يدق بيل غيتس، ناقوس الخطر، داعيًا لتحرّك عاجل من أجل تجنّب كارثة بيئية، مشدّدًا على أنّ لا وقت لإضاعته، عارضًا حلولًا من أجل الوصول إلى طاقة نظيفة، وتكنولوجيا نظيفة، ويستعرض دروسًا من أزمة جائحة كوفيد-19 الحالية وتأثيرها على البيئة. هذه المحاور وغيرها يتطرّق إليها مؤسس شركة "مايكروسوفت" في مقابلة أجرتها معه كوني هيديجارد، وزيرة البيئة السابقة في الدنمارك، وينشرها "العربي الجديد" بالاتفاق مع "برودجكت سنديكيت".
وينشر بيل غيتس هذا الشهر كتابه الجديد بعنوان "كيف نتجنب كارثة مناخية: الحلول المتوفرة والاختراقات التي نحتاج إليها". وقد احتلّ الحديث عن فحوى الكتاب حيّزًا واسعًا من المقابلة.
وبيل غيتس هو مؤسس شركة "مايكروسوفت" ومستشارها التكنولوجي، وهو الرئيس المشارك لمؤسسة بِيل وميليندا غيتس. وشغلت كوني هيديجارد، التي تجري المقابلة معه، منصب المفوضة الأوروبية للعمل المناخي (2010-2014)، ومنصب وزيرة البيئة في الدنمارك (2004-2007)، ومنصب وزيرة المناخ والطاقة (2007-2009).
نصّ المقابلة:
كوني هيديجارد: اسمح لي أن أبدأ باعتراف: لسنوات، كنت أظن أنك لا تهتم بشكل خاص بتغير المناخ. ما زلت أتذكر بوضوح جلسة مغلقة في دافوس قبل بضع سنوات. تحولت المناقشة إلى تناول قضية المناخ، بدلا من غيرها من قضايا الاستدامة، فغادرت أنت الغرفة.
والآن، ها أنت ذا تسوق الحجج القوية القاطعة لصالح العمل المناخي العاجل. بدأت كتابك بوصف هذه الرحلة. في البداية، "كان من الصعب قبول حقيقة مفادها أنه طالما استمر البشر في إطلاق أي كمية من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، فسوف تستمر درجات الحرارة في الارتفاع". وبعد الرجوع إلى مجموعة من علماء المناخ "عدة مرات، بتساؤلات متابعة لا تنقطع"، بدأت الأمور "تتكشف" لي في النهاية. إلام تعزو مقاومتك الأولية، وكيف يمكن توظيف خبرتك لحمل الآخرين على المشاركة؟
بيل غيتس: أصبح العالم اليوم في مكان مختلف تماما عن ما كان عليه عندما بدأت أدرس تغير المناخ. فنحن نعرف المزيد الآن، وقد نجحنا في بناء الإجماع حول المشكلة. لكن لا يزال من الصعب على كثيرين قبول أن الاكتفاء بتقليل الانبعاثات، دون التحول إلى مسار يقودنا إلى خفض الانبعاثات إلى الصِـفر، ليس كافيا. من الصعب أيضا قبول كم يتطلب الأمر من إبداع وابتكار للوصول إلى الصِـفر ــ لإعادة تشكيل صناعة الطاقة جوهريا، وهي أكبر نشاط تجاري في العالم. في الكتاب، أعرض الحجج التي أقنعتني، وآمل أن تقنع آخرين. وأود أن أحث دعاة العمل المناخي على الاستمرار في الدفع بالحجج لصالح ضرورة الوصول إلى الصِـفر وتقليل الانبعاثات على النحو الذي يضعنا على ذلك المسار.
