يفخر أهل بورصة بأنهم يعيشون في عاصمة الأجداد، ويدعم ذلك الشعور أن المدينة تضم أضرحة السلاطين الأوائل للدولة العثمانية وبعض آثارهم؛ كعثمان الأول وأورخان غازي ومراد الأول وبايزيد الأول ومحمد الأول.
تقع بورصة في إقليم مرمرة بالأناضول، في مكان متوسط بين مدينتي أنقرة وإسطنبول. وهي رابع أكبر المدن التركية من حيث السكان والأهمية الاقتصادية، ويزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة. ووفق تقديرات في عام 2017 احتلت بورصة المرتبة رقم 16 من بين أكثر المدن الأنسب للحياة في العالم، والأولى على مستوى تركيا.
تلقب المدينة أيضاً بـ "بورصة الخضراء"، لما تمتاز به من غطاء نباتي طبيعي يغطي الجبال المحيطة بها من كل جانب، إضافة إلى كثرة حدائقها والبساتين والحقول في المنطقة السهلية.
هدية الله
نشأت المدينة القديمة حول نهر جبلي يسمى جيلومبوز. وتحمل بورصة اسمها نسبة إلى ملك بيثينيا بروسياس الأول، والذي حكم من سنة 228 إلى 182 قبل الميلاد، وأعاد بناءها، وقد كانت المملكة البيثينية مستقلة قبل غزو الإسكندر الأكبر. وقد تقلبت الإمبراطوريات والممالك على بورصة إلى أن فتحها العثمانيون في عشرينيات القرن الرابع عشر واتخذوها عاصمة لإمبراطوريتهم في عام 1326، وكانوا يسمونها آنذاك "خداوندكار" ومعناها هدية الله.
تاريخياً؛ فإن مدينة سوغوت كانت العاصمة التي اختارها عثمان الأول منذ عام 1299، إلى أن فتح أورخان غازي بورصة سنة 1326 وجعلها عاصمة للإمبراطورية التي أخذت تتأسس على يديه، ثم انتقلت العاصمة إلى أدرنة سنة 1366 إلى أن فتحت القسطنطينية على يد محمد الثاني وصارت العاصمة منذ 1453.
عمارة الأوائل
للعمارة العثمانية في بورصة طابع خاص، فهي تمثل الحقبة الأولى للدولة العثمانية والتي كانت أكثر تأثراً بالأنماط السلجوقية، وسوف يتغير هذا التأثر بعد فتح القسطنطينية بعد الاطلاع على الأنماط البيزنطية مثل آيا صوفيا.
ويعد جامع بايزيد الأول والجامع العظيم (أولو داغ جامع) من أقدم النماذج المعمارية التي تدل فنياً على تلك الحقبة، وقد بناهما السلطان بايزيد الأول، فأما المسجد الأول فقد استغرق بناؤه من 1390 إلى 1395، وهو مشيد على نمط هندسي يسمى نمط بورصة أو حرف T مقلوب، وهذا النمط المعماري يكاد يتطابق مع عدة مساجد سلطانية أخرى بنيت في تلك المرحلة، مثل جامع أورخان غازي 1339، والجامع الأخضر وهو تحفة معمارية فريدة بناها السلطان محمد الأول 1421.
أما الجامع العظيم، وهو أيضاً من إنشاءات السلطان بايزيد الأول، ولكنه يحمل قصة طريفة، حيث احتدمت بعض المعارك مع مجموعة كبيرة من الجيوش الأوروبية المتحالفة، فنذر السلطان أن يبني عشرين جامعاً بأموال الغنائم إذا كتب الله له النصر. ولكن حين انتصر السلطان رأى صعوبة الوفاء بهذا النذر، فأخرج المشايخ له حيلة فقهية بأن يبني مسجداً واحداً، ولكن بعشرين قبة، وهكذا جاء تصميم الجامع العظيم ذي المئذنتين. والكثير من المنشآت الأثرية في بورصة كالجوامع والمدارس والأضرحة تمتاز بالزخارف والنقوش والكتابات العربية الجميلة بما يدل على تقدّم العلوم والفنون الإسلامية في تلك الفترة. ومن المنشآت المعمارية المهمة أيضاً السوق المغطى، وهو يشبه إلى حد كبير السوق المصري في إسطنبول، وخان الخليلي في مصر.
مزارات متنوعة
وتحتشد في بورصة مجموعة كبيرة من المعالم والمزارات، مثل جبل أولوداغ الذي تغطيه الثلوج في فصل الشتاء ويتحول إلى ميدان للتزلج على الجليد وإقامة مسابقات عالمية، ويتم الوصول إليه بواسطة التليفريك، وهو أطول تليفريك في العالم ويصل طول مساره إلى 9 كيلومترات.
كذلك يستهوي الزائرين مشاهدة البحيرات، والشلالات الجميلة، والينابيع الساخنة الغنية بالكبريت والحديد، وهناك الشجرة التاريخية العجوز التي يصل عمرها إلى 600 سنة، وبعض القرى القديمة التي لا تزال تحافظ على النمط العثماني مثل قرية جوماليكزيك على سفح جبل أولوداغ. ومغارة أويلات التي يبلغ طولها 665 متر، ويتم الوصول إليها بـ 140 درجة سلم، والتي تكونت بفعل زلزال وقع منذ 300 مليون سنة.
(مصدر الصور: Getty)