استمع إلى الملخص
ولدت في دمشق عام 1894، هاجرت إلى الأرجنتين، ثم انتقلت إلى القاهرة حيث انضمت لفرقة نجيب الريحاني عام 1922 وتزوجت منه. بعد انفصالهما، دشنت صالتها الأولى في شارع عماد الدين.
- **إسهاماتها في تطوير الفن المصري**
أدارت صالات ومسارح بنجاح، مثل صالة عماد الدين وكازينو الأوبرا، وقدمت عروضاً مبتكرة. خصصت حفلات للنساء فقط، واستأجرت مسارح جديدة، مما جعلها تهيمن على شارع عماد الدين.
- **إرثها الفني وتأثيرها**
قدمت العديد من الفنانين مثل فريد الأطرش وتحية كاريوكا. صالاتها كانت أكاديميات فنية، واستمرت في تقديم العروض حتى اعتزالها عام 1951. رحلت في 1974، لكن إرثها الفني لا يزال حياً.
في تاريخ الفن المصري، مثلت بديعة مصابني ظاهرة نادرة، بعد أن استطاعت خلال سنوات قليلة أن تصبح قاسماً مشتركاً يتكرر عند البحث في سيرة كل مطرب أو ملحن أو عازف أو ممثل، أو راقصة. الأغلبية الساحقة من مشاهير الموسيقى والغناء والمسرح مرت من هنا: من صالة عماد الدين، أو مسرح برنتانيا، أو كازينو الأوبرا. هذه بعض الأماكن التي امتلكتها أو استأجرتها بديعة مصابني، وأدارتها باقتدار ونجاح لحساب رصيدها البنكي المتعاظم في أرباحه، وأحياناً في خسائره.
وأيضاً لحساب التاريخ الفني المصري، الذي نظر باحترام وتقدير إلى الدور الكبير الذي لعبته "صالات بديعة" و"كازينوهات بديعة" و"مسارح بديعة" التي أصبحت من الناحية العملية الجهة التي يقدم إليها الفنان أوراق اعتماده، ويضعها في سيرته الذاتية باعتبارها دليلا على الصلاحية، والقدرة على المنافسة في سوق مكتظة بالمواهب. كانت بديعة مصابني مغنية، وممثلة مسرح وسينما، وراقصة استعراضية، لكن أثرها الأكبر جاء من قدرتها الاستثنائية على الإدارة الفنية، رغم التوسع الكبير في أنشطتها وتعدد ساحات عملها.
ولدت بديعة مصابني في دمشق عام 1894، ومرت بظروف شخصية وأسرية ومادية انعكست لاحقاً على طريقة تفكيرها وقراراتها. هاجرت مع أهلها طفلةً صغيرة إلى الأرجنتين التي تعلمت فيها القراءة والكتابة وأتقنت اللغة الإسبانية، ثم جاءت في صباها إلى القاهرة لتعيش مع خال والدتها، الذي تصادف أنه يسكن بجوار مسرح حديقة الأزبكية، ما سهل تعرفها إلى الرائد المسرحي جورج أبيض.
قبيل استقلالها الفني والمالي، عاشت بديعة مصابني سنوات من الكفاح الفني، وانتقلت من فرقة إلى فرقة، ثم اتسعت شهرتها بعد أن انضمت إلى فرقة نجيب الريحاني عام 1922، وبعد عامين، تزوجت مصابني من الريحاني، فأسند إليها بطولة أغلب مسرحيات فرقته ومنها "الحلاق الفيلسوف"، و"الليالي الملاح"، و"الفلوس"، و"مجلس الأنس"، و"ريا وسكينة"، و"الشاطر حسن".
في عام 1926، انفصلت بديعة مصابني عن زوجها نجيب الريحاني. وقبل أن تمر أسابيع قليلة على الانفصال، كانت قد دشنت صالتها الأولى في شارع عماد الدين، التي اشتهرت في المجتمع القاهري بـ"صالة بديعة". في حفل الافتتاح، اعتمدت مصابني على نفسها، فغنت ورقصت، ثم قدمت المطرب جميل عزت. ثم بدأ انضمام المطربين إلى الصالة، ومنهم فاطمة سري، وكريمة ديمتري. كما انضم عازف القانون الشهير إبراهيم العريان. في العام التالي، أصبحت صالة بديعة أهم مكان يتطلع أهل الفن للالتحاق به، فتوالت الأسماء: فتحية أحمد، وسمحة البغدادية، وماري، ومفيدة أحمد. ثم الشاب الواعد محمد عبد الوهاب.
