هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، الممولة من القطاع العام، متورطة في فضيحة جديدة، لكن صحافييها ومراسليها ومذيعيها لا يترددون في تغطيتها هذه المرة، إن على صفحة الموقع الإلكتروني الأولى أو النشرات الرئيسية على قناتها، وذلك منذ فجرت صحيفة ذا صن، الجمعة الماضي، قضية عن اتهام مذيع من نجومها، بدفع أموال لقاصر لم يعرف إن كان ذكراً أو أنثى، ليرسل إليه صوراً ذات طابع إباحي.
كما ذكرت "بي سي سي" أن شخصاً آخر في العشرينيات من عمره تلقى "رسائل تهديد" من المذيع نفسه عبر موقع مواعدة. وأضافت أنها اطلعت على الرسائل، وأكدت أنها جاءت من رقم هاتف يعود للمذيع الذي أعلنت القناة توقيفه عن العمل منذ يوم الأحد إلى حين انتهاء التحقيق.
وسرت حمى تكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي حول هوية المذيع، حتى إن صحيفة ديلي ميل توصلت إلى أن "واحداً من كل ستة" بريطانيين يعرف هويته، وفقاً لاستطلاع أجرته. وقد سارع أشهر مذيعي القناة إلى التبرؤ من التهمة، كل بدوره على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن المدير العام لـ"بي بي سي"، تيم ديفي، أكد اتباع "الإجراءات والبروتوكولات" الخاصة بالأشخاص الذين تُقدّم مزاعم ضدهم قبل اتهامهم، وتقع عليهم مسؤولية التعامل بعناية مع جميع الأطراف و"بأقصى قدر من اليقظة". ورفض ديفي دعوات بعض النواب لاستخدام الامتياز البرلماني من أجل تسمية المذيع، إذ يمنح هذا الامتياز الحصانة القانونية للنواب عن تصريحات يدلون بها في مجلس العموم.
لكن زوجة هيو إدواردز كشفت، مساء الأربعاء، أنه المذيع البارز في "بي بي سي" الذي يواجه منذ أيام اتهامات ذات طبيعة جنسية. من جهتها، أكدت شرطة لندن أن أي جرم جنائي لم يرتكب على ما يبدو في سياق هذه القضية، وأوضحت أنها "في سبيل التوصل إلى هذا القرار، تحدثت إلى عدد من الأطراف، من بينهم بي بي سي ومقدّم الشكوى وعائلته. ولن تتّخذ أي إجراء آخر".
وأوردت الصحيفة البريطانية نفسها "ذا صن" شهادة امرأة تتهم المذيع ــ المتهم بتقديم أكثر من 35 ألف جنيه إسترليني (نحو 44 ألف دولار أميركي) لابنها أو ابنتها الذي كان في عمر السابعة عشرة مقابل الصور وقد تم استخدام هذه الأموال لشراء المخدرات من قبل الضحية. واتهمت الوالدة المذيع بـ"تدمير حياة" القاصر الذي بات في سن العشرين الآن وأصبح في غضون ثلاث سنوات "مدمن مخدرات".
هذه الورطة التي وجدت "بي بي سي" نفسها فيها فجأة أظهرت التزامها بالمعايير المهنية التي تتبعها المؤسسات الإخبارية الأخرى. إذ لم يتردد مراسلوها في تغطية الخبر بكثافة، وسلطت هي الأضواء عليها، حتى إنها عاجلت قرّاءها ومتابعيها بآخر التطورات عبر إرسال تنبيهات متواصلة.
كما أن "بي بي سي"، في إطار التزامها بالشفافية، ذهبت أبعد من ذلك، لتشرح لقرائها كيف تنجز التقارير التي تدور حولها هي نفسها. فقد نشرت "بي بي سي" مذكرة متعلقة بالقضية، تضمنت روابط لكل التقارير التي نشرت عنها، وأوضحت فيها أنها "مع مثل هذه القصة، يتعامل صحافيو بي بي سي نيوز مع بي بي سي بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع أي منظمة أخرى تنشر الخدمة الإخبارية تقارير عنها". وأضافت في المذكرة نفسها: "ومثل أي منظمة أخرى، يتعين على بي بي سي نيوز أن تطلب من إدارة بي بي سي أو خدمات بي بي سي الرد والاتصال بالمكتب الصحافي في بي بي سي، للحصول على بيانات رسمية".
وواصلت هيئة الإذاعة البريطانية شرح آليتها في هذه المذكرة، مشيرة إلى أنه "أحياناً يتواصل صحافيو بي بي سي مع كبار المديرين، لإجراء مقابلات غير مخطط لها، تُعرف باسم عتبات الأبواب، في مجال الأخبار. في بعض الأحيان يُعرض عليهم أيضاً إجراء مقابلات مع الإدارة... وعندما يحدث هذا، فإنهم يعلمون أنهم سيخضعون للتدقيق، داخل وخارج هيئة الإذاعة البريطانية، بشأن مدى حسن مساءلة رئيسهم".
وتأتي هذه الشفافية اللافتة من صحافيي "بي بي سي" في تناقض صارخ مع المنافذ الغربية الأخرى التي كلفت أخيراً بتغطية صراعات تخوضها، وبينها على سبيل المثال لا الحصر قناة فوكس نيوز الأميركية المحافظة التي كممت أفواه مراسليها عن تغطية القضية التاريخية المتعلقة بالتشهير بشركة دومينيون الأميركية المصنّعة لآلات التصويت.
توصّلت "فوكس نيوز"، في إبريل/ نيسان الماضي، إلى تسوية مالية قضت بأن تسدّد 787.5 مليون دولار لشركة دومينيون الأميركية المصنّعة لآلات التصويت التي تتّهمها بالتشهير، في خطوة جنّبتها المحاكمة. وأعلن القاضي إيريك ديفيس التوصل للتسوية في اللحظات الأخيرة حينها، وذلك بعد اختيار الأعضاء الاثني عشر في هيئة المحلفين، وفي حين كانت المحكمة تستكمل الاستعدادات لبدء المرافعات في الدعوى. وكانت شركة أنظمة دومينيون للتصويت قد رفعت دعوى قضائية ضد "فوكس نيوز"، مطالبة بتعويض قدره 1.6 مليار دولار في مارس/ آذار 2021، متهمة إياها بالترويج لمزاعم صادرة عن دونالد ترامب تفيد بأن آلاتها استُخدمت لتزوير نتائج انتخابات عام 2020 الرئاسية التي خسر فيها أمام جو بايدن.
تجدر الإشارة إلى أن هذه قضية جديدة محرجة بالنسبة للمجموعة السمعية البصرية العامة التي تتعرض لانتقادات شديدة، خصوصاً بعدما اضطر رئيسها إلى الاستقالة في إبريل على خلفية تضارب مصالح، كما يتم بانتظام التشكيك في حيادها.