"فنانون يصنعون الكتب: من الشعر إلى السياسة" (Artists making books: poetry to politics) هو عنوان المعرض الذي يستضيفه المتحف البريطاني في لندن حتى 17 من سبتمبر/ أيلول المقبل. تُنظم هذه الفعالية بالتعاون مع مؤسسة البخاري (مقرها إندونيسيا). يضم المعرض مجموعة من الأعمال المرسومة على هيئة كتاب، أو مطوية كما لو أنها صفحات، لفنانين اتخذوا من الكتابة وسيطاً إبداعياً موازياً للرسم.
تمثل الكتابة في أعمال هؤلاء الفنانين عنصراً بصرياً للتشكيل، وهو توجه شائع في الممارسات البصرية، عُرف باسم كتاب الفنان، وظهر لأول مرة في باريس أوائل القرن العشرين، ووجد صدى واسعاً لدى العديد من الرسامين في جميع أنحاء العالم. الأعمال التي يتم إبداعها تحت مُسمى كتاب الفنان، هي عبارة عن إصدار واحد فقط لكتاب أو مطبوعة، وهي ممارسة تقدم للفنانين والشعراء معاً شكلاً جديداً من أشكال التعبير.
تسلط الأعمال التي قدمها فنانون من مختلف الجنسيات في هذا المعرض الضوء على العلاقة بين الفنانين والشعراء والكتاب والتأثيرات المتبادلة بينهم، والمؤثرات الدافعة لإبداعاتهم. تغطي الكتابات الواردة في هذه الأعمال طيفاً متنوعاً من النصوص، تراوح بين الشعر والنثر والأساطير، وهي جميعها من مقتنيات المتحف البريطاني في لندن.
جانب لا بأس به من هذه الأعمال المشاركة في المعرض يعود إلى فنانين عرب، بينهم على سبيل المثال الفنان اللبناني عبد القادري (1984). يعرض الأخير عمله تحت عنوان "قبر أبي"، وهو أشبه بسيرة ذاتية للفنان. رسم القادري هذا العمل خلال الشهر الأول من فترة الإغلاق بسبب وباء كوفيد-19، وهو ينطلق فيه من وحي صورة قديمة بالأبيض والأسود لعائلته التقطت في بيروت خلال ثلاثينيات القرن الماضي. تحتوي رسوم الكتاب على كلمات مفككة لنص عربي نستطيع أن نقرأ خلاله هذه العبارة: "في يوم من الأيام سأزور قبر والدي.. سيكون ذلك كما كان في الماضي عندما كان على قيد الحياة.. لن نتبادل كلمة واحدة".
الفنان العراقي ضياء العزاوي (1939) واحد من الفنانين المعروفين بعمله على هذا الوسيط، وله العشرات من هذه الأعمال التي يُطلق عليها الدفاتر. واحد من أهم الأعمال التي قدمها العزاوي في هذه السلسلة المعروفة بالدفاتر خصصه لقصائد الشاعر السوري أدونيس، لمناسبة ذكرى ميلاده الستين، ويعود العمل إلى عام 1990. كل صفحة من هذا الكتاب تحوي رسوماً مستوحاة من قصيدة مختلفة لأدونيس، كتبها العزاوي بخط يده، وتلفتنا عبارة "هذا هو اسمي"، وهو اسم قصيدة ومجموعة شعرية لأدونيس.
الفنان السوري فادي يازجي (1966) استلهم عمله المعروض من قصائد الشاعر اللبناني تامر ملاط الذي كان قاضياً أيضاً، ومعروفاً بمواقفه ضد الفساد. النصوص الشعرية هنا مكتوبة بالخط الديواني والأحبار البنية، أما الرسوم فهي تمثل ثنائيات من الأشخاص يتخذون أوضاعاً مختلفة.