أحث دعاة العمل المناخي على الاستمرار في الدفع بالحجج لصالح ضرورة الوصول إلى الصِـفر وتقليل الانبعاثات
كوني هيديجارد: من القياس الذي استخدمت فيه حوض الاستحمام إلى قصتك الرمزية حول الأسماك، من الواضح أنك تكرس قدراً كبيراً من الاهتمام لجعل المفاهيم المجردة أو البيانات المعقدة أكثر واقعية وتماسكا ويمكن الوصول إليها بسهولة. هل تعتقد أن هذا النهج هو المفتاح إلى تغيير عقلية أولئك الذين ما زالوا حتى الآن يعتقدون، على الرغم من الحقائق والبيانات العلمية، أننا نستطيع مواصلة العمل كالمعتاد؟ وهل ساعدتك أساليب مماثلة في عملك لدفع الحدود التكنولوجية في شركة ميكروسوفت أو النهوض بالصحة العالمية والتنمية في مؤسسة غيتس؟
بيل غيتس: على الرغم من أن الكتاب ليس موجها نحو المتشككين في تغير المناخ تحديدا، فإنني آمل بكل تأكيد أن يقنعهم بأننا في احتياج إلى الاستثمار بجدية في الطاقة النظيفة. وسوف تكون البلدان التي تبذل قصارى جهدها لرعاية الإبداع والابتكار في هذا المجال موطنا للجيل القادم من الشركات الرائدة ــ إلى جانب جميع الوظائف والأنشطة الاقتصادية التي تصاحبها. ولهذا السبب، تُـعَـد هذه الاستثمارات التصرف الذكي الواجب، حتى لو لم تكن مقتنعا بالحقيقة الواضحة التي تؤكد أن البشر يتسببون بأنشطتهم في إحداث التغيرات المناخية التي ستخلف عواقب وخيمة إذا تُـرِكَـت دون تصحيح أو مراقبة.
كوني هيديجارد: الواقع أن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) لم تسلط الضوء على التكاليف المترتبة على تجاهل العِـلم وحسب، بل وأثبتت أيضا أن التغير السلوكي السريع الواسع النطاق ممكن، وأظهرت أن القادة الذين يتحملون المسؤولية عن معالجة المشكلات يكتسبون الاحترام. ولكن كما أشرت، حملت لنا الجائحة أيضا درسا مهما آخر: فقد أوضح الانخفاض البسيط نسبيا بنحو 10% في الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي نتيجة لعمليات الإغلاق العالمية أن التغيرات السلوكية مثل الإقلال من السفر جوا أو قيادة السيارات ليست كافية بالقدر الكافي. فهل تعلمنا دروسا أخرى أثناء الجائحة تنطبق على تغير المناخ؟ وكيف يمكننا توظيف هذه الدروس في العمل المناخي على أفضل وجه؟
بيل غيتس: يشكل أحد الدروس الجانب الآخر لفكرة أن الإقلال من السفر جوا أو قيادة السيارات لا يكفي: فنحن في احتياج إلى قدر هائل من الإبداع حتى يتمكن الناس من السفر جوا أو قيادة السيارات، والمشاركة في الاقتصاد الحديث دون التسبب في إطلاق الانبعاثات الغازية. وهذا في حقيقة الأمر تحد أشد صعوبة من تصنيع وتوزيع لقاحات كوفيد-19 (وهي حملة الصحة العامة الكبرى على الإطلاق).
لكن الأمر يتطلب ذات النوع من التعاون الوثيق بين الحكومات على المستويات كافة، وكذا مع القطاع الخاص. وتماما كما يتعين علينا جميعا أن نضطلع بأدوارنا من خلال ارتداء أقنعة الوجه والامتثال لقواعد التباعد الاجتماعي، يجب على الأفراد أيضا أن يضطلعوا بدورهم في الحد من الانبعاثات. وبوسعهم أن يدعوا إلى سياسات تعمل على التعجيل بالتحول إلى صافي الانبعاثات صِـفر، كما يمكنهم العمل على تقليل العلاوة الخضراء من خلال شراء منتجات منخفضة أو عديمة الكربون مثل السيارات الكهربائية والبرجر النباتي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى اجتذاب المزيد من المنافسة في هذه المجالات ويجعل تحولها في النهاية إلى الإنتاج الأخضر أرخص تكلفة.
