منذ عام 2002، واحتفاءً بـ"اليوم العالمي للإعلام"، عملت وزارة الثقافة والشباب والرياضة على إطلاق مفاجأة "الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة"، وهي جائزةً سنوية تكريماً للقطاع الإعلامي المغربي في صنوفٍ شتّى من الأجناس الصحافية كالتلفزة والإذاعة والصحافة المكتوبة والإلكترونيّة والوكالة والإنتاج الصحافي الأمازيغي والحسّاني وجائزة الصورة والكاريكاتير، هذا فضلاً عن الجائزة التقديرية السنويّة التي تمنحها لشخصية إعلاميّة أثّرت في مسار الصحافة وقدّمت محتوى مُغايراً في مشروعها الإعلامي.
غير أنّ هذه الجائزة "المهمّة" كما يراها صحافيّو السُلطة، لم تستطع التأثير في الصحافة المغربيّة، لأنّ الطريقة التي تمّت بها، على مستوى الشروط والكيفية التي تمنح بها، جعلت انطلاقتها مُتصدّعة وهشّة ومُنهارة في أساسها، وغير قادرةٍ على خلق الحدث، خاصّة أنّها تمرّ من دون أنْ تُحرّك ساكناً داخل الجسم الصحافي المغربي، رغم هالةٍ إعلاميّةٍ كاذبةٍ مُدجّجة بخطاب السُلطة وتنانينها، تظلّ تُرافقها داخل الإعلام المرئي الرسميّ لأسابيع طويلةٍ، بحيث إنّ الجهة المسؤولة عن منح هذه الجائزة لا تُعيّن لجان تحكيمها، إلاّ من داخل دواليب الإعلام السُلطوي والحزبي، ما يجعل أشخاصاً كثراً منها، لا أحد يعرفهم ولا سمع بهم ولا قرأ لهم مقالة واحدة في قضايا الاجتماع المغربي.
وبالتالي، فإنّ الطريقة التي تتوسّلها الوزارة لمنح هذه الجائزة لأكثر المؤسّسات تواطؤاً معها، يجعلها تخسر فكرة "الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة" في المغرب الإعلامي، أمام وجوهٍ جديدةٍ غيّرت سياسات الصحافة المغربيّة وجعلتها في قلب التحوّلات العالمية، رغم غلبة التقنية والتغطيات الصحافية والمقالات الوصفية وانخفاض منسوب الجدل والتحليل والنقد، وهي أمورٌ منهجيّة يجب أنْ يتسلّح بها الصحافيّ ولا يتنازل عنها للقيام بعمله.
ففي السنوات الماضية ازدادت الجائزة هشاشة، بعد حملة نقدية شنّها مُدوّنون وصحافيّون أحرار عن أسباب تغييبهم وحرمانهم من المُشاركة في الجائزة، على خلفية الدور البارز الذي تلعبه هذه الأقلام المُستقلّة في تحرير مُخيّلة الفرد المغربي وفتح وجدانه على مصادر معلوماتية جديدةٍ وأكثر مهنية، بعيداً عن الإعلام الرسميّ وما يدور في فلكه من فذلكة وشرنقة وتنميطٍ. إذ لم تعمل الوزارة ولا "المجلس الوطني للصحافة" على ضرورة الإنصات وتفعيل هذه المطالب المشروعة بغية خلق بعضٍ من التنوّع والغنى و"المنافسة" للفوز بهذه الجائزة الوطنية.
وإذا كان الجهة المُنظّمة تدّعي الحياد والموضوعية في وضع اللجان العلمية والأسماء الفائزة والشخصيات المُكرّمة، لماذا لا تُقدم ببساطةٍ، على تغيير كيفيات الترشيح وتجديد النّظر في سوسيولوجيا الجائزة والطريقة الرسميّة التي يتم بها تكريس صورتها، لا كجائزة تُمنح لـ "سلطة رابعة" مُضادّة، وإنّما أضحت وسيلة من وسائل تثمين السُلطة في المغرب؟ والأكثر من ذلك، لم تحصل الأقلام الجادّة على هذه الجائزة الوطنية، لأنّ شروط الترشيح تُقصيهم مُباشرة، آنذاك يُصبح إعلام الدولة مُتوّجاً ويحصد ببساطةٍ كل الأجناس الصحافيّة، وهذا خرق واضح للشفافية والموضوعية اللتين تتشدّق بهما الجهة المُنظّمة.
ولعل خروج بعض المُدوّنين المَغاربة هذه الأيام، لحظة الإعلان عن انطلاق دورتها الجديدة، يُؤكّد الإشكاليّة الأزلية لهذه الجائزة وشروطها الإقصائية والتعسّفية المُتعمّدة، تمهيداً لولادة إعلامٍ جديدٍ تبدأ مُخطّطاته من قبة مجلس النواب وتنتهي داخل الصحف التقليدية والإعلام المرئي الرسميّ.
وعلى الرغم من أهوالٍ وتعسّفاتٍ وانتكاساتٍ واعتقالاتٍ ألمّت بالجسم الصحافي المغربي الآونة الأخيرة، إلا أن أعيان هذه الجائزة لم يفكروا في تغيير شرط ضرورة أنْ يكون المُرشّح حاصلاً على "بطاقة الصحافة" وأنْ يكون عاملاً في المؤسّسات الإعلاميّة الوطنية. لكنْ ماذا عن المراسلين والمُدوّنين الصحافيين المُستقلّين الذين ظلّوا منذ تفجّر شبح كورونا قريبين بموادّهم من الناس، ينقلون قصصهم وحكاياتهم للقارئ الأجنبي؟ أليس جديراً الترحيب بهم وإشراكهم في جائزة "وطنية" بما يضمن حقّهم المدني والمهني؟
ونظراً إلى التغييب الذي يطاول في كل سنةٍ بعض الصحافيين المغاربة، بدا كأنّ الجائزة في عيون الناس مجرّد منحةٍ تدفعها الوزارة لأشخاص من الإعلام الرسميّ، تثميناً لمجهوداتهم على ما قدّموه لها من تغطياتٍ وتطبيل، من دون أيّ مجهودٍ يُذكر.
كل هذا في الوقت الذي يقبع فيه صحافيّون مَغاربة في السجون أو حتّى الذين رحلوا بعدما أدركوا هول المُستنقع الذي حفرته السُلطة في جسد الإعلام المغربي بمختلف أشكاله وألوانه، إذ أضحى الدعم هو الغاية الكبرى لإقامة صحف وفتح مؤسّساتٍ إعلاميّة تتسابق في تقديم ولاءٍ مُزيّف للسُلطة ومؤسّسات والناس تموت من قسوة البرد والمطر وأمام أعين الإعلام الرسمي، من دون أنْ يستطيع أيّ منبرٍ إعلامي تعرية واقع الاجتماع المغربي وما يختزنه من تناقضاتٍ وأهوالٍ وتصدّعات.