نهاية العام الماضي، أصدرت نجمة البوب الأميركية، تايلور سويفت، ألبوماً جديداً حمل عنوان "Evermore"؛ وهو الألبوم الرسمي التاسع في مسيرتها والثاني لها ضمن عام 2020. وقد تم إصدار الألبوم بشكل مفاجئ من دون سابق إنذار، على غرار ما فعلته بألبومها السابق "Folklore"، الذي وصفته بأنه الألبوم الشقيق لـ"Evermore". فهي تستكمل بعملها الجديد تعاونها غير المتوقع مع آرون ديسنر، وبون إيفر؛ التعاون الذي أثمر عن إنتاج الأغاني الأكثر هدوءاً ورصانة في مسيرة سويفت بالمجمل، والتي يمكن النظر إليها على أنها انعكاس لحالة العزلة العامة التي سيطرت على سنة 2020.
في الألبوم الجديد، تتابع سويفت لعبتها التي رسمت قواعدها في "Folklore"، الذي أصدرته منتصف العام الماضي؛ فتواصل تقمّص الشخصيات الافتراضية، التي نسجتها بالاستناد إلى هيكلية الحكايات الفلكلورية الشعبية، لتعيش من خلالها حكايات ذات الصبغة العاطفية المتخيلة، التي تكسر بها الفراغ ضمن قوقعة العزلة.
من هذه الحكايات حكاية "دوروثيا"، التي خصصت لها أغنية "tis the damn season"، وهي فتاة تركت قبل سنوات طويلة بلدتها الصغيرة لتطارد أحلام هوليوود، وعادت مؤخراً لتطارد شعلة الحياة التي اكتشفتها في المكان الذي تنتمي إليه بعد زمن طويل.
هناك حكايات وشخصيات عديدة اخترعتها سويفت بألبومها الجديد، بعضها يبدو أكثر إثارة على المستوى السردي؛ أي عندما يتم إعادة بناء الأغنية بقصتها القصيرة. لكن جودة القصة لا تعبر بالضرورة عن جودة الأغنية، فأجمل أغنيات الألبوم هي تلك التي تبدو قصتها مبتورة وغير مكتملة، أو ضعيفة سردياً؛ كما هو الحال في أغنية "no body, no crime"، التي تعاونت فيها مع فرقة الروك النسائية "هايم"، التي تبدو إحدى أكثر أغاني الألبومات ألقاً ونضجاً، لكن الحكاية فيها تبدو ضعيفة، تستند لشخصية "إيست" التي تبدو في حالة ضياع ما بين المنطق والواقع، تدرك جريمة غير مفهومة لا يمكن إثباتها؛ فالتراكيب اللغوية القصيرة التي تربط كل ما يمكن التحقق منه بالوجود المادي، والبعد الجسدي، تضفي على كلمات الأغنية سحراً خاصاً، رغم أن تجميع الكلمات لا يعطي حكاية متماسكة، كما هو الحال في معظم أغاني الألبوم، التي تُفتقد في بعض الأوقات، رغم تماسك بنيتها لسحر "no body, no crime".
لكن أجمل أغاني الألبوم على الإطلاق هي الأغنية الافتتاحية "willow"، التي تعود فيها إلى شخصية "بيتي"، التي رسمت ملامحها في ثلاث أغنيات من ألبومها السابق "Folklore"، وهي "cardigan" و"august" و"betty". ففي "willow" التي أصدرت سويفت لها كليب، هو امتداد لكليب "cardigan"، تستفيد من خصال شخصية "بيتي" لتنسج خيطاً جديداً في الحكاية الخاصة بها، بما تحتويه من تناقضات ما بين الحب والعزلة؛ لتلقي بالأغنية تعويذتها السحرية الخاصة لخلق رجل، هو يجب أن يكون الحبيب والمخلص من حالة العزلة التي تسيطر على عقل الشخصية وجسدها. وبهذه الأغنية، تتمكن سويفت من تقديم واحدة من أفضل أغاني الـ"إيندي فولك" التي صدرت في العقد الأخير، بالاعتماد على جملة موسيقية مألوفة تستعملها ضمن إنتاج غير نمطي، يتمتع بالحيوية والخفة التي تفتقد لها أغاني هذا الجنر عادةً.
بالعموم، قد يبدو ما قدمته سويفت بألبوماتها هذه السنة كان ارتداداً على السياق الذي رسمته لنفسها خلال الأعوام السابقة، لكنه كشف مساحات جديدة ضمن شخصية تايلور سويفت الفنية؛ التي تمكنت من تقديم أغان أنيقة وناضجة بالاستناد لأنماط موسيقية غريبة عنها.
ربما تكون عودتها إلى أغنية الكانتري بعد كل أعوام الانقطاع هي علامة الاستفهام الأكبر؛ علامة استفهام لا يمكن تفسيرها سوى بالعودة لتصريحات سويفت نفسها، التي قالت قبل عام ونصف إنها أصيبت بصدمة أثناء قيامها بتصوير فيلم عن سيرتها الذاتية، عندما أدركت فجأة أنها خاضعة لسيطرة صناعة الترفيه والموسيقى، وأن كل ما في حياتها يتم ترتيبه وتحضيره قبل عامين على الأقل؛ لتكون ردة فعلها ألبومات مفاجئة وخوض مسار غير متوقع، وعودة إلى نقطة بمسارها الفني عملت جاهدة للتخلص منها وتجاوزها.