نهاية المعركة حصلت، فاز بطل "قراصنة الكاريبي" على من نسّقت شعرها كسنبلةٍ قمح في آخر جلسة من محاكمة فضحت الأخضر واليابس. سنبلة قمح في عالم يدخلُ عصر المجاعة. وجدت هيئة المحلّفين أنّ دعوى التشهير التي رفعها جوني ديب ضدّ آمبر هيرد هي صحيحة. ومتابعو القصّة ليسوا بحاجة إلى التذكير بقصة المقال التي نشرته هيرد حول عنفٍ منزلي مارسه ديب ضدّها خلال فترة علاقتهما. يجب على هيرد أن تدفع لديب 15 مليون دولار كتعويض. ديب دين جزئيًا، وحُكِم عليه بغرامة قدرها 2 مليون دولار.
خسارة ديب الماديّة لا تمسّ انتصاره المعنوي: المحكمة برأته من كلّ الدعاوى القضائيّة الموجّهة إليه. الحفلة شغّالة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أكثر من ستة أسابيع من فضائح شخصيّة، صوّرت لأجلها ملايين فيديوهات "تيك توك". انتهى الآن وقت التسلية بفضائح العلاقة السامّة، والتي تجذب حسّ التلصّص الخفي لدىّ كل فرد.
على وسائل التواصل الاجتماعي الفرحة لا تُخفى. للكثيرين، كان الحكم هو النهاية السعيدة التي طال انتظارها. ديب، الرجل الذي تعرّض لـ "الخيانة"، استعاد كرامته، وتوفّيت الساحرة. الصحافية في نيويورك تايمز، ميشيل غولدبرغ، كتبت علنًا أنها تخشى حركة ردّة عكسية على حركة "مي تو" مع هكذا نهاية للمحكمة: إنه وقت شكاوى الرجال الآن.
إجراءات المحاكم ليست شريرة، لأنّ فيها توقًا قانونيًا أصيلاً إلى الحقيقة. ولكن الغريب في هذه المحاكمة هو "تلفزة" المحكمة عبر الإشراك الشعبي المباشر وغياب حدود الفصل بين الواقع والتلفزيون. البث الحي الحثيث للمحكمة حوّل البحث عن الحقيقة إلى "فعلٍ اجتماعي"، وليس مجرّد "فعل قانوني". أيّ شخص يمكن أن يشاهد كل ثانية من المحكمة ومرافعات الجانبين بالكامل. والأمر الغريب الآخر في هذه المحكمة، هو الاطلاع البسيط المحدود على مجريات المحكمة بكل تفاصيلها رغم توفّرها. معجبو ديب مثلاً، يقومون بعرض أجزاء من المحكمة مختارة بعناية لوضعها على الإنترنت. أصلاً، من لديه الوقت في حياته كي يتابع العملية برمّتها؟ بخلاف غولدبرغ، لا أعتقد أنّ نتائج هذه المحكمة ستمسّ بمصداقية الناجيات من العنف المنزلي. ولكن، لا شكّ أن ثمّة شيئًا مغريًا في تلبيس شخصيّة هيرد صفات مثل المكر المتأصل والشرّ الدفين. ولأنّ هيرد امرأة، توقظ هذه الصفات بسهولةٍ الفكرة المعروفة حول النساء ككاذبات مراوغات أصيلات. الأسابيع القليلة الماضيّة أظهرت أنّ كراهية النساء لا تزال حيّة، وإلى حدٍ لم يكن أحد يصدقه من قبل.
في عام 2018 وفي عزّ حركة "مي تو" سخر نجم برامج "التوك شو" الأميركي، بيل بور، من شعار حركة "مي تو" MeToo Believe Women. قال بور: "ليكنّ 87 بالمائة منهنّ محقات، ولكن ماذا عن الـ13 بالمائة، من خدشن سيارتك أو أشعلن النار في ملابسك. ما أفتقده اليوم هو الأدلة والمحاكمات القانونية. على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يهم هو فقط عدالة المواطنين". بعد أربع سنوات من هذه المقابلة، نرى كم أنّ هذا التصريح خاطئ وصحيح بنفس الوقت.
