تزيد الروايات المشوّقة التي تروى عن برج الفتاة Kız Kulesi عند المدخل الجنوبي لمضيق البوسفور، جاذبية هذا المعلم، إذ أصبح واحداً من المعالم السياحية الرئيسية الواقعة على بعد نحو 200 متر عن ساحل أسكودار في الشطر الآسيوي لمدينة إسطنبول. وتقول الأسطورة الأكثر انتشاراً إن سلطاناً خاف على ابنته من لدغة الأفعى، كما تنبأ له العرافون، فبنى لها البرج بعيداً عن اليابسة، لحمايتها من القدر المحتوم. لكن الحذر لم ينقذ الفتاة من مصيرها، إذ لدغتها أفعى وماتت، بعدما تلقت سلة فواكه هدية، وقد اختبأت داخلها أفعى قاتلة. حزن السلطان وأطلق على حصن ابنته "برج الفتاة"، ليغدو مزاراً يتذكر عبره الزائرون الشابة.
لكن بغض النظر عن الأسباب الحقيقية لبناء البرج في العصر الإغريقي، فإنه لعب دوراً تاريخياً على الأصعدة العسكرية والاقتصادية والصحية، كما استخدم في سنوات لاحقة كسجن للمنفيين أو الخارجين على طاعة الحكام.
الآن وبعد 15 شهراً من إقفال البرج أمام الزوار بهدف الترميم والصيانة، تتطلع إسطنبول أن يكون المعلم واحداً من أهم عوامل جذب سيّاحها.
منذ سبتمبر/أيلول 2021 أغلقت وزارة السياحة البرج في وجه السياح، على أمل أن لا يطول الترميم لأكثر من عام، قبل أن يبرر الوزير نوري أرصوي أن المكتشفات في البرج والعمل على تحويله إلى متحف، وتلافي ما تعرّض له من تغيرات مادية ومكانية بسبب استخداماته المختلفة عبر التاريخ، هي أسباب التأخير عن الموعد المحدد في إبريل/نيسان عام 2022.
وتؤكد مصادر "العربي الجديد" أن موعد افتتاح البرج، خلال إبريل المقبل، لم يتغير رغم مآسي الزلزال الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير الماضي. أما تأخير الافتتاح، بحسب المصادر المطلعة على أعمال صيانة البرج، فحصل بهدف "تصحيح سلسلة من الأخطاء المتراكمة منذ 80 عاماً".
وكان أرصوي قد رد سابقاً على الشائعات التي ظهرت بعد تأخر افتتاح البرج، قائلاً إن الوزارة مستعدة لتقديم كل الوثائق والخطوات المرافقة للترميم وشرح أسباب التأخير، نافياً ما انتشر في بعض الإعلام التركي عن نية الوزارة هدم البرج وإعادة بنائه من جديد. وقال وقتها: "نحن بصدد إطلاق موقع على شبكة الإنترنت لنشر جميع المعاملات التي تمت هنا مع المستندات، سنذكر كل التفاصيل بطريقة شفافة للغاية". وبعد تصريحات أرصوي، أصدرت الوزارة بياناً أكدت خلاله انتهاء الدراسات الخاصة بترميم برج الفتاة، مؤكدة أنها عملت طيلة هذه الفترة وفق "مبادئ الترميم الدولية واللجنة العلمية التركية"، على أن تعلن انتهاء المرحلة الثانية من الترميم بعد إعادة بناء واستبدال القبة الخشبية، ليتحول البرج في إبريل المقبل، وفق البيان، إلى "متحف يظهر جمال إسطنبول".
تفيد الوثائق بأن البرج بُني خلال العصر الإغريقي عام 411 قبل الميلاد، على يد ألكيبيادس، لكن استخداماته تغيرت عبر العصور. إذ لم يأخذ شكله المثمن النهائي ودوره السياحي، إلا في زمن السلطان محمود الثاني عام 1832، بعد مراحل من الترميم والدمار والتبدلات. وقبل الفتح العثماني لمدينة إسطنبول، كان البيزنطيون يستخدمونه مخزناً للسلع ومنارة للسفن وجباية الرسوم، بل وتشير بعض الوثائق أيضاً إلى أنه استخدم كمقبرة ومكان نفي وسجن وتعذيب.
لكن بعد عام 1453 ودخول محمد الفاتح القسطنطينية، اتخذ البرج دوراً جديداً إثر تحويله إلى الاستخدام العسكري، نظراً لحساسية منطقة وجوده في مضيق البوسفور. لكن زلزالاً مدمراً عام 1509 دمّره، فأعيد بناؤه من جديد، محافظاً على دوره العسكري نفسه، ثمّ عام 1721 أدى حريق هائل إلى تغيير في شكله، قبل أن يعاد ترميمه وتتوسع أدواره إلى مكان للحجر الصحي لمصابي الأمراض المعدية. لكن هذا الدور سرّع بتهالكه، الأمر الذي دفع السلطان محمود الثاني إلى إعادة الترميم مع بناء جديد ومتين.
ويرجح المؤرخون والمهندسون أن يكون شكله النهائي الحالي قد بني في عهد محمود الثاني مع تغييرات بسيطة خلال ترميم 1945 و1998 وبعد زلزال 1999 وأيضاً عام 2000 حين دُعّم المبنى بالفولاذ لحمايته من الزلازل، قبل أن يأتي الترميم الكبير منذ نحو عامين، ليدخل البرج في طور جديد، بعد نوايا تركيا بتحويله إلى متحف بقبة وبانوراما جديدتين.