راسي ومارادونا

 الزمان: صيف مونديال 1986

تسمر الجميع خلف شاشة التلفاز..يناقشون هدف مارادونا الاول. عمي الملتزم دينيًا نظر إلينا نحن الاطفال المفترشين الارض تحت مقاعد اهلنا وقال:

هذا غش ولا يجوز.. لقد سجل الهدف بيده ليس بإمكانكم ان تتخذوه قدوة او كلاعب يحتذى به.
ثم تمتم قائلا: المشكلة انه فعل ذلك امام اعين الحكم العربي المسلم التونسي علي بن ناصر ...

مرّت الدقائق التالية بعد الهدف الاول ونحن ننظر لحرفنة اقدام مارادونا "الغشاش" كلما داعب الكرة في ارض الملعب..

استلم دييغو مارادونا الكرة.. راوغ لاعبين من المنتخب الانكليزي وانطلق خلف الكرة، كلما تخطى دييغو لاعبا من الخصوم كان الجمع في صالون منزلنا يصرخ متحمسا."مارادوووونا".

اخذ الجميع بالوقوف تدريجيا ومارادونا يقترب من المرمى، أمسكت بقبضة ابي لاشعوريًا.
سجل مارادونا هدفه الخرافي في مرمى الانكليز، وانتفض الجميع كالمجانين. عمي ذاك الملتزم صرخ: مين قدك يا بطل.. مين قدك!! اما ابي فرفع قبضته القوية وانا معلق بها، وصرخ: شو هيدا؟؟ لك شو عمل؟؟ مستحيل؟ الله الله الله يا عبقري يا مجنون.. يا ملك والله ملك..
نهضت من زاوية البيت التي اطاحتني يد ابي اليها بعد الهدف، وثمة جبل صغير تدوّر وتشكل ونما وبرز في مؤخرة رأسي، اثر ارتطامي بالجدار.. ثم وقفت وقد اصابتني دوخة عجيبة مزدوجة، من مارادونا ومن رأسي.

نظر ابي الي وقال: "قوم ولييه خليك رجال متل مارادونا". وجلبت امي كيس الثلج كالمسعفين في ارض الملعب لتضعه موضع الرضة الجبلية في رأسي.. واستبعدت انا عن باقي المباراة للاصابة.

نمت مدهوشا بالغشاش الذي اضحى بطلاً، بفعل هدف عجيب غريب.

بعد عدة سنوات دخل عمي منزلنا بيده جريدة وقال: شوفوا..هيدا الغشاش مارادونا تم القبض عليه وهو يتعاطى المخدرات. .مش بس "غشاش" و"حشاش" كمان..

نظرت الى صورة دييغو وهو محاط برجال الشرطة، فبدا كأنه مصاب بنفس الدوخة التي اصبت بها جراء هدفه صيف 1986.. وصرخت: والله هالزلمي متلو متلنا بياكلها على راسو.. آآآخ يا راسي.