لا تزال قضية صرف موظفين عاملين في القسم العربي من "دويتشه فيله"، المؤسسة الإعلامية الدولية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، تتفاعل. إذ ينتظر عدد من الموظفين انتهاء التحقيق معهم لمعرفة مصيرهم. ومن المتوقع أن ينضمّ عدد إضافي من العاملين إلى قائمة المصروفين التي تضمّ حتى الساعة باسل العريضي، ومرهف محمود، ومرام سالم، وفرح مرقه، وزاهي علاوي، وياسر أبو معيلق. كما فضت التعاقد مع داود إبراهيم، وهو مدرّب في أكاديميتها الخاصة.
وبينما تتكتّم الإدارة عن مجرى التحقيق وترفض الكشف عن أسماء العاملين المتهمين بـ"معاداة السامية"، يتواصل التحريض على الموظفين في القسم العربي سواء في الإعلام الألماني، أو من قبل المنظمات الداعمة للاحتلال في ألمانيا. وقد انضم أخيراً إلى الجوقة عدد من النواب في البوندستاغ الذين رأوا أن إجراءات الفصل غير كافية.
نهاية الأسبوع الماضي، صدر أكثر من موقف وبيان من النواب الألمان عن الموضوع. وكانت لجنة الثقافة والإعلام قد عقدت اجتماعاً غير علني مع مدير "دويتشه فيله" بيتر ليمبورغ قبل أيام تخللتها مواقف مختلفة. فالنائب عن حزب الخضر إرهارد غروندل على سبيل المثال رأى أن فصل 8 عاملين في القسم العربي "غير كاف، إذ هناك أجواء أتاحت تطور هذا الفكر"، وتوقّع أن ينجح ليمبورغ في تنفيذ خطة العمل التي سبق أن أعلن عنها قبل أسبوعَين، لتوظيف أشخاص جدد وتدريب العاملين على "نبذ الفكر المعادي للسامية".
وفي انتظار اتضاح الصورة النهائية لهذه التحقيقات ينتظر العاملون المصروفون تبلور الصورة الكاملة لمعرفة الإمكانيات المتاحة أمامهم لرفع دعوى صرف تعسفي ضد الشبكة الألمانية. في هذا الإطار التقت "العربي الجديد" الصحافية الفلسطينيّة مرام سالم، التي كانت أول من تبلّغ قرار فصلها في السابع من فبراير/شباط الحالي. تقول الصحافية الشابة إنه "حتى هذه اللحظة لم يتم التواصل معي عن أسباب الفصل، واكتفوا في القرار بكتابة "تم فصلك لسبب مهم"، ما هو هذا السبب؟ لا أعلم. ولكني أؤمن أن دويتشه فيله وجدت نفسها في أزمة حقيقية بسبب التهم التي وجهت ضدها من الصحف الألمانية، ولهذا قررت أن تتصرف سريعاً قبيل مثول مديرها بيتر ليمبورغ أمام البوندستاغ الألماني. وكل هذا من دون مراعاة خطوات التحقيق الصحيحة والمناسبة، ومن دون مراعاة المعايير الصحافية والحقوقية والإنسانية حتى".
وترى سالم أن ما قامت به "دويتشه فيله" خطير "إذ تفتح المجال لترهيب العاملين في المجال الصحافي في ألمانيا، وتضييق الخناق حول أي انتقاد قد يتم توجيهه لإسرائيل، فقد كان كافياً أن أكتب (حرية التعبير وهم)، حتى يتم اقتباس جملتي في الصحافة الألمانية، ويبدأ التحقيق معي في معاداة السامية، وهو أمر مشين. ولنقل إنه تم فصلي لأسباب أخرى، وأنا لا أعلم حتى الآن ما هي، إلا أن تحويل صحافي للتحقيق بسبب انتقاد حرية التعبير في أوروبا انتهاك صارخ لجميع المواثيق المتعلقة بحرية التعبير". وتضيف "دويتشه فيله سمحت للجنة التحقيق بمراقبة حسابات صحافيين يعملون لديها، وبدء التحقيق معهم، وهذا اختراق واضح للحريات الصحافية، ويذكرني بأسلوب الدول القمعية، ويفرض الرقابة الذاتية على الصحافيين.
وكذلك سمحت لهم بتوجيه أسئلة لنا لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية، كونها ركزت على هوياتنا العربية وعلى ما تعنيه هذه الهوية فيما يتعلق بمواقفنا من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".
وتذهب الصحافية أبعد من ذلك مشيرة إلى أجواء من الخوف التي تسيطر على الزملاء العاملين في القسم العربي "تواصل معي زملاء للاطمئنان عليّ بعد فصلي، ثم طلبوا مني ألا أذكر أنهم اتصلوا بي. حتى أنّ بعضهم طلب مني حذف الرسائل بيننا، وهذا يعني أن هناك نوعاً من الخوف المنتشر في أروقة مؤسسة إعلامية يفترض أن تحترم حرية التعبير".
أما النقطة الأهم التي تشير لها سالم، فمرتبطة بتغطية الإعلام الألماني الذي كان على تواصل مباشر مع لجنة التحقيق، وينشر مجموعة من التسريبات من داخل أورقة "دويتشه فيله" من دون الاستماع إلى رأي الموظفين المفصولين "كان أداء الصحافة في ألمانيا مشيناً، فقد رفض أن يعرض وجهة نظرنا مما حدث، ورفض التواصل معنا. وكلنا نعرف أن عرض وجهة نظر طرف واحد يضرب عرض الحائط بالمعايير الصحافية. بل سمح الإعلام الألماني للجنة التحقيق أن تخرج وتوجه لنا أصابع الاتهام، وتسخر من احتجاجنا على ما حدث والذي يثبت أن اللجنة لم تكن حيادية أو مهنية في عملها، ولم تكن مؤهلة أيضاً".