تعرض "جائزة حيفا للعمارة والتصميم" الأفكار المعمارية التي تسعى إلى تطوير القرى والمدن والأحياء الفلسطينية، لتعزيز الحضور المعماري الفلسطيني في العالمين العربي والأجنبي، والنهوض بأبحاث التخرج المعمارية الأصلية أو المفاهيم التي تستجيب للتحديات المحلية، وتحفيز المهندسين المعماريين على الابتكار.
و"جائزة حيفا للعمارة والتصميم" جزء من برنامج جوائز دولية أسّسته جمعية "إيدار القدس"، وهي مؤسسة غير ربحية في فلسطين، عام 2020. وتهدف إلى تعزيز دور العمارة وتلبية احتياجات ومستقبل المجتمعات والمدن الفلسطينية. وتنطلق بالإعلان عن جائزتين: "جائزة التخرج"، وهي برنامج سنوي دولي يحتفي بطلاب التعليم العالي وحديثي التخرج الذين تلبي مشاريع تخرجهم النهائية احتياجات المجتمعات وتطلعاتها في مدن فلسطين وقراها، و"جائزة فينيكس" التي تهدف إلى تسليط الضوء على التصميم المبتكر، لإعادة بناء ميناء بيروت من تحت الرماد، بعد الانفجار الذي عصف به في 4 أغسطس/ آب الماضي.
بدأ التسجيل للمشاركة في المسابقتين في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ويمتد الموعد النهائي لتقديم الطلبات إلى 10 إبريل/ نيسان عام 2021، على أن تُعلَن النتائج في مايو/ أيار من العام نفسه. يعتمد تقييم الفائزين على معايير محددة، وتعتبر قرارات لجنة التحكيم نهائية، ولا تخضع لأي إعادة نظر من الرعاة أو الشركاء في المسابقة. وتبقى حقوق المؤلف الفكرية والتصميمية مضمونة، وفقاً لمواد الـ"يونسكو" من 29 إلى 32.
"جائزة فينيكس" تهدف إلى تسليط الضوء على التصميم المبتكر، لإعادة بناء ميناء بيروت من تحت الرماد، بعد الانفجار الذي عصف به في 4 أغسطس/ آب الماضي
وتتمثّل مهمة المشاركين في "جائزة فينيكس" بتفسير أهداف المسابقة بطرق إبداعية جديدة، يعيدون من خلالها بناء العلاقات الحالية بين مختلف التكتونيات المكانية والفاعلين في المجتمع اللبناني. والهدف النهائي خلق تصميم لميناء بيروت ينضح بالأصالة والابتكار.
يرى أعضاء من لجنة تحكيم "جائزة حيفا للعمارة والتصميم" أن هذه الجوائز فرصة نادرة لخريجي الهندسة المعمارية والمهندسين المعماريين المحترفين. وتقول الأستاذة والمعمارية والباحثة نجلاء العلاني، لـ"العربي الجديد"، إنّ جائزة حيفا للعمارة والتصميم "من الجوائز القليلة التي تهدف إلى تثمين مشاريع تخرج الطلبة من ناحية، واحتضان أفكار المعماريين المهنيين من ناحية أخرى.
وترى عميدة كلية العمارة في "معهد برات" في نيويورك، هارييت هاريس، أن "أهمية هذا الحدث تكمن في توفير عدالة مشاركة الفلسطينيين في تشكيل وبناء البيئة في المنطقة"، وما تعنيه هذه المشاركة لمجتمع يتعرض للتهميش وتواجه ثقافته الاضطهاد وخطر الزوال. وتضيف هاريس أن "هذه الجائزة تعيد فلسطين إلى الوعي العالمي، في ظلّ وجود تحديات أخرى تشغل العالم اليوم، مثل وباء (كوفيد 19) والرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والقلق حول العدالة الإجتماعية وأزمة المناخ".
وتشير في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن معايير تقييم الطلاب قد تتأثر بالقيم التي ترمز إليها، وتؤكد ضرورة تعليمهم "أن الهندسة المعمارية ليست محايدة على الدوام، بل تحتاج أحياناً أن تكون سياسية، لأنّها يمكن أن تؤدي دوراً فعالاً في حماية وتطوير ودعم المجتمعات وثقافاتها؛ البناء الإمبراطوري لروما القديمة هو هندسة معمارية سياسية تمثل القوة وتعكس النهج السياسي لهذه المجتمعات".
