حسين حداد: الصورة غياب مؤقت ومكانٌ أستطيع العيش فيه إلى الأبد

25 سبتمبر 2024
يحاول أن يجد في تركيا حيزاً فوتوغرافياً يشبهه (من الفنان)
+ الخط -

حسين حداد مصور فوتوغرافيّ ومصمم غرافيك من مواليد حماة 1981. بعد دراسته الاقتصاد في جامعة حلب، انتقل إلى دمشق وتفرغ للتصوير الضوئي. منذ عام 2005، عمل على مشاريع عديدة توثق الحياة اليومية في دمشق. كانت ذروة هذا الخليط التوثيقي الجمالي مشروع "دمشق الجسد"، انتهى منه في بداية عام 2011 وكان قد أطلقه على موقع إلكتروني مع مساحة كتابيّة ليترك المتفرج تعليقاً أو نصاً أو خاطرة عن صورة من المشروع. لم يُكتب له أن يتوسع في "دمشق الجسد" عبر تحويل المحافظات السورية الأخرى إلى "أجساد" موصولة بعضها ببعض عبر عدسته.
في عام 2015، وكحال آلاف السوريين، انتقل حسين حداد إلى تركيا وعمل على توثيق جزء من التغريبة السوريّة، لكن من دون تصوير الإنسان، إذ كان أمام حزن السوريين ويأسهم يرى نفسه منعكساً في مآسيهم، لذلك عبر مشروعه "قطط لاجئة"، تابع حداد مجموعة من القطط التي نزحت مع أسرها، ولاحظ تقلبات مزاجها وتغير طباعها إثر اللجوء.
لا يزال حسين حداد يتابع عمله مصوّرَ شارع، ولكنه خسر إمكانية الحركة في الحيز الفوتوغرافي الذي يحب. التقت "العربي الجديد" حداد في لقاء يتحدث فيه عن مشاريعه الفوتوغرافية وتجربته الفنية.

في البداية، لنأخذ مسافةً من التصوير الفوتوغرافي. حدثنا عن تفاصيل البيئة الاجتماعية والثقافية التي تكوّنت فيها؟ وكيف أثرت تلك البيئة على خياراتك الشخصية ودراستك، وأعمالك الفنية لاحقاً؟
تشكّلت في طفولتي العديد من الأسئلة عن طبيعة ما يدور حولي، كنت ألاحظ أن المجتمع يهربُ من شيءٍ ما. ثمةَ حدثٌ رهيب لا أحد يتكلّم عنه، أحسستُ بأثره بين تراكيب جُمل غير متسقة، يعكس حال العائلات. نقاشاتٌ ضبابية، تلميحاتٌ مبهمة، جُملٌ غير مفهومة استقرت في ذاكرتي.
عندما تعلمت الكلام، لم أكن أجيد صياغة الأسئلة المباشرة، كنت أخاف من أعين الناس وأشتم روائح الدم وأرى جثثاً مكومة في أعين جميع من تحدثت إليهم. كانت الدماء أوضح من الأجوبة نفسها. نتحدث هنا عن عبء جدي يعيق فهمي للحياة. كانت خطواتي في أروقة مرابع الصبا بعد فهمي الحقائق، ثقيلةً ومُتعَبة. محاولاتٌ يوميّة يائسة لنسيان ما لا يمكنك نسيانه، هذا حال من شهدوا مجزرة مدينة حماة عام 1982.
كان أبي من بين الآلاف الذين أخفاهم نظام الأسد الأب في زنازينه، أو من بين الآلاف الذين أعدمهم في الشوارع، لا أدري حتى اليوم في أي فئة كان أبي. لم نستلم جثمانه ولا نعلم مكانه حتى. بالنسبة لي، شكل وجود بقايا من مكتبته في سقيفة بيتنا وبعض كتاباته ملاذاً جميلاً للتحدث معه. كانت المكتبة دليلاً مرئياً يشعرني بالطمأنينة، وتحاكي مقام أبي الذي سيزورنا يوماً ما. لاحقاً، درستُ الاقتصاد في جامعة حلب، أحببت علم الإحصاء وحل معضلات المعادلات الرياضية، لكنني كنت دائماً أميل إلى التصوير الفوتوغرافي والمهام التي تعتمد على الخيال والصورة.