كوني هيديجارد: أنت تزعم أن التصدي لتغير المناخ، مثله في ذلك كمثل إنهاء الجائحة، يتوقف إلى حد كبير على الـعِـلم والإبداع. وأنت في مجمل الأمر "متفائل بقدرتنا على اختراع الأدوات التي نحتاج إليها، ونشرها، وتجنب كارثة مناخية، إذا تحركنا بسرعة كافية". فما هي الخبرات أو الدروس التي غرست فيك هذا الإيمان؟
بيل غيتس: لقد رأيت شخصيا كيف قد تساعد الاستثمارات في مشاريع البحث والتطوير في تغيير العالم. فبفضل الأبحاث التي رعتها حكومة الولايات المتحدة والشركات الأميركية أصبح من الممكن ظهور الـمُـعالِجات الإلكترونية الدقيقة وشبكة الإنترنت، التي أطلقت العنان لقدر هائل من طاقة المشاريع الرائدة لإنشاء صناعة الكمبيوتر الشخصي. على نحو مماثل، قادتنا الجهود التي بذلتها حكومة الولايات المتحدة لرسم خريطة الجينوم البشري إلى اختراقات في علاج السرطان وغيره من الأمراض المميتة.
أما عن الوصول إلى الصِـفر، فأنا شخصيا أرى عملا رائعا. فقد استثمر صندوق مشاريع الطاقة الرائدة، وهو الصندوق الخاص الذي أنشأته بالتعاون مع عدد من الشركاء، في أكثر من عشرين شركة تعمل على ابتكار طرق منخفضة أو عديمة الكربون لتصنيع الأسمنت والصلب، وتوليد وتخزين كميات ضخمة من الكهرباء النظيفة، وزراعة النباتات وتربية الحيوانات، ونقل الأشخاص والسلع حول العالم، وتدفئة وتبريد المباني. الواقع أن العديد من هذه الأفكار لن تتحقق على أرض الواقع. لكن تلك التي ستتحقق من الممكن أن تغير العالم.
كوني هيديجارد: ولكن كما تلاحظ فإن "الإبداع ليس مجرد مسألة تطوير أجهزة جديدة. بل ينطوي الإبداع أيضا على تطوير سياسات جديدة تسمح لنا بعرض ونشر هذه الاختراعات في السوق في أسرع وقت ممكن". والآن بدأ الاتحاد الأوروبي (والصين أيضا الآن) الانخراط في مثل هذا الإبداع في وضع السياسات.
في محاولة لتصحيح هيكل الحوافز المعيب الذي فشل في وضع ما سميته "العلاوات الخضراء" في الحسبان، أدخلت العديد من الدول الأوروبية آليات لفرض ضرائب على الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، وإهدار الموارد، والتلوث. ولكن هل تعمل مثل هذه السياسات على تغيير هيكل الحوافز بشكل حقيقي؟ وهل تساعد آلية تعديل الحدود الكربونية في دفع عجلة التقدم؟
بيل غيتس: يشكل تحديد سعر للكربون إحدى السياسات التي ستحدث فارقا واضحا، كجزء من نهج شامل حيث يتمثل الهدف في زيادة المعروض من اختراقات الطاقة النظيفة والطلب عليها. وفي الكتاب، أذكر مجموعة واسعة من أفكار أخرى. على سبيل المثال، يتمثل أحد التدابير التي يمكن أن تتخذها الحكومات لتوسيع المعروض من الإبداع في توسيع تمويل مشاريع البحث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة بشكل كبير. (وأنا أوصي بزيادة قدرها خمسة أضعاف). وعلى جانب الطلب، بالإضافة إلى سعر الكربون، هناك أمور مثل وضع المعايير لتحديد الكم من الكهرباء أو الوقود الذي يجب أن يأتي من مصادر خالية من الكربون.