الهندسة المعمارية ليست محايدة على الدوام، بل تحتاج أحياناً أن تكون سياسية، لأنّها يمكن أن تؤدي دوراً فعالاً في حماية وتطوير ودعم المجتمعات وثقافاتها
ويلفت الأستاذ في "جامعة بيرزيت" في الضفة الغربية المحتلة سالم ذوابه، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هذه الجائزة تمنح الفرصة للطلاب والمهنيين العرب والفلسطينيين للالتقاء وتبادل خبراتهم في مجال العمارة والتراث الثقافي. ويقول إنها تهدف إلى حشد الجهود المتفرقة في توثيق الأعمال الميدانية أو العمارة والتراث الثقافي للقرى الفلسطينية المهجرة داخل فلسطين التاريخية. كذلك يؤكد أن تسليط الضوء على القرى الفلسطينية التي أخليت وهدمت هو أحد العناصر الهامة لهذه الجائزة.
يضيف ذوابه: "إنها فرصة ذهبية للطلاب والمدربين في مجال الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني، لتوجيه تمارينهم نحو وطنهم متغير المشهد الحضري. وعبر القيام بذلك، ستكون الأبحاث والمشاريع متاحة للأجيال المقبلة، لإضافة فصول خاصة بهم في الجهود الوثائقية للحفاظ على التاريخ من المحو".
أمّا كريستوس باساس، وهو أستاذ فخري ومعماري، فيقول إنّ "جائزة حيفا للعمارة والتصميم" تتعامل مع عنصرين، أولهما تقييم لجنة التحكيم لمجموعة من المقترحات لإعادة إعمار ميناء بيروت وترميمه. ويضيف: "من الواضح أن مركزية الموقع بالنسبة إلى مدينة بيروت أمر مهم وأساسي. لذلك، نأمل أن نتمكن من إيجاد أفكار تساعدنا على التقدم وتخطي هذه المأساة. المسألة لا تقتصر على التعامل مع الذكريات المؤلمة، بل حثّ الجميع، وخاصة أولئك الموجودين في مراكز القوة في لبنان، على التفكير في هذه القضية على نطاق أوسع، باعتبارها فرصة للتطور في المستقبل".
ويتطرّق المهندس المعماري عبد بدران، في حديثه عن الجائزة، إلى المشروع الإسرائيلي الذي اعتاد تصنيف وكتابة الجسم المعرفي للعمارة والمدينة الفلسطينيتين، وزيّف ماضيها ومسخ حاضرها وكتب مسيرة مستقبلها.
ويقول: "للأسف هناك من لا يزال ينظر إلى هذا الجسم المعرفي بالزخم والممارسة النشطة من المنظور الإسرائيلي نفسه. (جائزة حيفا للعمارة والتصميم) جاءت كمبادرة من معماريين وأكاديميين فلسطينيين، مع شركاء من كل العالم العربي والغربي، لصناعة قراءة مستقلة للجسم المعرفي أولاً، ولبناء حضور معماري فلسطيني على مستوى العالم العربي وعلى مستوى العالم، بعيداً عن وكلاء الاستعمار بكل أشكاله ثانياً".
المشروع الإسرائيلي اعتاد تصنيف وكتابة الجسم المعرفي للعمارة والمدينة الفلسطينيتين، وزيّف ماضيها ومسخ حاضرها وكتب مسيرة مستقبلها
ولتحقيق أهداف الجائزة، هناك جملة من المعايير، أهمها المهارة العالية في الابتكار والإبداع، وصياغة المفاهيم المتصلة بالمشروع. كذلك تأخذ الجائزة بالاعتبار جودة الفضاء المعماري المقترح واستجابته لشروط التنمية المستدامة. وفي البداية، جاءت فكرتها من مجموعة طلاب وباحثين جامعيين من "كلية العمارة الويلزية"، في "جامعة كارديف" في المملكة المتحدة، وكانت تعرف باسم "إيدار" (التصميم متعدد التخصصات، والهندسة المعمارية، والبحث).