على وسائل التواصل الاجتماعي، إعدام هيرد مستمر، وخصوصًا مسيرتها المهنية. أعتقد أنّها ماتت كممثلة من أجل هوليوود. على مواقع Change.org هنالك التماس بإزالتها من الجزء الثاني من Aquaman، وهنالك 4.4 ملايين توقيع حتّى الآن. هيرد، من تمّ تشخصيها من قبل محامي ديب كمريضة نفسية ثنائية القطب، تناسب تماماً مجنونات الـ13 بالمائة اللاتي تحدّث عنهن بور. في المقابلة، يقول بور إنّ الغوغاء الصحيحين سياسيًا سينحازون دومًا إلى جانب النساء على مواقع التواصل الاجتماعي، ورأى أنّ هنالك مبالغة في الرغبة بتصديق النساء.
ثمة حالة فرح أيضًا تذكّر بأسماء القرش في حالة الجنون. على مدى أسابيع، تعرّضت هيرد للإذلال والسب والسخرية، ولم يتم إلقاء الضوء الكافي على رسائل ديب التي تحدّث فيها عن إحراق جثة هيرد واغتصابها. في تسمم ثقافة الترفيه الأميركيّة وجشعها الخطير، تعرّضت هيرد إلى التمزيق علانية، وبشكل أدق: السهام كانت تصيب نقطة كونها امرأةً كمفهوم مجرّد، أكثر من كونها وعيًا طارئًا متناقضًا مرّ بظروف وحالات. العرض كان جيدًا، بل ممتازًا، لافتراس المرأة داخل هيرد. المرأة الكذابة ملكة الدموع المفبركة، والجذابة صاحبة الأذى العميق.
لم تبدُ هيرد مصدرًا موثوقاً في منصة الشهود، أثبتت المبالغة في بعض تعليقاتها، توقّفت بشكل ملحوظٍ أمام الكاميرات وجفّت دموعها، لم تبدُ حقيقية كفاية، أو، لم تبد حقيقية في تمثيلها، ظهرت كـ "ممثلة سيئة" كما يقول الجميع الآن. كلّ شيء في هذه المحكمة يدورٌ حول شيء واحد فقط: قوّة التأثير. من هو الرشيق في كلامه والمقنع بملامحه والأفضل على الشاشة. صراحة كان أداء جوني ديب رائعًا. هيرد كانت تتلعثم، بينما ديب يحكي بطلاقة ويأخذ فواصل الصمت الصحيحة. كلمته الأخيرة على منصّة الشهود بسيطة وقوية، وكأنها ارتجالٌ من خارج النص: "بغض النظر عما سيحدث. جئتُ إلى هنا وقلت الحقيقة". من أين تأتي بالفصاحة كلها يا ديب؟
آخر ما يهم متابعي هذه المحكمة هو العدالة وإبراز الدليل، هي محكمة للترفيه والتسلية فقط، وهي قصة قابلة للتوسيع. صديق أرسل لي فيديو مازحًا، بأنّ بعض المتابعين يعتقدون بأنّ هنالك علاقة غرامية بين ديب ومحاميته كاميلي فاسكيز. و"الدليل" هو مقطع فيديو يقوم فيه ديب بتعديل الكرسي لها لتجلس، ومن ثم يعانقها ويبتسم لها بعد إنهاء مرافعتها!
أعضاء هيئة المحلّفين هم من الأشخاص القلائل الذين لا يلاحظون ضجيج وسائل الإعلام. لم يسمح للأميركيين السبعة الذين أعلنوا الحكم بمشاهدة أي وسيلة إعلامية أثناء المحاكمة. هؤلاء حكموا بشكل عادل على هيرد بتهمة التشهير. هذا ليس موت MeToo، النساء ممكن أن يكذبن أيضًا، رواق، هذا ليس اكتشافًا. لكن من الضروري الابتعاد عن القناعة بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي مساحة للغوغاء "الصحيحين سياسيًا".