نحن في احتياج إلى الإبداع في وضع السياسات بقدر ما نحتاج إليه في التكنولوجيا
نحن في احتياج إلى الإبداع في وضع السياسات بقدر ما نحتاج إليه في التكنولوجيا. لقد رأينا كيف اجتمعت السياسات والتكنولوجيا لحل مشكلات ضخمة من قبل. وكما وثقت في الكتاب، يُـعَـد تلوث الهواء مثالا عظيما؛ فكان أداء قانون الهواء النظيف في الولايات المتحدة طيبا للغاية في إخراج الغازات السامة من الهواء. وتشمل حلول سياسية أخرى فَـعّـالة للغاية في الولايات المتحدة كهربة الريف، وتوسيع أمن الطاقة، وإشعال شرارة التعافي الاقتصادي بعد الركود العظيم في عام 2008. ونحن الآن في احتياج إلى تحويل سياسات العالم وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي نحو القضاء على الانبعاثات. ويعمل فريقي في "مشاريع الطاقة الرائدة"، شبكة المبادرات التي أنشأتها للتعجيل بالانتقال إلى الطاقة النظيفة، بكل جدية وحماس لتطوير سياسات جريئة قادرة على تحقيق أهداف المناخ العالمية.
كوني هيديجارد: وقد أشرت إلى أن الحكومات حاولت غالبا استخدام القواعد المعمول بها لحل مشكلات أخرى لتقليل الانبعاثات ــ وهو نهج أقرب إلى محاولة "خلق ذكاء اصطناعي باستخدام أجهزة كمبيوتر مركزية في ستينيات القرن العشرين".
لكن إدخال تشريعات رئيسية جديدة أمر صعب، خاصة أن المنتجين الحاليين يقاومون تحديد معايير أعلى وغير ذلك من التغييرات المكلفة. بصفتك شخصا كان على الجانب "الخاضع للتنظيم" من المعادلة التنظيمية، ما هي الحلول أو الأفكار التي تراها لحل مشكلة تلكؤ السياسات؟
بيل غيتس: نحن في احتياج إلى العمل الحكومي لحل هذه المشكلة ــ نحن نتحدث عن تحويل نظام الطاقة بالكامل على مستوى العالم وبسرعة غير مسبوقة. ولن تكون استثمارات القطاع الخاص وحدها كافية لإنجاح هذا الجهد ما لم تتوفر ظروف السوق التي تكافئ الإبداع وتسمح للتكنولوجيات النظيفة بالمنافسة، ونحن في احتياج إلى الحكومة للمساعدة في خلق هذه البيئة. وعلى هذا فإننا في احتياج إلى العمل الحكومي، ويجب أن يكون هذا العمل موجها، وقويا، ويمكن التنبؤ به.
يجب أن يفكر صناع السياسات بشكل خَـلّاق في الطرق المناسبة لحفز الإبداع في مجال الطاقة النظيفة، وضمان تكافؤ الفرص، والتعجيل بتحول الطاقة
لهذا السبب أيضا أتحدث عن الإبداع ليس فقط في مجال التكنولوجيا، بل وأيضا في وضع السياسات وإدارة الأسواق. يجب أن يفكر صناع السياسات بشكل خَـلّاق في الطرق المناسبة لحفز الإبداع في مجال الطاقة النظيفة، وضمان تكافؤ الفرص، والتعجيل بتحول الطاقة. يعمل فريقي في مشاريع الطاقة الرائدة مع القادة في مختلف الهيئات الحكومية لتطوير السياسات التي نحتاج إليها للوصول إلى صافي الانبعاثات صِـفر.