كيف ومتى حدث لقاؤك الأول مع الصورة الفوتوغرافية؟ كيف أثر هذا اللقاء على أعمالك؟
حدث اللقاء مع صورة أبي، ذلك حين بدأت بالسؤال عنه: "أين يعيش؟". كانت صورته تمثل مرجعاً لما يمكن أن يكونه. لاحقاً، كانت صوره في مقام زيارة المقبرة أو التربة. بعد سنوات طويلة من الانتظار البارد، تلاشى الأمل في أن يكون حياً، أصبحت الصورة هي أبي نفسه. كان هو الذي لا وجود له سوى في الصور.
أدركت مبكّراً أن الكاميرا يمكنها استحضار الزمنِ المنصرم. وللصورة قدرةٌ لا مثيل لها في التماهي مع الخيال وسرد آثاره. حتى الآن، أرى الصورة مدركاً أنها غياب مؤقت، وعتمة، أو غياب النور في أحسن الأحوال، هذا ما جعلني منتبهاً إلى أهمية الصورة وتأثيرها المباشر والفعلي في خلق تداعٍ للزمن. هكذا الصورة بالنسبة لي، مكانٌ أستطيعُ العيش فيه إلى الأبد.

هل هناك صورة شعرتَ بأن الرُعب فيها لامُتناهٍ ولا يحتمل، حياتك قبلها ليست كحياتك بعدها؟
صور حافظ وبشار الأسد مريعة. هي مثالٌ على غياب القانون والعدالة. صورهما هي مجازٌ للموت في بلادنا، يستخدمها السوري لإخافة السوري الآخر. توجد صورهم في سياقات انعدام الأمان. وهذا حال ما وصلت سورية إليه اليوم. لستُ هنا بصدد عقد مقارناتٍ بائسة بين جرائم قوى أمر الواقع في سورية. أتحدث تحديداً عن دور العائلة الحاكمة في احتكار الدولة وتعميم سياسة الخوف بين الناس. أعتقد أن العمل على تغيير أثر الصور الذهنية أفضل ما يمكن فعله، عدم فعل ذلك يعني الاستمرار في إنتاج خيالٍ اجتماعيّ نشط يستهدف حياة الناس بمحاكماتٍ عقلية بدائية. على سبيل المثال: ما الذي تعنيه لك صورة سيارة بيجو ستيشن في سورية؟

