لم يفاجأ المشاهدون بقرار تريفور نواه مغادرة The Daily Show، الذي قدمه لمدة سبع سنوات على قناة كوميدي سنترال، كخلف لجون ستيوارت. فبعضهم وجد تعيينه مجرد محاولة لمواكبة موجة الصوابية السياسية التي تجتاح العالم، وبعضهم الآخر كان عنصرياً تجاهها، في حين أن أكثر الآراء كانت، ببساطة، لا تستمتع بحضوره، إذ وصف بثقل الظل وعدم القدرة على الإضحاك.
أخبر نواه العالم بأنه سيغادر البرنامج قريباً في إحدى فقرات البرنامج، معلناً أنه يرغب بالعودة إلى "الطريق"، ومخاطبة الجمهور الحي عبر عروض الستاند آب. وبعد أسبوعين من ذلك الإعلان، بثت منصة نتفليكس عرضه الكوميدي الجديد المصور في كندا، الذي يحمل عنوان I Wish You Would. العرض بطول ساعة بالضبط، ولا يذكر فيه تريفور نواه أي شيء في ما يخص مغادرته The Daily Show، الحدث الأهم الذي يمكن لنواه أن يجذب انتباهنا عبره، لكنه تفاداه، ليقدم لنا عرضاً وصفه بعضهم بـ"سهل النسيان"، كونه لم يقدم ما هو جديد.
يبدأ I Wish You Would كما كل عروض نواه، بالإشارة إلى لونه وعرقه وحياته في جنوب أفريقيا، ويسخر من موت ملكة إنكلترا، ومن الإنكليز الذي يريدون من العالم التعاطف معهم. ويحيل هنا إلى مفهوم الشماتة، والكلمة الألمانية Schadenfreude، مقدماً فقرة لا يمكن القول إلا إنها مقتبسة بشكل حرفي من سكتش قدمه جايمس سبايدر في مسلسل Boston Legal قبل عدة سنوات. لكن نواه يُحيل إلى شماتة بعضهم من موت الملكة، التي عاشت حياتها بأكملها ولم تواجه أي مرض أو مأساة، ضارباً بعدها أمثلة متعددة عن الشماتة.
لا يخلو I Wish You Would من نكات حول وباء كوفيد-19، لكن هذه المرة أثره على أفريقيا التي أثبتت قدرتها على التعامل مع الجائحة، بسبب ما شهدته من أوبئة خلال تاريخها. لكن نواه يستفيد من قدرته على تقليد الأصوات، ليقدم لنا بداية نكات عن الرؤساء الأميركيين، وغرابة صوت كل واحد منهم، وكأن الأسلوب الوحيد لرئاسة الولايات المتحدة يتمثل بامتلاك صوت غريب.
يستمر بعدها نواه في تقليد اللهجات المتعددة، ليشير إلى أشكال العنصرية المتعددة، ويشير إلى رئيس وزراء كندا جاستن ترودو ورحلته إلى الهند التي استفاد منها بتقمص دور مواطن هندي، ما جعله محط سخرية، ليتابع بعدها مقلداً اللهجة الهندية ضمن موقف حصل معه في أحد المطاعم الاسكتلنديّة، لتحضر أطياف الكوميدي الهندي-الكندي راسل بيترز، الذي يستفيد من هذا الأمر بصورة دائمة، لكن بطريقة أكثر احترافية، وأقل صوابيةً، في حين أن نواه يشير فقط إلى العنصرية بأشكالها الساذجة، والتي يجد بعضهم أنفسهم ضحيتها.
يقدم نواه نفسه كسفير نوايا حسنة لمناهضة العنصرية. يراهن دوماً على المفارقات، ويمنح نفسه صك إطلاق النكات، فهو عاش الأبارتايد في جنوب أفريقيا، ما يمنحه حصانة من نوع ما، وإن لم نضحك على نكاته، فنحن عنصريون أو لا نقدر معاناة الآخرين، لكنه حذر، لا يقدم نفسه بصورة الضحيّة، بل يحافظ على امتيازاته، ليشير إلى المفارقات التي يشهدها في حياته اليومية في ما يخص الموضوع.
لم ينل العرض استحسان أحد، بل يمكن أن تمضي ساعة مشاهدته من دون أن نذكر منها شيئاً، كون نواه لا يقول ما هو جديد، بعكس ما كان يقدمه في البرنامج الشهير. يمكن تفسير ذلك بأن نواه الآن يكتب مواده وحده، من دون مساعدة فريق من المعدين والكتاب الذين ينحتون النكات بشكل يومي، ويتابعون ما هو جديد. هذا الاختلاف وتكرار الذات يكشف لنا عن حقيقة موهبة نواه، وغضب الكثيرين من تقديمه للبرنامج، فجون ستيوارت حيوي أكثر، وما يقدمه حالياً يكشف عن وعي سياسي وكوميدي لا يستهان به، بعكس نواه الذي يبدو وكأنه يؤدي نصوص الآخرين.
وحتى نصوص الآخرين باتت في الآونة الأخيرة مستهلكة، إذ يكرّر معظمهم نكات حول كوفيد-19، إلى جانب تناولهم الدائم لمواضيع الصوابية السياسية والسخرية منها ومما يُسمّى بـ"كوميديا اليقظة".