الفنان اللبناني شفيق عبود (1926 - 2004) هو أحد رواد هذه الممارسات البصرية في المنطقة العربية، ويُعرض عمله تحت عنوان "الفأرة" وهو عمل يعود إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. الرسوم هنا مستوحاة من حكاية شعبية فرنسية عن زوجين لا يستطيعان الإنجاب. في هذه الحكاية تتوسل الزوجة بالسماء أن ترزقها الأطفال حتى لو كانوا فئراناً، فتستجيب السماء لدعاء الزوجة، وتنجب آلاف الفئران.
يضم المعرض كذلك أحد أعمال الفنانة اللبنانية البارزة إيتل عدنان (1925 - 2021)، وهو عمل مستلهم من قصة أنتيجون، بطلة المأساة اليونانية التي كتبها سوفوكليس في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد. المعالجة البصرية التي قدمتها عدنان لهذه القصة تحمل إسقاطات على الحرب الأهلية اللبنانية.
الفنان الجزائري رشيد قريشي (1947) يسلط في عمله الضوء على تجربته الفنية التي تستلهم مفرداتها من التاريخ والموروث الجزائريين. تعد الكتابة جانباً مهماً في تجربة قريشي، فهو يمزج في أعماله بين الخط العربي والعلامات والرموز المستوحاة من الثقافة الجزائرية. يوظف قريشي هذا المزيج في العديد من الوسائط المختلفة، من الرسم على الخزف إلى المنسوجات والتركيبات الفنية والكتب. يشارك قريشي في هذا المعرض بعملين مختلفين، يسلط فيهما الضوء على حدثين رئيسيين في تاريخ الجزائر الحديث. العمل الأول استلهم الفنان نصوصه من كتابات الشاعر والروائي الجزائري محمد ديب، وخاصة تلك الكتابات المتعلقة بحرب الاستقلال الجزائرية. أما العمل الآخر فهو مؤلف من سبعة مجلدات تُذكّر باغتيال سبعة رهبان على يد الجماعات المسلحة عام 1996 خلال العشرية السوداء. يحمل كل مجلد من هذه المجلدات اسم واحد من هؤلاء الرهبان.
بين أبرز الأعمال المعروضة أيضاً، يأتي عمل الفنان السوداني محمد عمر خليل (1936) وهو مستلهم من رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح.
مثّل الشعر إلهاماً للعديد من الفنانين التشكيليين حول العالم، وكان للشعر العربي نصيب في هذه الممارسات، إذ سنجد بين هذه الأعمال المعروضة رسوماً مستلهمة من شعراء كثيرين، مثل جلال الدين الرومي ومحمود درويش وأدونيس. بين هذه الأعمال ثمة، لوحات أنتجت مباشرة بالتنسيق بين الطرفين: الشاعر والفنان، كتجربة الفنان اللبناني شفيق عبود مع الشاعر السوري أدونيس، وكذلك تجربة الفنانة العراقية همت محمد علي التي تعاونت في عملها مع أدونيس أيضاً. وثمة تعاون آخر بين الفنان العراقي الراحل رافع الناصري (1940 - 2013) والشاعر الفلسطيني محمود درويش.
إلى جانب الشعراء المعاصرين، هناك مجموعة أخرى من الفنانين اعتمدت في رسومها على قصائد لشعراء تراثيين مثل الفنان العراقي عمار داوود (1957) الذي استلهم عمله من كتابات الحلاج. أما الفنان المغربي فريد بلكاهية (1934 - 2014) فيمزج في عمله المعروض بين رسومه ونصوص الشاعرة التشيكية المعاصرة ناتاشا بافيل، وهي نصوص مترجمة إلى العربية.
يضم المعرض أعمالاً أخرى للفنانين علي شيري من لبنان وزيد الشوا من الأردن ونضال الشامخ ونجا مهداوي من تونس وصادق قريشي من العراق وكمال بُلّاطه من فلسطين، إضافة إلى فنانين آخرين من الهند وتركيا وإيران وباكستان والولايات المتحدة وفرنسا وبريطاني