استمع إلى الملخص
- الانسحاب يثير صدمة في الأوساط الثقافية الإسرائيلية ويُنظر إليه كدليل على نجاح حملات المقاطعة الدولية، خاصة بعد إغلاق الجناح الإسرائيلي في بينالي البندقية للفنون قبل افتتاحه.
- بينالي البندقية للعمارة يُعد منصة عالمية لتبادل الأفكار حول التحديات المعاصرة مثل التغير المناخي، ودورته التاسعة عشرة تركز على استخدام الذكاء بأشكاله لمواجهة أزمة المناخ، مؤكدة على أهميتها كمنصة للحوار والابتكار.
لن تشارك دولة الاحتلال الإسرائيلي في بينالي البندقية للعمارة (Biennale Architettura) في دورته التاسعة عشرة التي ستقام العام المُقبل، بحسب تصريحات لمسؤولين في وزارة الثقافة الإسرائيلية، أوردتها صحيفة هآرتس. يقام بينالي البندقية للعمارة بالتبادل مع بينالي الفنون، ويشغل مساحات العرض والأجنحة الوطنية نفسها التي تعرض فيها الأعمال الفنية.
وبرر المسؤولون الإسرائيليون قرار عدم المشاركة في بينالي العمارة بحاجة مبنى الجناح الإسرائيلي في البندقية إلى التجديد، وفشلهم في العثور على مساحة عرض بديلة في المدينة يمكنها أن تستضيف المشاركة الإسرائيلية. وذكرت صحيفة هآرتس على لسان أحد المتخصصين أن الجناح الذي أنشئ عام 1952 ليس بحاجة ملحّة إلى التجديد، وكان يمكن القيام بهذه الخطوة بعد انتهاء البينالي، ما يشير إلى أن هناك أسباباً أخرى غير مُعلنة وراء هذا القرار المُفاجئ.
قوبل قرار الابتعاد عن هذا الحدث العالمي البارز بالصدمة في الأوساط الثقافية الإسرائيلية، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تغيب فيها دولة الاحتلال عن هذا المحفل الدولي منذ خمسين عاماً. رأى بعضهم أن إعلان إسرائيل عدم مشاركتها في هذا التوقيت تحديداً، جاء نتيجة طبيعية لحملات المقاطعة الثقافية والأكاديمية المتنامية حول العالم للمؤسسات والأنشطة الإسرائيلية. وقد ارتفعت الأصوات المطالبة بالتراجع عن هذا القرار داخل دولة الاحتلال، ووُصف بأنه يمثل هزيمة غير مسبوقة ومؤشراً مثيراً للقلق على نجاح دعوات المقاطعة.
يأتي إعلان هذا القرار في أعقاب إغلاق الجناح الإسرائيلي في منتصف إبريل/ نيسان الماضي على يد الممثلين لإسرائيل في بينالي البندقية للفنون. بعد تثبيت عمل الفنانة الإسرائيلية داخل الجناح، أغلقه المنظمون قبل ساعات من افتتاحه الرسمي، وعُلّقت لافتة على الواجهة الزجاجية تشير إلى أن إغلاق الجناح مرهون بوقف إطلاق النار وتحرير الرهائن. غير أن الجناح ظل مغلقاً أمام الجمهور حتى بعد التفاهمات الأخيرة القاضية بوقف إطلاق النار في قطاع غزة. يرى بعضهم أن مبرّرات إغلاق الجناح الإسرائيلي في بينالي البندقية للفنون تبدو استعراضية، وأن السبب الرئيسي لهذا الإغلاق هو التخوف من الاحتجاجات التي تستهدف الأنشطة الإسرائيلية في البينالي.
ويأتي إعلان دولة الاحتلال عن عدم مشاركتها في بينالي العمارة تأكيداً لهذا الرأي، إذ يتجنب المسؤولون الإسرائيليون حالياً الدخول في مواجهات مباشرة مع الناشطين الرافضين للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ويأتي تعليق الأنشطة الإسرائيلية في بينالي البندقية كإجراء استباقي كي لا تتحول مساحات العرض إلى منصات دولية للتنديد بالانتهاكات والجرائم الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي.
تُدرك دولة الاحتلال جيداً أن المزاج الشعبي الدولي ليس في صالحها، وأنها ليس بمقدورها التصدي أو التعتيم على الأصوات الرافضة لسياستها في محفل دولي بارز كبينالي البندقية للعمارة.
أثارت مشاركة إسرائيل في بينالي البندقية للفنون هذا العام، السجال والاحتجاجات، فقبل انطلاق البينالي أصدرت مجموعة تُدعى "تحالف الفن وليس الإبادة الجماعية" بياناً للتوقيع يطالب باستبعاد دولة الاحتلال من المشاركة. حظي هذا البيان حينها بتوقيع أكثر من 24 ألف شخصية من الأوساط الفنية الدولية.
ومنذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، جرت احتجاجات ومقاطعات وإلغاءات وانسحابات في العديد من المؤسسات الفنية الكبرى. كذلك واجهت أحداث ثقافية بارزة أخرى احتجاجات ضد مشاركة إسرائيل، كمهرجان الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) الذي نُظم الشهر الماضي. وهذه هي المرة الأولى التي تختار فيها دولة الاحتلال الانسحاب من حدث دولي كبير منذ بدء عدوانها على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. يرى المُتابعون أن ما أقدمت عليه إسرائيل بعدم مشاركتها في بينالي العمارة شكل من أشكال المقاطعة، لكنها مقاطعة مفروضة ذاتياً، تجنباً لفتح جبهات متعددة للسجال حول السياسة الإسرائيلية، ما يُعَدّ نجاحاً كبيراً لحملات المقاطعة الدولية.
إلى جانب هذه التخوفات، ثمة تخوفات أخرى أمنية ليست خافية على أحد في ظل تنامي الانتقادات الموجهة لدولة الاحتلال خلال الأشهر الماضية. ويؤكد هذه التخوفات زيادة إسرائيل للميزانية المخصصة لتأمين وفدها المشارك في دورة الألعاب الأولمبية التي ستنطلق الشهر المُقبل في باريس.
يمثّل بينالي البندقية للعمارة منصة دولية لتبادل الأفكار والحوار حول الإشكاليات الطارئة في العمارة المعاصرة، خصوصاً في ظل التغير المناخي العالمي والحاجة الملحة إلى أفكار وأطروحات معمارية جديدة لمواجهة هذا التحدي العالمي. تُنظم النسخة التاسعة عشرة من بينالي البندقية للعمارة تحت عنوان "ذكاء.. طبيعي.. صناعي.. جماعي"، ومن المقرر انطلاقها في العاشر من مايو/ أيار المقبل، ويُشرف عليها المهندس المعماري والأكاديمي الإيطالي كارلو راتي. يدعو هذا الأخير الممارسين المعماريين كافة إلى تقديم مشاريع توظف الذكاء الطبيعي والاصطناعي والجماعي لمكافحة أزمة المناخ في ظل عالم يحترق، كما يقول.