أنجزت مشروعاً فوتوغرافياً اسمه "دمشق الجسد"، بدأت فيه نهاية عام 2009. كيف ترى المشروع اليوم؟ وما السياق السياسي له في ذاك الزمن؟
الجسد هو ما يشغل الحاضر، يكبر مع المدينة وهي تكبر، يحفر ظله في كل شارع ومقهى وبيت. يشكل ذاكرتنا لأيام ستصبح الآتي والآن معاً. مشيت طويلاً لأبحث عن الجسد وما زلت ظلاً طازجاً في شوارع هذه المدينة. أحاول خلق قيمة تبادلية استناداً إلى عالم مشترك لا غربة فيه. كنت أبحث عن روح دمشق محاولاً تجسيدها في تفاصيل صغيرة عبرت عنها من خلال 365 صورة، تمثل كل صورة ذاكرة حسية لليوم. هذه دمشق كما أراها، بدأت المشروع في الأول من يناير/كانون الثاني 2010، حتى الـ31 من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010.
ليس سهلاً أن تكون مصور شارع في سورية، فلا يمكنك أن تكون متحيزاً أو حيادياً مع الواقع. مشروع "دمشق الجسد" كان بالنسبة لي مغامرة شخصية، فسحة لتبادل الآراء عن الحياة، اعتدتُ أن أصفه بالذاكرة الحسيّة آنذاك، وهو كذلك بالفعل. من الناحية العملية، كان التوصيف محاولة لتجنب زيارات الأفرع الأمنية دوريّاً، فلنقل إنه تقليلٌ للزيارات غير المرغوبة من الجهتين.
في الصيغة العامة، كان المشروع فنياً، توثيقياً، تجريبياً، نشرتُ صوره عبر موقع إلكتروني خاص به راغباً بخلق مشاع إبداعي، مع تخصيص مساحة لمن يريد أن يكتب من وحي الصورة نصاً أدبياً أو صحافياً أو خاطرة، ولتمكين الصورة كمادة فنيّة ومرجع ثقافي مشترك متصل مع المجتمع بمختلف شرائحه.
الصورة وسيطٌ مرن يُيسر التواصل بين الناس. كنتُ أريد أن أتعرف إلى البلد وفهم ما يدور حولي. في بعض الأحيان، كنت أريد التحقق من صحة افتراضاتٍ مسبقة (صور نمطية)، من نحن وما الذي يشكل هويتنا؟ هل تمكن صياغة مفاهيم محددة تقودنا إلى الانكشاف عن حالنا؟ ما هي الانطباعات التي يحملها ساكنو دمشق عن مدينتهم؟ هل لاختلاف قراءة صورة معينة دلالات ثقافية لا ترتبط بالتفاعل مع المكان؟ هل هناك ظواهر متكررة عن المعاش وما تأثير الثقافة المحلية به؟
دمشق كانت البداية. كنت أنوي الذهاب إلى الأطراف، إلى القرى والمدن البعيدة، فسورية ليست فقط المدن الكبيرة. ما الذي يجمع بين مزارع في جسر الشغور (تتبع محافظة إدلب، شمال غرب) مع آخر في الموحسن (تتبع دير الزور، شرق) مثلاً؟ لحركة الثقافة المستقلة والجمعيات الأهلية المستقلة دور ثقافي مُهم في بناء التعاطف والتقارب بين المجتمعات. كنت أحاول الالتفاف على القول السياسي الصريح، والاستمرار بالمشروع من دون صدام مباشر. لم أنشر جميع الصور الملتقطة كي لا أصطدم مع الأفرع الأمنية. كما تعرف، في سورية وجود كلمة مشروع شخصي مع تفاعل اجتماعي معاً في جملة واحدة يهدد أمن الدولة، فضلاً عن عدم إعطاء تراخيص لمؤسسات أهلية غير مرتبطة بمنظمات أسماء الأسد.
المشروع اليوم، كما البارحة، لم يتغير فيه شيء. فقط عندما تستطيع المجتمعات إنتاج صورتها، عندها نقول: انتصرنا. مدى تكرار مشاهدة صورنا الخاصة يعظم أثرها النفعي والوظيفي، هي تحرير سند مُلكية وتعبيرٌ عن امتلاكنا الواقع وتفسيره.

في مارس/آذار عام 2011، انطلقت الثورة السوريّة. تنقّلت حينها بين العديد من المحافظات الثائرة لتلتقط الصور. حدّثنا عن هذه التجربة وكيف تنظر إليها اليوم. وكيف وازنت ما بين الحالة التوثيقية والحالة الجمالية؟
مع انطلاق الثورات، بدأ عهد المواطن الصحافي أو المصور. نوع جديد من الصورة التسجيليّة، تسعى إلى أن تكون دليلاً، وتتجه نحو إمحاء أثر صورة الأخ الكبير وهيمنته على إنتاج الأنماط الاجتماعية. نتحدث هنا عن فعل مقاوم يسعى الناس من خلاله إلى استعادة صورهم الذاتية.
قبل شهر مارس عام 2011، كنت من ضمن المجموعات المشاركة في الاعتصامات عند السفارة الليبيّة والسفارة المصريّة، وبعدها اعتصامات في سوقِ الصالحية وتظاهرات سوق الحميدية وغيرها. كانت معظم أسمائنا معروفة لدى أجهزة الأمن والاستخبارات، تلك الأيام صعبة للغاية، ومحاكمتي للواقع حينها كانت صعبة ومعقدة، مع كل ذلك، كان خياري واضحاً، أردت أن أكون هناك.
لحظة انطلاق الثورة ماتت أدبيات الصورة الفوتوغرافية في سياقها الجماليّ، فهي مقيّدة مثلها مثل باقي الفنون التعبيريّة. حتى اعتصام الصالحية، وقبل اعتقالنا بقليل، تخلصنا من أرشيف الصور للاحتياطات الأمنية، بعد ذلك، أصبح الموضوع أكثر خطراً لانشغالنا بالحراكِ الثوريّ، ولأسبابٍ أمنيّة، توقفت عن التصوير الفوتوغرافي، لا يخفى على أحد مدى خطورة استخدام الكاميرا في الشوارع السوريّة. شخصياً، حاولت التصوير مجدّداً، لكن مشاهد العنف والدمار وأحوال الناس الصعبة أكبر من أن أنظر إليها في عين الكاميرا.

