لا يحتاج "جنين جنين" (2002)، للفلسطيني محمد بكري (1953)، إلى حكم قضائي، جديد أو قديم، كي يستعيد حضوره في اليوميّ، فلسطينياً وعربياً. 19 عاماً تمرّ على إنتاجه، وعلى محاكمة أولى، وعلى تمكّنه من بلوغ عددٍ من المُشاهدين في عروضٍ مختلفة في صالات إسرائيلية، قبل الانقلاب عليه، وملاحقته إلى اليوم بتهمّةٍ تُثير ضحكاً مريراً لشدّة وقاحتها: جريمة "تشهير" بالضابط الإسرائيلي نسيم مجنجاي، أحد المشرفين على مجزرة المخيّم (إبريل/ نيسان 2002).
يكتفي محمد بكري بتوثيق الجريمة، فور تمكّنه من دخول المخيّم. شهادات أهل المخيّم تعكس هول المجزرة. الصُور الملتقطة غداة الجريمة تؤكّد، من دون كلامٍ، ما تعكسه الشهادات. تقارير لاحقة تُكمِل الموثَّق. رغم هذا، يرفض الجيش الإسرائيلي "تشهير" الفيلم بضابطٍ من ضبّاطه. كأنْ لا أكاذيب ولا افتراءات ولا دجل ولا تزوير ولا تغييب لحقائق ووقائع فلسطينية تمارسها إسرائيل منذ احتلالها فلسطين عام 1948. كأنْ لا مجازر ولا انتهاكات ولا تعدّيات ولا سرقات ولا اغتيالات تجعلها إسرائيل ثقافة يومية لها، في مواجهتها تاريخاً وجغرافيا، وفي مقارعتها أناساً يعرفون التاريخ ويتمسّكون بالجغرافيا، فالتاريخ والجغرافيا لهم أيضاً.
"جنين جنين" يريد أنْ يكون شهادة بصرية عن لحظةٍ راهنة، فيُمنَع انتشاره، ويُطارَد مخرجه، لفرض تعتيمٍ إضافي على المجزرة، مع أنّ المجزرة ماثلةٌ في أذهان كثيرين، ومحرّضة، كغيرها من الجرائم الإسرائيلية، على عدم النسيان. ورغم بساطته السينمائية، يحافظ "جنين جنين" على أهميته البصرية كوثيقةٍ تؤرّخ مجزرة، وتنقل عن ناجين منها وجعاً وقلقاً وخراباً ووقائع، وتعكس أملاً لهم بمواجهات دائمة مع محتلٍّ، قاتل ومزوّر وناهبٍ. فالفيلم يخلو من فذلكاتٍ وتصنّع، ويطمح إلى توثيقٍ بصري، فالصورة تحصِّن واقعة وحدثاً وحكاية من كلّ غياب.
إنْ يجهد إسرائيليون كثيرون في إخفاء جرائمهم، يصعب عليهم، في الوفت نفسه، ورغم كلّ تقنياتهم، تحوير وقائع فلسطينية راسخة في الوجدان والذاكرة، وفي وثائق وحقائق تظهر تباعاً، وتؤكّد المؤكّد، بخصوص أفعالٍ جُرمية متنوّعة لإسرائيل.