تراجع بريطانيا الحوادث السيبرانية الدولية الكبرى التي وقعت خلال العام الماضي والخطوات العملية التي كان من الممكن اتخاذها لتجنّب العديد من هذه التهديدات.
في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي وخلال الخطاب الذي ألقته الرئيسة التنفيذية للمركز القومي للأمن السيبراني (NCSC) ليندي كاميرون، أمام مركز أبحاث تشاتام هاوس، قالت إنّه في عالم تتطور فيه التكنولوجيا الناشئة بوتيرة سريعة وتتصدر أخبار انقطاع "فيسبوك" و"واتساب" العناوين العالمية بعد انقطاعهما لمدة ست ساعات، لا يمكننا أن نكتفي بما حققناه. لافتة إلى أنّ برامج الفدية تمثل الخطر الأكبر للأمن السيبراني وجميع التهديدات الإلكترونية التي تواجهها المملكة المتحدة. ولم تتوانَ عن توجيه اتهامات جريئة ومباشرة إلى مجرمي الإنترنت الموجودين في روسيا والدول المجاورة، مشدّدة على أنّ المركز القومي للأمن السيبراني جنباً إلى جنب مع الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة، على علم بأنّ هؤلاء مسؤولون عن معظم هجمات الفدية المدمرة ضد أهداف في المملكة المتحدة.
تتابع كاميرون أنّنا لو نظرنا إلى العام الماضي نرى أننا واجهنا بعض الحوادث السيبرانية الكبرى. وربما كان أهمّها الذي حظي بالاهتمام في جميع أنحاء العالم هو ما أصبح يُعرف باسم هجوم "سولار ويندز". وتضمن إحدى أكثر منصات إدارة أنظمة تكنولوجيا المعلومات شيوعاً في العالم التي تعرضت للاختراق من قبل خدمة الاستخبارات الخارجية الروسية. ورأينا أيضاً في العام الماضي تأثيراً في العالم الحقيقي، من سلسلة هجمات برامج الفدية التي أصابت القطاع العام بأضرار جسيمة، بما في ذلك تعرض برنامج الخدمات الصحية في أيرلندا لهجوم هائل من هذه البرامج، مما أدى إلى تعطيل أشهر من المواعيد والخدمات.
تقارير مخابراتية بريطانية، تُحمّل مسؤولية هجمات برامج الفدية لجماعات روسية
في خطابها نفسه تشير كاميرون بشكل واضح إلى تقارير مخابراتية بريطانية، تُحمّل مسؤولية هجمات برامج الفدية الأكثر "تدميراً" في البلاد لجماعات المجرمين الإلكترونيين المتمركزين في روسيا. كذلك تنبّه أن برامج الفدية كانت ولا تزال أكبر خطر إلكتروني مباشر على المملكة المتحدة كونها تشمل منظمات مثل شركات "فوتسي 100" والمدارس والبنية التحتية الوطنية الحيوية فضلاً عن المجالس المحلية. وتحذّر من أن الكثيرين ليست لديهم خطط للاستجابة للحوادث أو أنّهم لا يزالون يختبرون دفاعاتهم الإلكترونية ضد التهديد. وفي المقابل تستمرّ التكنولوجيا في التقدم والتطور بوتيرة سريعة حتى أصبحت أكثر اندماجاً في حياتنا اليومية وأعمالنا وبنيتنا التحتية. وتلفت كاميرون إلى أنّ المتسللين عادة ما يخترقون الأنظمة الرئيسية لتشفير البيانات المهمة أو يتحكمون بها بطريقة أخرى، ثمّ يطلبون نقوداً مقابل إعادتها. وتدفع العديد من الشركات فديات، بيد أنّ دفع الفدية "يشجع هذه الجماعات الإجرامية" خصوصاً في بريطانيا، إذ إن القانون بمنع دفع الفدية للجماعات المصنّفة إرهابية فقط، وقسم كبير من القراصنة الذين يطالبون بالفدية غير مصنّفين في هذه الخانة.
وليس من غير القانوني القيام بذلك، لأن العديد من العصابات الإجرامية لم يتم تصنيفها على أنها جماعات محظورة كما أنّ قوانين الابتزاز البريطانية تحظّر فقط دفع الفدية للإرهابيين. ويقول الخبراء إن روسيا إلى جانب دول سوفييتية سابقة أخرى خارج منطقة البلطيق، اختارت غض الطرف عن أنشطة العصابات طالما أن جهودها تستهدف الخارج.
وتشير كاميرون إلى أنه على الرغم من أن روسيا لا تزال تمثل أخطر تهديد للأمن السيبراني، لكن تقول إنّ كلاً من إيران وكوريا الشمالية على الرغم من أنّهما أقل تطوراً من روسيا والصين لكنهما تستخدمان بانتظام الاختراقات الرقمية لتحقيق أهدافهما. وتمثّل الصين مشكلة مهمة أيضاً، إذ كانت بكين ممثلاً متطوّراً للغاية وقد أظهرت "اهتماماً مثبتاً بأسرارنا التجارية" بعد أن اتهمت سابقاً بمحاولة سرقة أسرار أبحاث اللقاحات، وهو ادعاء تنفيه الصين.
ومع ذلك، تنفي الصين باستمرار تورطها في القرصنة. ففي يوليو/ تموز، اتهمت وزارة الخارجية الصينية واشنطن بالالتفاف حول حلفائها للتشهير بها وقمعها بدوافع سياسية. وقالت إن الولايات المتحدة كانت "أكبر مصدر للهجمات الإلكترونية في العالم"، وإن الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين قد انخرطوا منذ فترة طويلة في سياسة تقليدية تقضي بالتجسس على دول مثلها.
كذلك أشارت كاميرون إلى ما تم الكشف عنه حديثاً حول برمجية "بيغاسوس" التي تبيعها مجموعة NSO الإسرائيلية، وذلك بالتزامن مع ما أعلنت عنه محكمة بريطانية عن استخدام حاكم إمارة دبي محمد بن راشد البرمجية الإسرائيلية للتجسس على هاتف زوجته السابقة الأميرة هيا بنت الحسين. في المقابل، كان الرئيس السابق لأعلى وكالة للأمن السيبراني في الحكومة البريطانية كياران مارتن قد حذّر خلال هذا العام من أنّ الصين تسعى إلى إعادة كتابة قواعد الإنترنت من خلال إنشاء نظامها البيئي التكنولوجي القائم على الرقابة والمراقبة في منافسة مباشرة مع الديمقراطية الغربية.