ربيع وزاهد: أغانٍ معاصرة على قالب الطقطوقة

02 أكتوبر 2024
يعملان على مشروع جديد يحمل اسم "الأفندية" (فيسبوك)
+ الخط -

في عام 2022، نشر المغنيان محمد ربيع ومصطفى زاهد على صفحتيهما في "فيسبوك"، فيديو قصيراً لا تتجاوز مدّته الدقيقتين، غنيا فيه "ستو أنا" لصاحبها الممثل الكوميدي أكرم حسني. لاقت الأغنية رواجاً واسعاً، ليس بسبب موهبتهما فقط، بل لأنهما قدّماها بصورة جديدة؛ إذ ألحقا كلماتها بقالب الطقطوقة القديم. دفع هذا الانتشار صاحب الأغنية إلى التواصل معهما والثناء على الفكرة والأداء اللافت.
بعدما أصبحت "الطقطوقة" ترند، استضاف عدد من الفضائيات الشابّين. وما زالت إلى اليوم، تلقى هذه الحالة الفنية احتفاءً إعلامياً وشعبياً، فقدّم الثنائي المعروف باسم "الأخوان ربيع وزاهداني" كثيراً من الأغاني الحديثة وفق النمط نفسه. في هذا السياق، يقول ربيع إن الفكرة كانت عفوية، وأُنجزت بغرض مشاركتها مع الأصدقاء من باب الطرافة. لذلك، لم يتوقّع الأخوان تحقيق الفيديو انتشاراً كبيراً، لكن ذلك لم يمنعهما من أخذ الأمر بعدها جدياً، لتتعدّد المحاولات.
بدأ محمد ربيع (29 عاماً) الغناء عندما التحق بكلية العلوم جامعة القاهرة في عام 2013، ليشترك في مسابقاتها الفنية ويلتقي خلالها برفيق دربه مصطفى زاهد، ممثل كلية العلاج الطبيعي. بعدها انضم الشابّان إلى فريق الجامعة. ومنذ ذلك الوقت وهما لا يفترقان؛ إذ التحقا معاً، استجابةً لشغفهما بالموسيقى المقامية، بعدد من الفرق، منها جمعية أصدقاء موسيقى سيد درويش في عام 2015. هناك، تعرّفا إلى تراث كبير للموسيقي الراحل، ليس معروفاً على المستوى الشعبي.


يقول ربيع: "كانت فرصة مهمة للتعليم والتدريب. اكتشفنا في الجمعية أن هناك ثروة موسيقية لسيد درويش تزيد على 470 لحناً خلافاً لأعماله المعروفة. كنا نلتقي أسبوعياً ببقية الأعضاء نستمع إلى ألحان فناننا الراحل ونحفظها معاً، إلى جانب حفلات شهرية داومنا على تقديمها بانتظام".

في فرقة الورشة المسرحية، أهم الفرق المستقلة في هذا المجال، طوّر ربيع وزاهد موهبتهما، حين ضمهما مؤسس الفرقة المخرج حسن الجريتلي. هناك، تعلّما كثيراً من المهارات الفنية الأخرى، فالبرنامج التعليمي للورشة يقوم على إعداد فنان شامل يجيد الغناء والعزف والرقص وفن الحكي والتمثيل.
شغفهما بالتراث الموسيقي حرّضهما على الالتحاق في الوقت نفسه بفرقة "الأولة بلدي" المهتمة بموسيقى الشيخ إمام. لكن في لحظة معينة، رغب الثنائي ربيع وزاهد في أن يكون لهما كيان خاص بهما. يقول ربيع: "خلال مشواري واجهتني مشكلات كثيرة دفعتني إلى التساؤل: لماذا عليّ أن أذهب إلى الاستوديو أقدم به بروفة لأنصرف بعدها؟ لماذا عليّ أن أذهب إلى المسرح لتقديم حفل ثم أغادره لأنتقل إلى مسرح آخر؟ أو حتى أن أغني في أحد الكافيهات لأناس ربما لا يهتمون كثيراً للّون الغنائي الذي أقدمه؟ لماذا لا يوجد مكان يجمع كل هذا؟ مكان يمثل للفنان مساحة آمنة، يذهب إليه ليعرض ويسجل ويصور ويجري بروفاته، وربما يجلس فقط إذا شاء. مكان لا يستغل الفنان إذا ما رغب أن يقدم ورشة تعليمية، فيقاسمه في عائداته".
هكذا، افتتح ربيع وزاهد، في عام 2021، "نوّار"، وهو مثلما يعرّفانه على صفحة فيسبوك Art Zone تتنوع نشاطاته بين تعليم الموسيقى والفنون عبر "نخبة مختارة"، إلى جانب توفير استوديو يصلح للبروفات ومساحات للورش الفنية وبروفات الحكي والكتابة ولوكيشن للتصوير وتسجيل البودكاست.
تضم "نوار" أيضاً حفلات ربيع زاهد التي يقدّمانها مرتين أسبوعياً، وينظر إليها ربيع على أنها فعاليات "فنية توعوية"، إذ يستعرضان بها الموسيقى التراثية، بداية من سيد درويش، إلى جانب الأدوار والموشحات، مروراً بأسماء مثل أم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز وبليغ حمدي، وصولاً إلى أغاني التسعينيات الحديثة. هناك أيضاً فعالية تدريبية مهمة يقدمها المكان تحت عنوان Open Game، تجمع موسيقيين من مختلف المشارب والاتجاهات، ويجري اختيار إيقاع معين ودائرة كوردات متصلة بمقام ما ليعزفوا معاً جملة موسيقية واحدة يتخللها عزف ارتجالي يقوم به كل واحد منهم.
من "نوّار" أيضاً، انطلق فيديو "ستو أنا". يحكي ربيع أنه كان يدندن مقدمة الأغنية في حضور زوجته إسراء وزاهد. ثم اقترح ربيع التصوير. ارتجل الثنائي بقية اللحن. وبمجرد نشر المقطع على صفحتيهما، فوجئا بتفاعل كثيرين مع التسجيل المنشور.


ينظر ربيع إلى الانتشار الواسع للفيديو العفوي على أنه دلالة على تعلق الناس بالنغم القديم، مؤكداً أنه إذا ما قُدمت لهم الموسيقى المقامية بواسطة كلمات اليوم فسيروق لهم ذلك. هذه الرؤية التي أثبتتها التجربة العفوية شجعت ربيع وزاهد على تكرارها، ليغنيا بالطريقة نفسها أعمال لويجز وعزيز مرقة ونانسي عجرم ولميس كان وغيرهم.

يرى ربيع أن مثل هذه الفيديوهات الطريفة ستحرض الناس على العودة إلى سماع الطرب القديم والبحث عنه: "ما نفعله به غرضه في المقام الأول أن يستعيد الناس مرجعيتنا الموسيقية الأصيلة، الموسيقى المقامية التي يمكن أن تكون القاعدة لتقديم كل جديد".
في هذا الإطار، يستعد ربيع وزاهد من خلال "نوّار" لإطلاق مشروع للموسيقى المقامية، يضم ألحاناً لهما مع كلمات تكتب خصيصاً. يقول ربيع إن انتشار فيديوهات الطقاطيق وما حقّقته من صدى لدى مختلف الفئات شجعهما على تلك الخطوة. المشروع المنتظر يُطلق تحت عنوان "الأفندية". ويأمل الاثنان أن تسهم فرقتهما الجديدة بخلق حالة فنية تمثّل رؤيتهما في مزج القديم بالجديد.

المساهمون