كوني هيديجارد: بعيدا عن السياسات، أنت تقترح أن الحكومات يجب أن تكون أكثر جرأة عند الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير المرتبطة بالمناخ. تُـرى ما هو الدور الذي يتعين على الجامعات أن تضطلع به هنا، سواء في ما يتصل بالبحث أو نقل المعرفة اللازمة لتشكيل السياسات؟
بيل غيتس: توفر الجامعات بيئة تعمل على تعزيز الأفكار وتطوير التكنولوجيات النظيفة. وتُـعَـد العلوم، والأبحاث، والهندسة في جامعات العالم بين العوامل الأكثر أهمية في مساعدتنا على تحقيق صافي الانبعاثات صِـفر. بطبيعة الحال، تحتاج الاكتشافات إلى الخروج من سياق الجامعة، لمساعدة وتوجيه السياسات الجديدة وتشكيل السوق. وتبذل بعض المؤسسات الأكاديمية جهودا متضافرة لمساعدة أساتذتها على التواصل بشكل أكثر فعالية، وجعل أبحاثهم أكثر صِـلة بصناع السياسات، ودفع اكتشافاتهم التكنولوجية إلى الشركات والأسواق. وتشكل هذه الجهود ضرورة أساسية لتجنب كارثة مناخية.
كوني هيديجارد: أنت تؤكد أن الحجة الأخلاقية لصالح العمل المناخي لا تقل قوة عن الحجة الاقتصادية، لأن تغير المناخ يلحق الضرر بشكل غير متناسب بأفقر الناس. لكن العمل المناخي ينطوي أيضا على عواقب تتعلق بالتوزيع. وكما تُـقِـر، فإن حتى العلاوة الخضراء المنخفضة للغاية لإزالة الكربون من شبكة الكهرباء في أميركا بالكامل قد لا تكون في متناول الأسر المنخفضة الدخل، والبلدان النامية في وضع أضعف كثيرا من أن يسمح لها بجلب مثل هذا التحول. فكيف يمكننا التغلب على هذه التحديات؟ وهل يحمل عملك في نشر تكنولوجيات أخرى في البيئات الأقل دخلا دروسا ذات صِـلة؟
بيل غيتس: هذا موضوع بالغ الأهمية. سوف تستخدم البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل المزيد من الطاقة في العقود المقبلة مع خروجها من دائرة الفقر. وينبغي لنا جميعا أن نرغب في أن تكون هذه الطاقة نظيفة ــ لكن هذه البلدان لن تلتزم باستخدام الطاقة النظيفة إلا إذا كانت رخيصة مثل الوقود الأحفوري اليوم.
لذا، إذا كنت قائدا في بلد غني، فيجب أن تسأل نفسك عما يجب أن تفعله حكومتك أو شركتك لجعل التحول الأخضر في متناول العالم بأسره ــ بما في ذلك البلدان المتوسطة الدخل، والبلدان المنخفضة الدخل في نهاية المطاف. يجب أن يكون التوسع في الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير وغير ذلك من السياسات موجها لتحقيق هذه الغاية. وتعمل العديد من الشركات التي أستثمر فيها على أفكار يمكن تحمل تكاليفها في البلدان الأقل دخلا.
كوني هيديجارد: أنت واحد من عدد من قادة الأعمال الذين يعترفون الآن علنا بالدور الحاسم الذي تضطلع به الحكومة في أي مهمة ضخمة. وحتى بين هذه المشاريع، يبرز تغير المناخ. فهل يتطلب التصدي لهذا التحدي دورا أكبر للقطاع الخاص ــ في عموم الأمر أو في مناطق بعينها ــ مقارنة بما اعتادت عليه حتى الأصوات الأكثر تأييدا للحكومة؟
بيل غيتس: لا بد أن يكون الانتقال إلى الطاقة النظيفة مدفوعا من قِـبَـل الحكومات والقطاع الخاص بالعمل معا ــ تماما كما كانت ثورة الكمبيوتر الشخصي.
هذا يعني دورا أكبر للحكومة، ولكن فقط لأن هذا الدور كان صغيرا نسبيا حتى الآن. لنتأمل هنا الزيادة التي بلغت خمسة أضعاف في مشاريع البحث والتطوير التي ينفذها القطاع العام والتي ناقشناها في وقت سابق. هذه الزيادة كفيلة بوضع أبحاث الطاقة النظيفة على قدم المساواة مع الأبحاث الصحية في الولايات المتحدة. وتماما كما تتولى المعاهد الوطنية للصحة الإشراف على هذا العمل وتنسيقه، ينبغي لنا أن نعمل على إنشاء المعاهد الوطنية لإبداع الطاقة لتجنب الازدواجية وتحقيق القدر الأقصى من الاستفادة من هذه الموارد. وسوف يكون معهد لإزالة الكربون من وسائل النقل مسؤولا عن العمل على إنتاج الوقود المخفض الكربون. وسوف تتولى مؤسسات أخرى مسؤوليات وسلطات مماثلة للبحث في أساليب تخزين الطاقة، ومصادر الطاقة المتجددة، وما إلى ذلك.