مشروعك "القطط اللاجئة" الذي بدأت بالعمل عليه في عام 2015. كيف بدأ وأين انتهى؟
في المقياس الطبيعي، حجم القطة أصغر من الإنسان، في الحرب، يعادل حجمها الإنسان، كلاهما أصغر من الطبيعي، لا يراهما الناس في السياق اليومي للحياة إذا لم يقتربوا منهما جيداً.
كنتُ مهتماً وأنا في سورية برصد تفاعل الناس مع القطط في حياتنا اليومية، فهي جزءٌ لا يتجزّأ من صور الحياة التي تتحرك في المدينة، مع توسع حركة النزوح خارج البلد، قابلت العديد من العائلات التي لم تتخلّ عن مسؤولياتها العاطفية تجاه قططها المتبناة، ونزحوا معاً إلى تركيا.
بالنسبة لحياة القطط داخل المنزل، غالباً ما تكون المساحة التي تتشاركها مع الإنسان بمثابة وطنٍ صغير، بوابته باب المنزل وإطلالته النوافذ. بعد تجربة طويلة مع المنفى، رأيتُ أن وطن قططنا في منازل إقامتنا الحالية ينفينا عندما نكون خارجه، من هنا جاء اسم المشروع: "خارج المنزل تركيا، داخل المنزل سورية".
زرت في تركيا منازل كثيرة لعائلاتٍ سوريّة، نادراً ما وجدت منزلاً يخلو من قطط تملأ المكان بحيويتها، يجلبُ لها المكان الدفء وتتشارك مع السوريين حياتهم الخاصة، والقطط نفسها مهاجرة/لاجئة أيضاً، رحلت مع أصحابها خارج البلد أو التحقت بهم هرباً من العنف.
التعريف العام بالمشروع كان حول تأثير البيئات الجديدة وكثرة التنقلات بين البلدان على سلوك هذه القطط اللاجئة، ذلك عبر قصص فوتوغرافيّة يسردها أصحاب القطط، هذه الكائنات وردّات فعلها والتغيُرات التي حصلت في شخصياتها. المشروع يتحدث عن وحدة الحال بيننا في مواجهة الغربة، محاولة لفهم سلوك الحيوانات في مناطق الحرب والنزاع، كانت تلك الزيارات تحمل قصصاً غنية تفاعلت معها بنفس المقدار الذي تفاعلت معه عندما كنت في دمشق. دعم المشروع المركز الثقافي البريطاني، وعرض في مركز الفن بلندن، إضافةً إلى الدعم اللوجستي على الإنترنت.

بعد الشتات السوري أنت مقيم اليوم في تركيا. كيف أثّر هذا الانتقال على عملك ورؤيتك؟
مع بداية الثورة، كنت في أواخر العشرينيات. في هذا العمر، تساعدنا الخبرات والتجارب الطويلة على اتخاذ قرارات ناضجة وواضحة في مسائل الحياة. ندع ما يجلب السعادة ويعيننا على مشاغلنا يمر في حياتنا، ونتجنب ما هو عكس ذلك. في المنفى، تصبح هذه المعادلة أقل حضوراً، فضلاً عن تفكك شبكاتنا الاجتماعية، ومدى قدرتنا على بنائها في أماكننا الحالية.

تلقائياً، خسرت إمكانية الحركة في الحيز الفوتوغرافي الذي أحب. كوني مصمم غرافيك ومشتغلاً بالاتصالات البصرية، كنت محظوظاً في متابعة عملي هنا وهناك، هذا عادة لا يمكنك ضمانه في الغربة.

