والأصوات الموسيقية المميزة للمهرجانات مع الراب، مثل أغنية "حدوتة ألماني" لمغني الراب مروان موسى، أو أغنية "خمسة" لمغني الراب وينجي مع فيلكس وغيرها، بالإضافة إلى تقارب مغنيين آخرين مع موسيقى المهرجانات والاستفادة من نجاحها وجماهيريتها، مثل المطرب أحمد سعد الذي كانت أغنيته "وسّع وسّع"، القريبة من نمط أغاني المهرجانات، من أكثر أغانيه استماعاً في 2022.
ونتج عن هذا التقارب تفتيت القاعدة الجماهيرية الكبيرة للمهرجانات بانفتاحها على الراب أيضاً، ونتج عنها أيضاً ظهور عدد من الفنانين المتميزين في المزج بين اللونين الغنائيين مثل الثنائي "الدوبل زوكش" ومصطفى عنبة، ولكنهم غابوا عن 2022 بسبب قلة الإنتاج وتكرار تجارب ناجحة سابقة لهم، مثل أغنية "الملوك" مع أحمد سعد في 2021 وأغنية "فكك" في العام نفسه.
أكثر ما تشير إليه إحصائيات عام 2022 هو أن العام الجديد سيكون عام التوازن والتعادل بين الألوان الموسيقية المختلفة، وذلك بعد وضوح تأثيرات فترة جائحة كوفيد 19 وسيطرة منصات الاستماع بالبث التدفقي على سوق الموسيقى، والتي أتاحت جميع الأنواع الموسيقية للعرض جنباً إلى جنب، مع دخول منصة تيك توك إلى المنافسة التي تعتمد بشكل أساسي على تفاعل الجماهير في التسويق لأغاني بعينها. كل ذلك جعل للجميع فرصاُ متساوية في الظهور والتنافس، فالنجم المصري عمرو دياب احتل قائمة الأكثر استماعاً على "أنغامي" بسبب تواجده حصرياً على المنصة، وويجز احتل قائمة "سبوتيفاي" في العالم العربي بأغنيته "البخت"، وكذلك برز الرابر المصري على قائمة "يوتيوب" إلى جانب أحمد سعد وآخرين، وعصام صاصا تصدر "تيك توك" بمهرجان "بت إنتي حب حياتي".
هذا التنوع بين الأنواع الموسيقية على صدارة المنصات المختلفة صاحبه تنوع في المراكز التالية، فالجمهور أصبح أكثر انفتاحاً على الاستماع إلى أصوات جديدة سواء في أغاني البوب الرومانسية، مثل المطرب فريد في أغنية "بأمارة إيه"، أو في الأغاني الشعبية مثل أغنية "الغزالة رايقة" للطفل محمد أسامة وكريم محمود عبد العزيز، أو حتى الأغاني المستقلة التي استعادت بريقها في عام 2022 أيضاً بعد إطلاق فرقة "كايروكي" ألبومها "روما"، وتواجد مغنيين جدد مثل السيلاوي والأخرس من الأردن وغيرهم. والجمهور أصبح أكثر انفتاحاً أيضاً على سماع التجارب الجديدة واللهجات المحلية العربية المختلفة، مثل نجاح المغني الليبي جودي الحوتي في أغنية "وش جابك"، ولوك وديدين كانون 16 ودي جي سنيك ومروة لود وأمون تالنس.
قد يكون حجم الإنتاج مع الجهد التسويقي في 2023 هو العامل الحاسم في المنافسة بين الأنماط الموسيقية المختلفة. وقد تعود المهرجانات إلى الصدارة بظهور أسماء جديدة، أو بعودة الغائبين بكثافة في العام، أو يستمر البوب في الصعود في حال صدور ألبومات وأشكال تعاون متعددة. وأيضاً أمام الأغنية الشعبية التقليدية فرصة للتواجد بعد غياب سنوات لها بعد فترة فراغ بسبب اختفاء عدد من رموزها، مثل محمود الليثي وبوسي وأحمد شيبة، خاصة بعدما أظهر الجمهور اشتياقاً لهذا النوع من الأغاني، من خلال رواج أغاني أحمد سعد الشعبية مثل "وسع وسع" وأغنية "الغزالة رايقة"، بالإضافة إلى تجارب آخرين في الغناء الشعبي، مثل محمد حماقي في أغنية "أدرينالين" و"غلبان" لأصالة وغيرهما.