كنّا، مجموعة من الأدباء والفنانين والأطباء والناشطين السياسيين السوريين، تجمعُنا صفة "العلمانية" أو، بالصيغة الملطّفة: "الليبرالية"... وكنّا نلتقي، مرّة واحدة كل 15 يوماً، في أحد المطاعم الشعبية بمنطقة "رأس شمرا"، شمال مدينة اللاذقية.
نسهر، ونتناول العشاء، ونتحدّث في أيّ موضوع نختاره في أوّل السهرة، ونستمرّ في مناقشته حتّى وقت متأخّر من الليل، وبعدها نغادر المكان غير آبهين بالتقارير الأمنية التي كانت تسبقنا إلى فروع الاستخبارات الموجودة في أماكن إقاماتنا. وكلّها تتحدّث عن كوننا نجتمع بهدف معاداة نظام الممانعة الأسدي.
مع العلم أنّه كان بيننا أشخاص عديدون محسوبون من "عظام رقبة" هذا النظام نفسه. ومع أنّني كنتُ، في تلك الأيام، متجاوزاً الخمسين من عمري، إلا أنّني كنتُ الأصغر سنّاً بينهم، ولم أكن أحتاج إلى الكثير من الشجاعة لأخاطب أكثر من واحد بين الحاضرين بعبارة: يا عمّي! في أحد اللقاءات ألقى أحدُ الحاضرين في الوسط عبارة مثيرة، إذ قال:
- الأديب فلان (ذكر اسم أديب سوري كبير) قد تجاوز الثمانين من عمره، وقد أصيب بمرض الألزهايمر، يعني، كما يقولون في الأوساط الشعبية: دَبَّ فيه الخرف. ومع ذلك هو مستمرّ في الكتابة، وهو الآن يكتب نصوصاً لا تليق به وبتاريخه الأدبي العظيم!
قلتُ معلّقاً على هذه العبارة:
- بالفعل، يا شباب، هذه مشكلة حقيقية، وخطيرة، خطورتُها تكمن في أنّ الكاتب حينما يخرّف (ويصاب بالألزهايمر) لا يدرك أنّه قد خرّف، أعني أنّه لا يمتلك الرادع الكافي لكي يتوقّف عن الكتابة والنشر.. والمفروض من الذين حوله أن يوقفوه.. ولكنّهم، برأيي، لا يستطيعون ذلك، لأنّه في الأساس أكبر منهم قدْراً وقيمة، وربما اعتادوا أن ينصحهم هو في ما يتعرّضون إليه من مشاكل، فكيف تنقلب الآية الآن لنراهم مبادرين إلى نصحه؟ وبماذا ينصحونه؟ بترك الكتابة؟! مع أنّ الكتابة ربما تعني بالنسبة إليه عمرَه، وسرَّ وجوده، فإذا تركها مات! وبناءً على ذلك، أرى أن يتوقّف الكاتب عن الكتابة، تلقائياً، قبل أن يخرّف.. وهنا يبرز السؤال الأهم، وهو: متى يجب على الكاتب أن يتوقّف عن الكتابة قبل أن "يتبهدل"؟!
فجأة، قال لي العمّ أبو صبحي، ببرود شديد:
- يا أستاذ خطيب، بالنسبة لك، أرى أن تتوقّف عن الكتابة منذ هذه اللحظة. توقّف أنت، وشو إلك علاقة بغيرك؟!
نسهر، ونتناول العشاء، ونتحدّث في أيّ موضوع نختاره في أوّل السهرة، ونستمرّ في مناقشته حتّى وقت متأخّر من الليل، وبعدها نغادر المكان غير آبهين بالتقارير الأمنية التي كانت تسبقنا إلى فروع الاستخبارات الموجودة في أماكن إقاماتنا. وكلّها تتحدّث عن كوننا نجتمع بهدف معاداة نظام الممانعة الأسدي.
مع العلم أنّه كان بيننا أشخاص عديدون محسوبون من "عظام رقبة" هذا النظام نفسه. ومع أنّني كنتُ، في تلك الأيام، متجاوزاً الخمسين من عمري، إلا أنّني كنتُ الأصغر سنّاً بينهم، ولم أكن أحتاج إلى الكثير من الشجاعة لأخاطب أكثر من واحد بين الحاضرين بعبارة: يا عمّي! في أحد اللقاءات ألقى أحدُ الحاضرين في الوسط عبارة مثيرة، إذ قال:
- الأديب فلان (ذكر اسم أديب سوري كبير) قد تجاوز الثمانين من عمره، وقد أصيب بمرض الألزهايمر، يعني، كما يقولون في الأوساط الشعبية: دَبَّ فيه الخرف. ومع ذلك هو مستمرّ في الكتابة، وهو الآن يكتب نصوصاً لا تليق به وبتاريخه الأدبي العظيم!
قلتُ معلّقاً على هذه العبارة:
- بالفعل، يا شباب، هذه مشكلة حقيقية، وخطيرة، خطورتُها تكمن في أنّ الكاتب حينما يخرّف (ويصاب بالألزهايمر) لا يدرك أنّه قد خرّف، أعني أنّه لا يمتلك الرادع الكافي لكي يتوقّف عن الكتابة والنشر.. والمفروض من الذين حوله أن يوقفوه.. ولكنّهم، برأيي، لا يستطيعون ذلك، لأنّه في الأساس أكبر منهم قدْراً وقيمة، وربما اعتادوا أن ينصحهم هو في ما يتعرّضون إليه من مشاكل، فكيف تنقلب الآية الآن لنراهم مبادرين إلى نصحه؟ وبماذا ينصحونه؟ بترك الكتابة؟! مع أنّ الكتابة ربما تعني بالنسبة إليه عمرَه، وسرَّ وجوده، فإذا تركها مات! وبناءً على ذلك، أرى أن يتوقّف الكاتب عن الكتابة، تلقائياً، قبل أن يخرّف.. وهنا يبرز السؤال الأهم، وهو: متى يجب على الكاتب أن يتوقّف عن الكتابة قبل أن "يتبهدل"؟!
فجأة، قال لي العمّ أبو صبحي، ببرود شديد:
- يا أستاذ خطيب، بالنسبة لك، أرى أن تتوقّف عن الكتابة منذ هذه اللحظة. توقّف أنت، وشو إلك علاقة بغيرك؟!