يأخذك مسلسل الرسوم المتحركة الكوميدي، "محافظة مسامير" (2021)، برحلة شيقة في أنحاء المملكة العربية السعودية، ليكشف تناقضات الحياة الاجتماعية فيها، ومشاكل الشباب والمرأة، ونقاش الأصالة والمعاصرة.
استطاع المخرج مالك نجر، بالتعاون مع الكاتب عبد العزيز المزيني، عبر حلقات المسلسل الثماني، كسر محظورات اجتماعية ودينية، من خلال جرأة النصوص والمعالجة، وساعدهم على ذلك، أن العمل ينفذ بتقنية الرسوم المتحركة، وليس بممثلين وممثلات يواجهون الكاميرا.
وقد سبق لفريق العمل أن حقق نجاحاً كبيراً لدى الجمهور السعودي؛ ما أغرى شبكة نتفليكس، بعقد شراكة حصرية مع المنتج السعودي لمدة خمس سنوات.
يقدم العمل نفسه على أنه "غير مناسب للأطفال" وأن "شخصياته خيالية وإن بنيت على الواقع". المقصود هو الواقع السعودي بكل تعقيداته، من تيار المتشددين وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مقابل العلمانيين والمتحررين، إلى جانب تيار المحافظة والتقاليد والأصالة، في مواجهة تيار التحديث والتغريب والترفيه.
يعتمد المسلسل، في معظم حلقاته، على ثلاث شخصيات أساسية؛ هي "سعد" أو "أبو غنام"، و"طراد"، و"سلتوح". ويغيب عنه تجسيد شخصية نسائية، كان يمكن أن تشكل إضافة مهمة.
يمثل "سلتوح"، صاحب الأنف الكبير، شخصية رئيسية؛ فهو نموذج الشباب السعودي الضائع، والباحث عن إثبات ذاته وعن فرصة عمل؛ فيجرب حظه أن يكون يوتيوبر، لعله يكون مشهوراً وغنياً مثل شباب سعوديين كثيرين جربوا حظهم على يوتيوب، ونجحوا نجاحاً باهراً، إلا ان متابعي سلتوح اقتصروا على سبعة من أولاد عمه، ولم يجن من بثه المباشر سوى الخسائر.
تركز السوشيال ميديا على علاج سلتوح من حبة تظهر على مؤخرته، بعد نشر صورة لها على إحدى مجموعات واتساب، فيقفز متابعوه إلى المليون.
في حلقة "لازورد"، يعمل سلتوح بتوصيل الطلبات من أحد المخابز. وتتضح في الحلقة نظرة المجتمع السعودي الدونية إلى هذه المهن؛ فيتعاطى المليونير مع سلتوح بلامبالاة، ولا يعطيه إكرامية، رغم مباهاته بكسب مليون ريال يومياً. أما المحسنة السعودية "ماما لازورد"؛ فتمنحه 500 ريال، لنكتشف في نهاية الحلقة أنها تتاجر بالأطفال.
وأخيراً، يتصل موظف الاستعلامات للصراخ عليه، وليتسبب في فصله من العمل لأنه لم يوصل طلبه؛ وهو وجبة دسمة مليئة بزبدة الفول السوداني، تصل خطأ لماما لازورد فتقتلها.
ينتقد المسلسل أداء السلطات وطريقة معالجتها للمشكلات؛ فحين تواجه ما تعتقد أنه إرهاب، تتسبب في موت الكثيرين كما في حلقة "لازورد"، وكذلك يظهر "مركز تخفيف العبء الوطني" الأقل إنتاجية في الدولة والأكثر عبئا: "أتينا بك لحل المشكلة، فأصبحت جزءاً منها". كما في حلقة "واشنطونيا" التي تعكس الصراع الحاد بين المحافظين والليبراليين، حيث النقاش حول نظرية داروين، والحجاب والسفور والأخلاق والانفتاح.
تنتقد حلقة "السباك" عقلية الإنتاج التلفزيوني السعودية، حيث يوزع أحد النافذين المسلسلات والأفلام على الشركات على طريقة المنح الأميرية.
يتابع سلتوح مسلسل "الشرف مقابل الدم" الذي يزعم منتجه "منير الحداثي" أن إنتاجه يحسن المزاج العام، ليس في السعودية، بل في العالم بأكمله، وأن السعوديين قادمون لقيادة الإنتاج.
تتضرر مصالح شركات أدوية من وراء المسلسل؛ لأن "المحتوى الجيد يساوي شعباً سعيداً، والشعب السعيد لا يتناول الأدوية"؛ فيخرجون منافسه من السجن الذي يحتكر كل الأدوار لنفسه: المنتج والمخرج والبطل ومسؤول الإضاءة والموسيقى والأزياء والمصور: "أنا الكل بالكل".
في حلقة "مرحاض الأسرار"، نرى نقداً لاذعاً لبعض التقاليد القبلية، إذ نشاهد وقائع مصالحة بين بني صفر وبني خضر، والتي تنتهي بحمام دم جديد، وتجدد الصراع المبني على خلافات تافهة، وأحيانا من دون خلافات.
استطاع المسلسل أن ينتزع من كثير من متابعيه قهقهات عالية، ولكن في الوقت نفسه قد يصيبنا سأم من بعض التنظير و"الأستذة" فيه، ولكنه يبقى قفزة مهمة بالإنتاج السعودي، نأمل أن نرى مثيلها في المسلسلات والأفلام.