هل ينبغي للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية (ناسا) العودة إلى القمر، أو التوجه مباشرة نحو المريخ؟ هل ستُبقي المناخ ضمن أولوياتها؟ هذه عينة من الأسئلة التي تفرض نفسها بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وتعيينه الرجل الأثرَى في العالم إيلون ماسك، وهو أيضاً الرئيس التنفيذي لشركة سبايس إكس، على رأس وزارة الكفاءة الحكومية. وفقاً لرئيس شركة "تقنيات الفضاء التجاري" Commercial Space Technologies جورج نيلد، فإننا على موعد "مع رحلة جامحة... علينا شد الأحزمة وتوقع الأفضل".
افتتان دونالد ترامب بالفضاء ليس جديداً. في ولايته الأولى، أنشأ "قوة الفضاء" Space Force، وأعاد إحياء المجلس الوطني للفضاء National Space Council برئاسة نائب الرئيس. وأبرز ما قام به هو إطلاق مهمة أرتميس Artemis التي ترمي إلى عودة الأميركيين إلى القمر، لتكون خطوة أساسية قبل التوجه نحو المريخ. ولكن حتى حينها، كان ترامب مشككاً بشأن ضرورة عودة الأميركيين إلى القمر. وخلال حملته الانتخابية هذا العام، أعلن: "نريد الوصول إلى المريخ قبل نهاية ولايتي"، وهو هدف طموح لطالما دافع عنه ماسك.
في هذا السياق، قال نيلد، وهو مسؤول سابق كبير في إدارة الطيران الفيدرالية، لوكالة فرانس برس: "هناك فرصة جيدة في أن نشهد، على الأقل، إعادة النظر في برنامج أرتميس، سواء كان ذلك يعني تسريعه أو حتى تخطي العودة إلى القمر للتركيز على المريخ". هذه الخطوة ستزلزل البرنامج الذي يتوقع أن تصل تكلفته إلى أكثر من 90 مليار دولار. سيخوض أربعة رواد فضاء مغامرة حول القمر ضمن برنامج أرتميس 2، وهي أول مهمة مأهولة في مسار "ناسا" لإنشاء وجود طويل الأمد على القمر من أجل العلم والاستكشاف. ستختبر الرحلة المقررة في سبتمبر/أيلول 2025، والتي ستستغرق عشرة أيام، قدرات "ناسا" الأساسية لاستكشاف الفضاء العميق، وصاروخ إس إل إس، ومركبة أوريون الفضائية، لأول مرة مع رواد الفضاء. ولم تهبط مركبة أميركية على سطح القمر منذ انتهاء برنامج أبولو عام 1972. في الوقت نفسه، تضع بكين أنظارها على القطب الجنوبي للقمر - نفس هدف "أرتميس" - ومن غير المرجح أن يسمح ترامب للصين برفع علمها هناك من دون تحدّيها.
مصالح ماسك الخاصة؟
مسألة الصاروخ الذي سيشغل هذه البعثات ضرورية لتوقّع ما سيحدث. واجهت منظومة الإطلاق الفضائية المعتمدة حديثاً من "ناسا" انتقادات حادة، خاصة من ماسك، لكونها باهظة الثمن بسبب عدم القدرة على إعادة استخدامها. وعلى النقيض من ذلك، فإن النموذج الأولي لمركبة ستارشيب من "سبايس إكس"، المملوكة لماسك، مصممة لتكون قابلة لإعادة الاستخدام بالكامل. أشاد ترامب بمركبة ستارشيب خلال خطاب فوزه في الانتخابات، مسلطاً الضوء على هذا الإنجاز الذي حققته "سبايس إكس". هل يمكن إذاً أن تحلّ "ستارشيب" محل نظام الإطلاق الفضائي؟ يعتقد الكثيرون في قطاع الفضاء أن على ذلك أن يحصل.
لكن نفوذ ماسك المتزايد يثير المخاوف. فبعد أن ضخ عشرات الملايين من الدولارات في حملة ترامب، أصبح الآن على استعداد لرئاسة هيئة مكلفة بتقليص البيروقراطية وتحسين "كفاءة الحكومة"، بما في ذلك في الوكالات التي تشرف على "سبايس إكس". يخشى المنتقدون أن يستخدم ماسك منصبه للتلاعب باللوائح البيئية - وهي نقطة خلاف طويلة الأمد لإطلاق شركته مركبة ستارشيب - أو التأثير على منح عقود "ناسا" والبنتاغون.
تتمتع شركة سبايس إكس بالفعل بصفقات مربحة لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء الدولية، وإطلاق أقمار صناعية دفاعية، وتوفير الإنترنت عبر شبكة أقمار ستارلينك. وقال ترامب إن مهمة ماسك هي "تقديم المشورة والتوجيه من خارج الحكومة"، وهي العبارة التي تجدها أستاذة القانون في جامعة واشنطن في سانت لويس، كاثلين كلارك، "مثيرة للقلق". وأوضحت أن اختيار هذه الصياغة يرمي إلى طمس الخطوط الفاصلة بين ما يعتبر داخل الحكومة وما يعتبر خارجها، "وبالتالي تجنب تطبيق قواعد تضارب المصالح". يذكر أن الشركات الست التي يشرف عليها ماسك متشابكة بعمق مع الوكالات الفيدرالية، فهي تجني مليارات الدولارات من عقود إطلاق الصواريخ وبناء الأقمار الصناعية وتوفير خدمات الاتصالات الفضائية. وهذه الشركات تواجه ما لا يقل عن عشرين تحقيقاً. والتقارب بين ماسك والرئيس الجديد، المشرف على هذه الوكالات، يعني أن شركات الأول ستواجه تدقيقاً أقل من الحكومة الفيدرالية.
رئيس جديد لـ"ناسا"
قد توصي لجنة ماسك أيضاً بتقليص شبكة "ناسا" المكونة من عشرة مراكز على مستوى البلاد، وهي فكرة دائمة غالباً ما يحبطها أعضاء مجلس الشيوخ الحريصون على حماية الوظائف المحلية. ورأى نيلد أن هذه "ربما تكون فكرة جيدة"، على الرغم من أنها قد تثير مقاومة شرسة. وإذا كان الفضاء محايداً سياسياً لفترة طويلة، فإن مشاركة إيلون ماسك قد تثير احتجاجات من الديمقراطيين. إذ رفع الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، من شأن قضية تغير المناخ باعتبارها أولوية لدى "ناسا" بشكل غير مسبوق. لكن في فترة ولاية ترامب الأولى، خفضت "ناسا" برامج مثل نظام مراقبة الكربون (CMS) والقمر الصناعي للعوالق والهباء الجوي والسحابة ونظام المحيط البيئي (PACE) - وكلاهما أعيد إحياؤه لاحقاً - وقللت من أهمية تغير المناخ في استراتيجيتها. سيظهر توجه ترامب جلياً مع اختياره مدير "ناسا"، وقد كان اختياره الأول، جيم بريدنستين، من الموالين للكونغرس.