في الصالة، بدأت بديعة مصابني مبكراً في عرض المسرحيات، ثم أبدت اهتماماً كبيراً بالرقص الاستعراضي، وحرصت فيه على التجديد والابتكار، ومنحت تصميمات الرقص الجديدة أسماء تميزها، كي يسهل على الجمهور طلبها، مثل: رقصة البدو، ورقصة الغزال، ورقصة الطاووس، ورقصة الريفية. كان طموحها بلا حدود، فمع دخول صيف هذا الموسم، افتتحت مصابني صالتها بمنطقة السلسلة في الإسكندرية. لكن أكثر ما يلفت في هذا العام قرار مصابني بتخصيص حفل يقتصر على النساء مرة كل أسبوع. كانت تملك رؤية ووعياً اجتماعياً، وكانت تتفاعل إيجاباً مع الواقع الفني والاجتماعي بحساب دقيق.
مع دخول موسم 1928، استطاع الريحاني أن يقنع طليقته بالعودة إلى المسرح، فانضمت إلى فرقته، ولعبت أدوار البطولة لكل مسرحيات الموسم: "ياسمينة"، و"أنا وأنت"، و"علشان بوسة"، و"علشان سواد عينيها"، و"آه من النسوان"، و"مصر سنة 1929". لكن بعد انتهاء الموسم، عادت إلى صالتها، ووسعت من الملتحقين بها.
كان من المنتظر أن تصبح صالة بديعة مصابني في الإسكندرية هي ساحة العرض في فصل الصيف، لكن بديعة المرتبطة بمجتمع العاصمة أرادت تدشين صالة صيفية في القاهرة، فوقع اختيارها على كازينو الكوبري الإنكليزي، الذي كانت تشغله منيرة المهدية، وهو في موقع فندق شيراتون القاهرة على نيل الجيزة، فاستأجرته وهيأته ليكون مقرّاً صيفياً لصالتها، وافتتحته صيف عام 1931، فاشتهر باسم "كازينو بديعة".
في هذه المرحلة، تعاظم اهتمام مصابني بالمسرحيات القصيرة، لا سيما التي يكتبها لها أمين صدقي مثل: "من فات قديمه"، و"أولاد الرعاع"، و"اللص الشريف". وأيضا اهتمت بتقديم الاسكتشات الفكاهية، مع فقرات طربية تقدمها نادرة أمين.
انضم بديع خيري إلى كتاب مسرحيات بديعة، ومن أمثلة ما كتبه لها: "أمَّا ورطة"، و"عريس الغفلة"، وكذلك مسرحية "البريمو" التي تتكون من نكات ومواقف وتعليقات (إفيهات) من دون أن ينتظمها موضوع واحد أو سياق واضح.. وهو ما يتأكد من التقرير الذي كتبه أحمد السيد، مفتش وزارة الداخلية، عن المسرحية، فوصفها بأنها "فصل مضحك لا مغزى له، مضحك بنكاته ومواقفه وأشخاصه، وليس فيه ما يتنافى مع الآداب العامة ولا الأمن العام". كثفت مصابني من تقديم المسرحيات والاستعراضات الراقصة، لا سيما بعد أن ضمت إلى فرقتها الراقصة بدوية محمد التي اشتُهرت في ما بعد باسم تحية كاريوكا.
مع بداية الموسم الشتوي لعام 1934، سافرت مصابني إلى اليونان والنمسا لانتخاب عدد من الفنانات الاستعراضيات، كي تجدد بهن برنامج صالتها الذي افتتح في نوفمبر/تشرين الثاني 1934 برواية "إحم إحم". ثم أتبعته باستعراض "مهرجان توت عنخ آمون". وقدمت استعراضات "عرايس النيل"، و"بلاد الثلج"، و"رأس السنة"، و"الباحثين عن الذهب"، و"ليالي بغداد" لأبو السعود الإبياري.
بدت صالة بديعة وكأنها مركز للإشعاع الفني والثقافي، ليس مجرد مكان للترفيه والتسلية. شهد هذا الموسم انضمام محمد عبد المطلب، وفتحية محمود، وسيد سليمان. وفي فبراير/شباط 1935، سافرت بديعة بفرقتها، التي تضم نادرة وأحمد شريف وفريد غصن وأحمد الحفناوي وأحمد غانم وفهمي أمان وفريد الأطرش، إلى طرابلس وتونس والجزائر ومراكش، وحققت نجاحاً كبيراً.
كانت القدرات الإدارية لمصابني تغريها بالتوسع. استأجرت عام 1936 مسرح برنتانيا المجاور لصالتها في شارع عماد الدين، وبعد عامين فقط، استأجرت مسرح الماجستيك في نفس الشارع، وحولته إلى صالة متنوعة للغناء والموسيقى والمسرح والرقص والاستعراضات. انضمت إليها فرق مختلفة من الأتراك والإيطاليين واليونانيين. صارت أكبر مهيمن على شارع عماد الدين، بعد أن امتلكت فيه ثلاث مقار تديرها إلى جانب المقر الشتوي عند كوبري الإنكليز.