لا بد أن يكون الانتقال إلى الطاقة النظيفة مدفوعاً من قِـبَـل الحكومات والقطاع الخاص بالعمل معاً، تماماً كما كانت ثورة الكمبيوتر الشخصي
كما ستكون المعاهد الوطنية لإبداع الطاقة مسؤولة عن التنسيق مع القطاع الخاص. وسيكون الهدف إخراج أبحاث من المختبرات الوطنية تؤدي إلى تصنيع منتجات رائدة تصل إلى الأسواق على نطاق شديد الاتساع. ونحن في احتياج إلى سياسات كفيلة بتسريع تدفق عملية الإبداع بشكل كامل، من الأبحاث المبكرة إلى النشر الشامل.
كوني هيديجارد: عند مرحلة ما من الكتاب، تقول: "بالإضافة إلى إيجاد طرق لصنع المواد بطرق خالية من الانبعاثات الغازية، يمكننا ببساطة استخدام مواد أقل". قد يزعم بعض الناس أن الرأسمالية تعتمد على الاستهلاك ــ والأكثر أفضل. فهل يعتمد الحل الحقيقي لأزمة المناخ على رؤية جديدة للرأسمالية في القرن الحادي والعشرين؟ وهل يشكل فهم جديد للنمو أكثر ارتباطا بالنوعية الأساس لمثل هذا النظام؟
بيل غيتس: أعتقد أن الناس في العالم الغني يمكنهم وينبغي لهم أن يعملوا على تقليص بعض الانبعاثات الغازية التي يطلقونها. (كما ذكرت في الكتاب، فأنا حريص على اتخاذ عدد من الخطوات لتقليل والتعويض عن الانبعاثات التي أتسبب فيها شخصيا). لكن استخدام الطاقة سيتضاعف على مستوى العالم بحلول عام 2050، مدفوعا بنمو كبير في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وهذا النمو مفيد لأنه يعني أن الناس يعيشون حياة أكثر صحة وإنتاجية. ولكن يتعين علينا أن نقوم بذلك على النحو الذي لا يجعل حل مشكلة المناخ أشد صعوبة. ولهذا السبب نحن في احتياج إلى الإبداع الذي يجعل القضاء على الانبعاثات رخيصا بالقدر الكافي للجميع في مختلف أنحاء العالم.
كوني هيديجارد: قلت إن كتابك يدور حول ما يستلزمه الأمر لتجنب كارثة مناخية وما الذي يحملك على الاعتقاد بأننا قادرون على القيام بذلك. فهل تعتقد صادقا حقا أننا سنتمكن من تحقيق القدر اللازم من تنظيم وتنسيق عملنا في الوقت المناسب؟
بيل غيتس: أجل. بينما أسطر خاتمة كتابي، أستطيع أن أزعم أنني متفائل لأنني رأيت ما يمكن أن تفعله التكنولوجيا، ورأيت مدى ما يستطيع الناس تحقيقه من إنجاز. وما يمكننا القيام به الآن هو إنفاق العقد المقبل في وضع السياسات والتكنولوجيات وهياكل السوق المناسبة في مكانها الصحيح حتى يتسنى لأعظم قسم من العالم الوصول إلى مستوى الانبعاثات صِـفر بحلول عام 2050. نحن لا نملك تَـرَف إهدار أي وقت.
تنشر المقابلة بالاتفاق مع "بروجيكت سنديكيت". ترجمها إلى العربية إبراهيم محمد علي.