نعى تونسيون الناقة "فتحية" التي ظلت تسقي رواد مقهى "الصفصاف" التاريخي لما يزيد عن ثلاثة عقود. وأُعلن عن نفوقها رسمياً من قبل العائلة المالكة للمقهى.
وشارك ناشطون على نطاق واسع، أمس الأحد، خبر نفوق الناقة التي شكّلت جزءاً من المشهد العام لمدينة المرسى التونسية.
و"فتحية" ناقة بيضاء كانت القلب النابض لمقهى "الصفصاف" التاريخي الواقع في مدينة المرسى في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، إذ كانت تتولى تحريك "الناعورة" لإخراج الماء من بئر المقهى الذي خُصّص منذ عقود طويلة لسقي رواد المكان والعابرين من المدينة.
وعبّر تونسيون التقوا "فتحية" سابقاً عن أسفهم لنفوقها، لاسيما وأنها كانت تخرج يومياً لفسحة في مدينة المرسى وتشارك متساكنيها وزوارها كل المناسبات العامة والحفلات التي تقام في المدينة، كما كانت من محبي ومشجعي فريق كرة القدم "المستقبل الرياضي بالمرسى"، حيث كانت توشح بعلم الفريق في كل مباراة.
وهي تمثل الجيل الخامس للنوق التي تداولت على تشغيل المحرك التقليدي لبئر مقهى "الصفصاف"، كما ورثت هذا الاسم من سابقاتها في ذات المهمة.
وقال مالك المقهى الشهير، سليم البحري، إن "مقهى الصفصاف ملك عائلي يعود لعائلة البحري منذ ما يزيد عن 200 عام، إذ اقتناه جده من البايات الحسينيين وجلب ناقة من الجنوب التونسي أطلق عليها اسم فتحية كُلّفت بتدوير الناعورة لإخراج الماء من بئر يرتوي منها سكان المدينة وزوارها قبل أن تتحول في وقت لاحق إلى معلم سياحي وطني وقبلة للسياح ومشاهير العالم".
وأفاد البحري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن بالناقة عاشت في المقهى أكثر من 32 عاماً، وأحبها الناس لطبعها الهادئ وقربها من زوار المقهى الذين كانوا يلتقطون معها يومياً الصور التذكارية.
وأضاف: "فتحية كانت مدربة على تدوير المحرك التقليدي للبئر أو ما يسمى بالناعورة، وكانت أيضاً تشارك أهالي المرسى أفراحهم واحتفالاتهم ومباريات كرة القدم حتى تحولت إلى رمز من رموز المدينة، وهو ما يفسر حالة الحزن التي سادت بإعلان رحيلها".
وأكد المتحدث أن فتحية رحلت بهدوء، إذ رفضت يوم نفوقها الخروج من غرفتها وكأنها كانت تشعر بقرب المنية، مشيراً إلى أن "الطبيب البيطري الذي عاينها قبل أن تنفق أكد أنها بصحة جيدة ولا تشكو من أي مرض".
و"رحلت فتحية بسبب الشيخوخة بعد 32 عاماً من العطاء السخي، وسنحتاج إلى بذل جهد من أجل تعويضها بناقة جديدة بذات الطباع والهدوء كما ستحمل خليفتها أيضاً اسم فتحية"، قال مالك المقهى.
وحول مراسم دفن "فتحية"، أفاد سليم البحري بأن بلدية المرسى كرّمت الناقة بتخصيص قطعة أرض في الضاحية الشمالية للعاصمة، حيث تولى أعوان البلدية دفنها بمشاركة أفراد من العائلة من أجيال مختلفة تخليداً لذكراها واعترافاً بدورها في إشعاع مقهى "الصفصاف" .
وتُعتبر مدينة المرسى، المكنّاة بـ"أم القلوب" والمتواجدة في موقع استراتيجي في الضاحية الشمالية لمدينة تونس موقعاً ثرياً بالمعالم الحضارية الدالة على تعدد الحقبات التاريخية التي مرّت بها، إضافةً إلى التنوع التراثي المادي واللامادي.
ويمثّل مقهى "الصفصاف" أبرز معالم المدينة، ويعود تاريخ إحداثه إلى سنة 1860 على يد الأب المؤسّس محمد البحري، وهو بالأساس قاضٍ مالكي في عهد البايات.
وكان المقهى في البداية مقصداً لراحة وتلاقي قوافل التجار والمسافرين والرُّحّل الذين تجمعهم مياه البئر وأشجار الصفصاف وظلالها الوارفة، ومن هنا اقترنت تسمية المقهى بالصفصاف.
وعُرفت باختيارها كوجهة لجلسات صفاء كبار رجالات الدولة والأعلام والمشاهير في مختلف المجالات كالفنّ والأدب والإعلام، طلباً للرّاحة وقضاء أوقات ممتعة في المسامرة.
وعلى الرغم من تجديد المقهى خلال 1968 على يد المهندس فيكتور فالونزي، فقد حافظت على نمطها المعماري التونسي الأصيل ومكوّناتها الرئيسية كالبئر والصفصاف والناعورة، وعلى تخصّصها في تقديم أطباق الأكل التقليدي.