عطفاً على السؤال السابق، في المنزل السوري قبل الحرب التي لم تبقِ شجراً أو حجراً أو بشراً، كان لألبوم الصور الفوتوغرافية العائلي هالة من القدسية. تتجمع الأسرة حول الأكبر سناً ليريهم كل صورة على حدة ويروي قصتها. وفي الغالب تروى قصة الذين ليسوا بينهم اليوم، أي قصة الغياب. هذه الأسرة السوريَّة تشظت في بقاع الأرض. كيف يمكننا اليوم أن نقارب ألبوم صور الأسرة الفوتوغرافية مع الشتات السوري؟
قبل ظهور كاميرات الديجيتال، كان للصورة وسيط مادي ملموس يسمى النيغاتيف، أي ضوء يعكس الواقع ويثبته على جلاتين باستخدام مواد كيميائية. هذا هو بالضبط زمن فعلي مطبوع كيميائياً على مادة ما، لنقل الورق في صيغته النهائية. من هنا يمكننا القول إن مفهوم الغياب كان مرتبطاً بالمكان ارتباطاً فيزيائياً، وهذا ما لا يحصل حالياً. بإمكاننا الآن أن نأخذ "سكرين شوت" لمحادثة فيديو عائلية بالرغم من وجودنا في مكانين مختلفين. هذه مأساة حقيقية لأننا لسنا موجودين معاً، لا في المكان ولا في الزمان، أي نحن نتفاعل مع نسخة الصورة، وليس الأصل المادي الملموس. وبالتالي، زمن إحساسك بالصورة التي تشاهدها أو تتفاعل معها هو تفاعل من طرف واحد، وهو شأن ذاتي صرف، كأن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو تقرأ كتاباً، فتكون عاطفياً في مكانٍ يشبه البرزخ، إذا صح التعبير.

ما هي آخر مشاريعك؟ وقبل أن تبدأ بمشروعٍ ما، على أي أساس تضع المعايير التقنية للمشروع، اللقطة وقياسها، الضوء والألوان، التركيب والهندسة؟
كوني مصوّر شارع، لا أضع معايير قبل بدء أي مشروع، أتجول في الأمكنة وأتأمل، غالباً ما تكون هناك قصة نضجت بما فيه الكفاية لتكون صورة، مع التجريب والتكرار، أستطيع الإجابة عن معنى أن تكون هناك حكاية حتى لو وضعت معايير سابقة لفكرة ما، فإنها حتماً ستمر بذات الصيغة التي ذكرتها.
عملياً، عندما تكون في سوق الحميدية مثلاً، لا يمر الزمن وتراتبية أحداثه وعلاقاته السببية بانتظام كما يحدث في الفيلم. نتحدث هنا عن طريقة رؤيتك الواقع وكيف تراه وربما ما الذي تريد أن تراه؟ يرتبط زمن الصورة الفوتوغرافية بالإدراك الحسي للمصوّر، وهذا الزمن لا يشكل ديمومة مع زمننا بصفتنا مشاهدين، لذلك نجد أن في الصور الفنيّة غالباً ما تفقد أي صورة تخلو من دافعها العاطفي بريقها. فعند التأمل في تفاصيل المدن بما فيها من مواضيع كثيرة ومتباينة، نجد لكل حدثٍ في الفضاء العام مساراً حركيّاً مختلفاً، يكرر ذاته ويتفاعل بدوره مع أحداث حركية أخرى، لا يشترط وجود تلك الأحداث بذات الفضاء، بالضرورة، علاقة سببية، وهذا سبب تميّز صور الفوتوغرافيين عن بعضهم عند تغطيتهم الحدث نفسه.
أجد نفسي في الأمكنة التي يستطيع هذا الحراك ترك أثر فيه، لأن الصورة تنتقل إلى مستوى فوق جمالي، إلى صورة ذات هوية قادرة على إنتاج انطباعات. أجد متعة في التفاعل مع كل هذه الوفرة في النشاط، هذا ما يحدد زاوية عدستي، وحجم اللقطة وقياسها، اتجاه وكمية الضوء اللازمة وجميع التقنيات التي ذكرتها. بالنسبة إلى المشاريع، أعمل حالياً على إعادة ترتيب أرشيف دمشق في كتابٍ مصورّ، صور غير معروضة عن الحياة قبل الثورة، ربما يكون الكتاب عن مقدمات الحرب.

المساهمون