أشهر قليلة كانت كافية ليرمي إيلون ماسك كل الجهود التي وضعتها إدارة موقع تويتر السابقة، للحد من خطاب الكراهية أو لنقل السيطرة عليه، رغم الانتقادات الكثيرة التي قيلت ويمكن أن تقال حتى الآن عن هذه المحاولات. فمنذ شراء ماسك للمنصة، وإزاحة كبار المسؤولين، تحوّل الموقع إلى مساحة للتحريض والعنصرية، وبؤرة لنشر الأخبار الكاذبة، والمعلومات المضللة، ونظريات المؤامرة، وهو ما يبدو مفهوماً بعد طرد أغلب الموظفين من قسم مراقبة المحتوى. يحصل كل ذلك تحت شعار "الحرية المطلقة" الذي يرفعه ماسك بشكل متكرر.
27 ألف عائد
في الأسابيع الأخيرة، وبحسب وكالة فرانس برس، أعاد تويتر أكثر من 27 ألف حساب، سبق إقفالها في وقت سابق (قبل شراء ماسك للشركة) بسبب التحريض على العنف أو نشر أخبار كاذبة. ما الذي تنشره هذه الحسابات؟ ناشطون أميركيون وأوروبيون من اليمين المتطرف، ومحرضون على المسلمين، ومروجون لنظريات المؤامرة في الانتخابات الأميركية، وأصحاب المعلومات المضللة عن فيروس كورونا، وفق ما كشف مسح تحليلي لمنظمة ميديا ماترز الأميركية، والمتخصصة برصد أداء وسائل الإعلام ومواقع التواصل. ولعل أبرز العائدين إلى "تويتر" هو الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي سبق أن حظر بشكل دائم.
وبعيداً عن العموميات، نغوص في بعض الأسماء التي يفترض أنها تشكّل خطراً على السلامة العامة، لكنها رغم ذلك وتحت شعار "حرية التعبير المطلقة" وجدت لنفسها مساحة مجددا على "تويتر": باميلا غيلر وهي ناشطة أميركية، خصصت في السابق حسابها لمهاجمة المسلمين والتحريض عليهم، وميندي روبنسون وهي أميركية مؤيدة لحركة QAnon التي تروج لعشرات نظريات المؤامرة، وقد أطلت في تغريدتها الأولى بعد عودتها إلى "تويتر" بصورة وهي تحمل مسدساً.
أما نجم العائدين فهو الملاكم السابق الأميركي ــ البريطاني أندرو تيت. عودة تيت الذي اشتهر بتصريحاته المعادية للنساء والمحرّضة عليهن دفعت مدارس حول العالم إلى توعية تلاميذها المراهقين من المحتوى السام الذي يقدّمه، وفق ما ذكرت صحيفة ذا غارديان البريطانية، خصوصاً أن أثر الملاكم بدا واضحاً وفق ما تقول الصحيفة، على كلام التلاميذ وتعاملهم مع زميلاتهم الفتيات في مدارس بريطانية عدة.
وكان تيت وبعد هجوم وتنمّر على ناشطة المناخ غريتا ثونبرغ في "تويتر"، ألقي القبض عليه في رومانيا بتهمة الاتجار بالبشر والاغتصاب. ورغم ذلك لا يزال حسابه موجوداً على منصة التغريد.
من أيضاً عاد إلى "تويتر"؟ الأميركي مايك ليندل أحد أبرز مروجي نظريات المؤامرة في الولايات المتحدة والعالم، وقد سبق أن دعا خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى "إذابة آلات التصويت الإلكترونية وتحويلها إلى قضبان سجن".
سياسة تويتر الجديدة
في حديثه مع "فرانس برس" يرى جاك بروستر من وكالة نيوز غارد للرقابة الإعلامية أنه تحت إدارة إيلون ماسك "يتم تشجيع نشرالمعلومات المضللة، فالقارئ لا يعلم إن كان الخبر الذي يراه حقيقيا أم كاذباً، وبالتالي تنتشر هذه الأخبار سريعاً".
ورغم أن الرقم المتداول للحسابات التي سمح لها بالعودة هو 27 ألفا، بحسب الباحث في "ميديا ماترز" ترافيس براون، فإن هذا الأخير يقول إن العدد على الأرجح أعلى بكثير. والسبب هو أن الشركة نفسها قالت في بيان في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي إن الإجراء الذي كان معتمداً في وقت سابق بتعليق الحسابات المخالفة نهائياً غير مناسب "لقد بدأنا أخيراً بإعادة الحسابات التي تم تعليقها بسبب انتهاك سياسات الموقع ونخطط للتوسع إلى المزيد من الحسابات أسبوعيًا على مدار 30 يوماً". وفي سعي لتطمين المعلنين والمستخدمين، أضاف البيان "تويتر سيبقى ملتزماً تماماً بمنع المحتوى الضار والأشخاص المسيئين".
حادث دمار هاملين
ولكن في اختبار لهذا الالتزام، شهدت المنصة أخيراً انفجارًا في التغريدات المعادية للقاحات، بعد إصابة لاعب اتحاد كرة القدم الأميركي دمار هاملين بسكتة قلبية أثناء إحدى المباريات. فظهرت التغريدات التي تشير إلى أنه "مات فجأة Died Suddenly" - وهو عنوان فيلم مضاد للقاحات أنتج عام 2022 - على المنصة، وفقًا لمركز مكافحة الكراهية الرقمية (CCDH). وقال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إن بعض أولئك الذين روّجوا للعبارة هم من الحسابات التي كانت محظورة سابقاً، وأعيد فتحها.
أحداث البرازيل
في الأسابيع التي سبقت الهجمات العنيفة التي وقعت يوم الأحد في البرازيل، حين اقتحم مئات من مناصري الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، مقرات السلطات الرئيسية في العاصمة برازيليا، غرقت وسائل التواصل الاجتماعي في البلاد بدعوات لمهاجمة محطات الوقود والمصافي والبنية التحتية الأخرى، فضلاً عن دعوة الناس "للاحتجاج العنيف".
قال باحثون في البرازيل، وفق ما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إنه من المهم مراقبة ومراجعة ما نشر على موقع تويتر "لأنه يستخدم بكثافة من قبل دائرة من المؤثرين اليمينيين، حلفاء بولسونارو الذين يواصلون الترويج لروايات تزوير الانتخابات". كما أن عدداً كبيراً من المؤثرين اليمينيين تركوا البرازيل ويعيشون في الولايات المتحدة، حيث تمكنوا من استعادة حساباتهم التي كانت محظورة.
هذه الانتعاشة في خطاب الكراهية في البرازيل تبدو مفهومة بعدما قام ماسك بطرد كل موظفي الشركة في البرازيل باستثناء عدد قليل من مندوبي المبيعات، كما قال شخص مطلع على عمليات الفصل لـ"واشنطن بوست" طالباً عدم الكشف عن هويته. وقال المصدر إنه من بين الذين تم طردهم، ثمانية موظفين كانت مهمتهم الرئيسية إدارة المحتوى في البلاد والحد من المشاركات التي تستخدم التحريض على العنف أو والتضليل، "أما اليوم فليس هناك أي فرد يعمل على رصد المحتوى المخالف في البرازيل على المنصة".