رحل اليوم الجمعة الموسيقار المصري حلمي بكر عن 86 عاماً، بعد صراع مع المرض استمر لسنوات، إذ شهدت الأيام الأخيرة تدهوراً شديداً في حالته الصحية، ولم يعد قادراً على الحركة بسبب أمراض في القلب بجوار إصابته بالسكري والالتهاب الرئوي، ولم يُحدَّد موعد صلاة الجنازة أو تلقي العزاء حتى الآن.
مشوار فني طويل قضاه الراحل في الوسط الغنائي، وعاصر أجيالاً عدة، فكانت النتيجة تأليف أكثر من 1800 لحن، ستظل تراثاً في الأرشيف الغنائي العربي.
تخرّج الراحل من معهد الموسيقى العربية بعدما درس في كلية التجارة، لأنه رفض أن يكون مجرد موظف، فحب الموسيقى الذي ورثه من والده العازف على الناي كان يسيطر عليه.
ولم يكن أمام بكر أي طريق يسلكه ليكون موسيقياً، حتى كان للقدر كلمته العليا حينما كان جندياً في الجيش المصري، وكانت المطربة الجزائرية وردة موجودة في مصر، فتحدث معها عن حلمه بأن يكون ملحناً. أُعجبت وردة بآرائه وعقليته الموسيقية وعرّفته وقتها على مدير الإذاعة المصرية، محمد حسن الشجاعي، ليتعاون معه في لحن بعنوان "كل عام وأنت بخير"، غناه المطرب عبد اللطيف التلباني، ثم لحّن للفنان ماهر العطار أغنية "لا يا عيوني".
وجاءت الانطلاقة الكبرى للملحن الراحل بعدما استطاع أن يعيد الفنانة ليلى مراد إلى الغناء بعد اعتزال، فقد دخل في تحدٍّ ورهان مع مدير الإذاعة في عودتها، وعن طريق إحدى الحيل نجح حلمي في إعادتها من خلال أغنية "ما تهجرنيش".
حلمي بكر وأم كلثوم... حلم كاد يتحقق
بعد هذه الأغنية التي لاقت نجاحاً على كل الأصعدة، بدا الطريق مفروشاً بالورود لبكر ليتعاون مع كل من عبد الحليم حافظ، ووردة، وفايزة أحمد، ونجاة، وكان صديقاً مقرباً من محمد عبد الوهاب.
وكاد حلمه بالعمل مع أم كلثوم يتحقق، إذ تعرف عليها عن طريق رياض السنباطي، ولحّن لها بالفعل أغنية "معندكش فكرة" من كلمات عبد الوهاب محمد، لكن اشتد مرضها ولم تستطع الغناء، لتذهب الأغنية إلى الجزائرية وردة، وبعدها رحلت عن الحياة ورحل معها حلم بكر.
تعاون بكر بعد ذلك مع كل من المطربين، عليا التونسية وأصالة نصري، ونجاة الصغيرة، وعزيزة جلال، وشفيق جلال، ومحمد قنديل، ومحمد الحلو، وسميرة سعيد، وغيرهم، وقدّم معهم أغاني عدة كانت علامة فارقة، ليست في مشواره فقط، بل مشوارهم أيضاً. ويعد أوبريت "الحلم العربي"، الذي جمع مطربين وفنانين من الوطن العربي، من أبرز أعماله.
لم تكن مسيرة بكر الموسيقية تقتصر على الأغاني فحسب، بل قدّم ألحاناً لـ48 مسرحية، لعل أشهرها "سيدتي الجميلة" للفنانين فؤاد المهندس وشويكار، و"موسيقى في الحي الشرقي" للفنانين سمير غانم وجورج سيدهم، و"روميو وجوليت"، و"أولاد علي بمبة"، و"حواديت".
كما قدّم الكثير من موسيقى الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية. ومن الأفلام التي لحّن موسيقاها التصويرية "آخر الرجال المحترمين"، و"رجل فقد عقله"، و"صراع العشاق"، و"مع تحياتي لأستاذي العزيز"، و"من يطفئ النار" وغيرها.
أما المسلسلات التلفزيونية فمن أشهرها "صباح الورد" و"وقمر في سكة سفر" و"ناس ولاد ناس". كما لحّن حلمي بكر موسيقى ثلاثة مسلسلات إذاعية هي "واحد من أهل ذلك"، و"ذات الحذاء الخشب"، و"الأسوار العالية".
حلمي بكر وعالم الفوازير
كان لحلمي بكر مشوار مع تلحين موسيقى استعراضات الفوازير والشارات، إذ لحّن لنيللي، فوازير "الخاطبة"، و"أم العريف"، و"عروستي"، ولحّن لشريهان فوازير "حول العالم"، وقدّم أيضاً فوازير "إيما وسيما" للوسي، و"ألف ليلة وليلة" لإيمان الطوخي ويوسف شعبان، و"فرح فرح" لغادة عبد الرازق، و"فطوطة" لسمير غانم، وغيرهم.
وعن علاقته بالفوازير قال حلمي بكر في تصريحات تلفزيونية: "أنا أول من اقتحم عالم الفوازير في مصر أيام تلفزيون الأبيض والأسود، من خلال تقديم فوازير للشقيقات الثلاث فيروز ونيللي وميرفت، قبل ثلاثي أضواء المسرح سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد، الذين قدمتهم بعد ذلك، ثم تعرّفت إلى المخرج فهمي عبد الحميد، وبدأت علاقتي بفوازير نيللي، وسمير غانم، وشريهان، وغيرهم، واستمرت علاقتي بالفوازير 22 عاماً".
على المستوى الشخصي تزوج حلمي بكر 13 مرة، أولها في بداية حياته الفنية بالفنانة سهير رمزي، إذ تزوجها لثلاث سنوات، وبعد انفصاله تزوج بشاهيناز، شقيقة الفنانة شويكار، وهي والدة ابنه هشام، ومن ضمن زيجاته زواجه بقريبة أصالة، وتدعى راندا، كما تزوج الفنانة الراحلة عليا التونسية، وكان سرياً، وأُعلِن ذلك بعد الانفصال، وآخر زيجاته كانت بسماح القرشي التي بقيت معه حتى وفاته، وأثمرت هذه الزيجة عن الطفلة ريهام.