افتتحت مصابني نشاطها على مسرح "برنتانيا" بمسرحية "دنيا تجنن"، لأبو السعود الإبياري، وتلحين فريد غصن ومحمود الشريف، واشتركت بنفسها في التمثيل مع فتحية شريف، ومحمد كمال المصري (شرفنطح)، ومحمود التوني، وألفريد حداد، وعبد الفتاح القصري، وحسين إبراهيم.
وبعدها، قدمت مسرحية "وراك وراك"، تأليف محمد مصطفى، تلحين فريد غصن ومحمود الشريف. ومع بداية موسم 1937، سافرت بديعة مع فرقتها إلى السودان، فعرضت أعمالها الفنية في الخرطوم وأم درمان وعطبرة. وبعد عودتها، أطلقت اسم "مسرح الهمبرا" على صالتها بشارع عماد الدين، وكثفت تعاونها من المؤلف أبو السعود الإبياري، والملحنين عزت الجاهلي وفريد غصن، وقدمت عشرات المسرحيات.
وفي هذا العام، اشتركت بديعة في التمثيل في فيلم "الحل الأخير" من إخراج عبد الفتاح حسن وبطولة سليمان نجيب وأمينة شكيب وسراج منير وراقية إبراهيم وعباس فارس وعبد الوارث عسر وحسن البارودي وروحية خالد، لكنها عادت إلى كازينو الكوبري الإنكليزي، وافتتحت موسمها الصيفي في أول مايو/أيار 1937 بمسرحية "نينتي خالتي"، تلحين عزت الجاهلي، واستعراض "الحي الصيني"، تلحين فريد غصن، واسكتش "العلمو نورن". وكلها من تأليف أبو السعود الإبياري.
في نوفمبر عام 1940، افتتحت بديعة في ميدان إبراهيم باشا صالتها الخامسة التي عرفت بكازينو الأوبرا وأيضا بكازينو بديعة، وصار هذا المقر محلا لنشاط فني واسع، وقدمت في حفل افتتاحه استعراضاً موسيقياً غنائياً بعنوان "آخر مودة". استمر النشاط الكبير إلى أن جاء عام 1944، فتورطت مصابني في إنتاج فيلم سينمائي، هو "ملكة المسارح"، المستوحى من قصتها الشخصية. أنفقت بديعة على إنتاج الفيلم مبلغاً ضخماً، أثر كثيراً على مركزها المالي وقدراتها التمويلية.
في كازينو الأوبرا، عاشت بديعة سنواتها الفنية الأخيرة، وفي الاحتفال برأس السنة لعام 1945، قدمت بديعة أوبريت "بابا نويل"، من ألحان فريد غصن، وفي العام التالي قدمت مسرحية "ليلة في الغابة" واستعراضات "بساط الريح"، و"الكرنفال"، و"القناع الخفي"، تلحين أحمد شريف. وفي عام 1947، قدَّمت استعراضات "قصر الحور"، و"ليلة في الأرجنتين"، و"عصافير الجنة" من تأليف أبي السعود الإبياري. ثم بدأ نشاطها يخف تدريجيا، إلى أن توقفت بصورة كاملة، واعتزلت الفن عام 1951، فصفت أعمالها، وباعت ممتلكاتها، وحملت ثروتها عائدة إلى بيروت التي عاشت فيها إلى أن رحلت في شهر يوليو/تموز عام 1974.
ولا ريب أن ذكرى رحيلها الخمسين تمثل دافعاً لتذكر دورها الكبير في الحياة الفنية المصرية والعربية. كان دورها ضخماً، تدل على ضخامته الأسماء التي تخرجت من صالاتها، أو حققت شهرتها الأولى وهي تغني ضمن فرقتها: عبد الوهاب، ونادرة أمين، وصالح عبد الحي، وفريد الأطرش، وأسمهان، وبديعة صادق، وتحية كاريوكا، وإسماعيل ياسين، وأحمد الحفناوي، ومحمد عبد المطلب، وعبد الفتاح القصري، وفتحية أحمد، ومحمود الشريف.. ومئات غيرهم من المطربين والملحنين والعازفين والاستعراضيين، وفرت لهم بديعة فرصة تقديم فنهم أمام الجمهور. كانت كأنها رئيسة جامعة، تدير عدة أكاديميات فنية في قلب القاهرة. كانت دوحة تدعو البلابل إلى التغريد، في أغنيتها الشهيرة: غني يا بلابل واهتفي.