على هامش أخبار الصفقة الأميركية الروسية، والتي جرت أخيراً وتخلّلها إطلاق سراح تاجر السلاح فيكتور بوت مقابل لاعبة السلة الأميركية بريتني غرينر، شاهدت الفيلم الأميركي "ملك الحرب"، المنتج عام 2005، من إخراج أندرو نيكول وبطولة النجم نيكولاس كيدج.
يعتمد الفيلم على سرد حياة تاجر السلاح فيكتور بوت ومبيعاته وارتباطاته الدولية ويحاول تقديم شخصيته بتناقضاته المختلفة، لكنّه لا يبقى وفياً للتفاصيل، فيمنح لنفسه حرية التحوير في بعض الوقائع وتخيّل بعضها الآخر، ويقدم تفسيراً مختلفاً للنهاية التي عرفناها عن طريق الأخبار، إذ إنّ الفيلم يربط تجارته للسلاح بالولايات المتحدة ويلمح إلى العلاقة بينه وبين الاستخبارات الأميركية الـ"سي آي أيه".
وينتهي الفيلم بالإفراج عنه من السجن الأميركي بعد اتصالات عليا يفسرها بطل الفيلم لمحققه: "ربما لا تريد أميركا أن تظهر بصماتها على بعض شحنات الأسلحة.. أكبر تاجر للأسلحة هو رئيسك، رئيس الولايات المتحدة الأميركية.. أنا شر لا بد منه".
ولد فيكتور بوت في طاجكستان عام 1967، اسمه في الفيلم يوري أورلوف وأصله من أوكرانيا، ودرس في المعهد العسكري السوفييتي وانضم لسلاح الجو في الجيش الأحمر، يهمل الفيلم هذه المعلومات ولا يشير إلى أية علاقة بينه وبين الاستخبارات السوفييتية (كي جي بي) ولا مع وريثتها الاستخبارات الروسية.
ولا يخفى على المتابع أنّ السبب في ذلك هو جرعة التشويق وعدم توافر المعلومات عند إنتاج الفيلم، الذي صدر قبل اعتقال بوت في تايلاند عام 2008 وتسليمه للولايات المتحدة عام 2010، والذي حكمت عليه بالسجن خمسة وعشرين عاماً.
يقوم الفيلم على رواية بطل الفيلم تاجر السلاح لقصته، فيبدأها بالقول على خلفية أرضية مليئة بالآلاف من فوارغ الرصاص: "هناك أكثر من 550 مليون سلاح ناري في العالم بمعدل سلاح لكل 12 فرداً، والسؤال هو كيف نسلّح الأحد عشر الباقين؟".
يضيف: "لقد بعت السلاح لكل من طلبه: فبعت المسلمين سلاح عوزي الإسرائيلي وبعت الفاشيين رصاصا من صنع بلدان اشتراكية، بعت سلاحاً لإيران والعراق، بعت شحنات للأفغان في حربهم ضد بلدي ولم أبِع لأسامة بن لادن وذلك ليس لأسباب أخلاقية، بل لأن شيكاته كانت بلا رصيد آنذاك، بعت لليمين واليسار، كنت تاجرا حرا للموت".
اغتنم البطل، في الواقع وفي الفيلم وكذلك في عدة كتب صدرت عنه، حالة الفوضى أثناء تفكك الاتحاد السوفييتي عام ١٩٩١ ليشتري مستودعات الجيش الأحمر، خاصةً في أوكرانيا والتي كان فيها ما يقارب مليون جندي لم تصلهم رواتبهم، فعقد صفقات ودفع رشى واعتمد على صداقاته وعلاقاته، فضلاً عن إتقانه للغات مختلفة منها الروسية والطاجكية والعربية، فاستحوذ على صواريخ ومدافع وأسطول مروحيات، فضلاً عن حاملات الجند والألغام والبنادق الفردية ولا سيما الكلاشنيكوف طراز 1947، والذي يعتبره بطل الفيلم أكثر الأسلحة المبيعة وذات الأرباح العالية، وهو أهم صادرات روسيا، وقد وضعه الاتحاد السوفييتي على عملته ورسمته موزمبيق على علمها.
قدّرت تحقيقات صدرت لاحقاً قيمة الأسلحة المسروقة من أوكرانيا بـ23 مليار دولار، واصفةً إياها بأكبر سرقة سلاح في التاريخ. كانت السوق الرئيسية لهذا السلاح هي أفريقيا وحروبها المسلحة، والتي قدرت بأحد عشر نزاعا شاركت فيه 32 دولة، ولا سيما في سيراليون وساحل العاج، إضافةً إلى ليبيريا، التي كانت الشريك الأول لتاجر الموت بوت، والذي تقاضى المال مقابل بضاعته، وفي أحيان كثيرة الألماس الذي عرف باسم الماس الأسود، وكذلك الأخشاب المقتطعة من غابات أفريقيا.
فضلاً عن أخشاب أفريقيا وألماسها، تقاضى بوت مقابل بضائع الموت الهيرويين من أميركا الجنوبية، ومن المفارقة أن يقبض عليه في تايلاند بعد اجتماع مع عملاء من المخابرات الأميركية ادعوا أنّهم عناصر من القوات الثورية الكولومبية (فارك)، كما عرف عنه في أفريقيا الغربية ما سمي بالمزيج البني وهو خليط من الكوكايين والبارود الذي يتاجر به.
وكما قلت لكم إن أكثر من كتاب صدر عن سيرته القاتلة ومنها "تاجر الموت" للصحافيين الأميركيين دوغلاس فرح وستيفن براون، وكتاب روسي من تأليف ألكسندر غلسيوك، الذي يؤكد فيه أنه رجل أعمال روسي وطني ونزيه.
أتوقع الآن أن يقوم صناع هوليوود بإنتاج فيلم ثان عنه وإنتاج فيلم آخر يستلهم قصة لاعبة السلة المفرج عنها بريتني غرينر، والتي أوقفت في روسيا بسبب حيازتها الماريجوانا وحكم عليها بالسجن لتسعة أعوام قضت منها عدّة أشهر، وهي معروفة جداً في بلادها بدفاعها عن مجتمع السود ومجتمع الميم.