بعد طول إغلاق، أعيد أخيراً افتتاح حصن بابليون جزئياً أمام الزائرين، بعد انتهاء المرحلة الأولى من ترميمه. يُعدّ الحصن الذي يطلق عليه حالياً مجمع الأديان من أعظم القلاع التي شيدتها الإمبراطورية الرومانية في القاهرة، والأثر الأهم الباقي من تلك الحقبة.
يشهد هذا الشهر مرور 1381 سنة على فتح عمرو بن العاص للحصن، إذ قام الجيش العربي بحصار الحصن لمدة سبعة أشهر، إلى أن تحقق له النصر ودخل الحصن في 16 إبريل/ نيسان من عام 641 ميلادية. وبدخول العرب للحصن، سقط آخر معاقل الدولة البيزنطيَّة في مصر. وفي مواجهة حصن بابليون الذي تبلغ مساحته قرابة نصف كيلومتر مربع، شيّد عمرو بن العاص مدينة الفسطاط، ومن ثم كانت القاهرة.
اسم حصن بابليون وتاريخه
تتعدد الروايات حول بناء الحصن؛ فبعضها يقول إنه يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وبعضها يرجع بها إلى القرن الـ 19 قبل الميلاد، في زمن الملك سنوسرت الثالث، وإن هذا الملك هزم البابليين وأخذ منهم أسرى في معركة عظيمة، لكن هؤلاء الأسرى تمردوا وقاموا ببناء هذا الحصن للدفاع عن أنفسهم. وتقول رواية أخرى إنه شُيِّد في زمن الفرس، وإن نبوخذ نصر هو الذي جدده. بينما يذكر المؤرخ القبطي يوحنا النقيوسي، أن الإمبراطور الروماني تراجان، هو من بنى الحصن سنة 100 ميلادية، بعد أن ثار اليهود في الإسكندرية، فأرسل إليهم تراجان جيشاً عظيماً، ثم جاء بنفسه إلى مصر وبنى فيها الحصن.
ويذكر المقريزي أن حصن بابليون كان مطلاً على النيل وتصل السفن إلى بابه الغربي الذي كان يسمى باب الحديد، ولكن ماء النيل انحسر بعد الفتح الإسلامي بأعوام، فلم يعد الماء يصل إلى باب الحصن. وكانت على أسواره عدة مراسٍ للسفن، وقد كشفت الحفريات الأثرية عن العديد منها.
يشتهر الحصن أيضاً باسم قصر الشمع من دون معرفة دقيقة لسبب هذه التسمية. أما عن الاسم المعروف (بابليون)، فيقول المؤرخ رؤوف حبيب إن بابليون كلمة آشورية الأصل وتعني دار السلام، وإن مصر كانت معروفة لأهل الغرب أيام الحروب الصليبية باسم بابليون، وأن ذلك مدون في الوثائق القبطية القديمة.
ففي وثيقة قبطية، تعود لسنة 1210 ميلادية، عبارة يلقب فيها صلاح الدين الأيوبي بأنه حاكم بابليون مصر. ويشير ياقوت الحموي إلى أن بابليون اسم لمدينة حصينة قديمة بالقرب من الموقع، وأن هذا الاسم أصبح في بعض الأزمنة القديمة اسماً عاماً لمصر.
ويجزم المؤرخ البريطاني ألفريد بتلر بأن بابليون اسم مدينة عظيمة حلت محل مدينة منف، وظلت عاصمة لمصر فترة طويلة قبل الفتح الإسلامي.
مجمع ديني
توجد على جدران الحصن كتابات هيروغليفية، ولعل السبب في ذلك أن بعض أسواره بُنيت من حجارة مأخوذة من معابد فرعونية، ولم يعد من مباني الحصن القديم سوى الباب القبلي، والبرجين الكبيرين. وداخل أسوار الحصن التي كانت تغطي مساحة من الأرض تزيد على ستين فداناً، توجد ست كنائس قبطية ذات أهمية كبيرة من الناحيتين التاريخية والفنية، بالإضافة إلى كنيسة مار جرجس الروماني للروم الأرثوذكس (الملكيين)، والمتحف القبطي، ومعبد لليهود.
الإهمال الكبير
يحكي ألفريد بتلر في كتابه "فتح العربي لمصر"، أن ما بقي من الحصن إلى نحو أوائل القرن العشرين، كان يشير إلى هيئته الأصلية العظيمة، وأن الفضل كان يعود في ذلك للأقباط نظراً إلى كنائسهم العديدة التي اجتمعت فيه؛ ولأنهم وجدوا وراء أسواره منعة لهم في أيام المحنة والشدة. ولكنه يستدرك بأنه خُرِّب تخريباً يُرثى له منذ احتلال الإنكليز لمصر؛ إذ شعر أهله عند ذلك بالاطمئنان والأمن؛ فقد أصبح الأمر مُستقرّاً لا حاجة معه إلى الأسوار المنيعة، وصار القبط واليونان واليهود وكأنهم يتبارَون في هدم أسواره كلما بدا لهم فتح باب في ناحية، أو إقامة بناء في جانب منه. ويذكر المؤرخ البريطاني أنه ليس من باب المبالغة أن يقال إن السنين الثماني عشرة الأخيرة -أي من بداية الاحتلال البريطاني- قد شهدت من تهديمه أكثر مما شهدته القرون الثمانية عشر التي قبلها.