رحيل ليام باين... أغنية انتهت باكراً

20 أكتوبر 2024
توجّه في أغانيه إلى جيل الشباب والمراهقين (مايك مارسلاند/ Getty)
+ الخط -

لم يكن المغني البريطاني الشاب ليام باين (Liam Payne) قد جاوز الـ15 عاماً حين أقصته اختبارات الأداء للبرنامج الشهير "ذا إكس فاكتور". بعد ثماني سنوات فقط من تذوق مرارة هذا الفشل، وتحديداً عام 2015، أصبح باين أحد أشهر النجوم العالميين، من أصحاب النجاح المدوي والثروة الطائلة والشهرة الجماهيرية، والجوائز الفنية الأكبر.

وبين "فشله" الأول ونجاحه الكبير قصة كفاح جماعية مع فرقة وَن دايركشن (One Direction)، ثم استقلال فني وتوجه فردي انتقل به من نجاح إلى آخر، كانت أجلى صوره ارتباط الملايين، ولا سيما من المراهقين والشباب بأعماله وحفلاته. الأربعاء الماضي، رحل ليام باين (1993 - 2024) بعد أن سقط من شرفة غرفته بالطابق الثالث في الفندق الذي كان يقيم فيه بالعاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. رحل باين الذي حقق كل هذا النجاح قبل أن يتخطى الـ31 عاماً، وما زال عشرات الملايين من معجبيه حول العالم غارقين في صدمة عميقة، بسبب هذا الرحيل المفجع والمبكر.

في أغسطس/آب عام 1993، ولد ليام باين في منطقة هيث تاون في ولفرهامبتون بالمملكة المتحدة. ومنذ أول يوم لولادته، بدا أنه يعاني عدة مشكلات صحية، وتوالت عليه الأمراض مراراً، فكان مضطراً، وهو في سن الرابعة، إلى أن يجري فحوصات منتظمة في المستشفى، كشفت عن ندوب في الكلى، واضطر الأطباء إلى إعطائه كمية كبيرة من الأدوية لتسكين آلامه. لكن ظروفه الصحية تحسنت تدريجياً، وانخرط وهو طالب في أنشطة رياضية من أهمها العدو، فانضم إلى نادي ولفرهامبتون لممارسة الجري.

ولمدة ثلاث سنوات، صُنّف ضمن أفضل ثلاثة عدائين لمسافة 1500 متر في فئته العمرية. وبسبب التنمر الذي تعرض له من زملاء المدرسة الثانوية، قرر باين أن يتلقى دروساً في الملاكمة. وبعد المرحلة الثانوية، التحق بكلية Peter's Collegiate، لدراسة تكنولوجيا الموسيقى.

بدأت علاقة باين بفنون الاستعراض وعمره 12 عاماً، وأتيحت له فرصة تقديم عرض أمام حشد كبير يتجاوز الـ26 ألف شخص، خلال مبارة كرة قدم لفريقه ولفرهامبتون. وفي عام 2008، تطلع إلى الالتحاق بالبرنامج التلفزيوني الواقعي البريطاني "ذا إكس فاكتور"، الذي كان ينظم مسابقة سنوية بين أصحاب المواهب من جميع الأعمار والخلفيات، إذ يتقدمون للاختبار من أجل الفوز بفرصة العرض النادرة التي يمثلها البرنامج، أمام لجنة من الحكام، من أصحاب الأدوار المهمة في صناعة الموسيقى.

وبعد مراحل للتصفية، يحصل الفائز النهائي على عقد للتسجيل مع شركة Syco Music كما يحصل على مكافأة مالية. لم يستطع الشاب ليام اجتياز عقبات البرنامج، فقد خضع لأول اختبار أداء للموسم الخامس من "ذا إكس فاكتور" أمام الحكام سيمون كويل وشيريل كول وداني مينوغ ولويس والش. استطاع تجاوز الجولة الأولى بعد أداء أغنية فرانك سيناترا Fly Me to the Moon، لكن لجنة الحكام أقصته في المرحلة التالية. لم ييأس، وأعاد تجربة الاختبار مرة أخرى عام 2010، فمثلت نقطة مفصلية في حياته. 

أجرى باين الاختبار أمام مغنية البوب والراب وكاتبة الأغاني، شيريل كول، والمغنية الملحنة وعارضة الأزياء الأسترالية، ناتالي إمبروجليا. غنى باين نسخة مايكل بوبلي من أغنية Cry Me a River، فاستطاع أن يكتسب أربعة أصوات موافقة. اعتُبر باين المرشح الثاني للفوز بالمسابقة بعد اختباره الفردي. لكنه فشل في التقدم إلى فئة "مجموعات الفتيان" التي تجرى في منازل الحكام، ولكن بعد اقتراح من القاضية الضيفة نيكول شيرزينغر، تكوّن فريق يضم باين وهاري ستايلز ونيل هوران ولويس توملينسون وزين مالك، لتشكيل فرقة فتيان مكونة من خمسة أعضاء في ويمبلي أرينا، خلال مرحلة المعسكر التدريبي للمسابقة، ومن ثم التأهل إلى فئة "المجموعات".

بعد ذلك، اجتمع الأعضاء لمدة أسبوعين لتعرف بعضهم بعضاً والتدرب. قدموا على أول أغنية لهم مجموعةً، نسخةً صوتيةً من أغنية Torn. رأى بعض محكمي البرنامج أن أداء المجموعة مقنع، وأنها "واثقة وممتعة، ونوعاً ما جريئة أيضاً". احتلت المجموعة المركز الثالث في العرض، لكنها اكتسبت شعبية سريعة في المملكة المتحدة.

الحصول على المركز الثالث كان دافعاً قوياً استطاع به أعضاء المجموعة تجاوز برنامج ذا إكس فاكتور ومسابقاته ومراحله وتقديرات المحكمين وتصويت الجمهور. وعلى الفور، بدؤوا بتدشين فرقة البوب "ون دايركشن" التي أصبحت خلال فترة وجيزة واحدة من أكثر "فرق الفتيان" أو Boy Band مبيعاً على الإطلاق. اعتمد الفريق على وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق قفزات فنية عالمية.

الألبومات الخمسة التي صدرت بين عامي 2011 و2015 تصدّرت مخططات التصنيف الجماهيري في العديد من البلدان. أصبحت One Direction أول فرقة في تاريخ Billboard 200 الأميركية تصل أول أربعة ألبومات لها إلى المرتبة الأولى. وكان ألبومهم الثالث، Midnight Memories، هو الأكثر مبيعاً في جميع أنحاء العالم عام 2013. 

كان أعضاء الفرقة، وفي مقدمتهم ليان باين، في أوائل عشرينيات عمرهم. كانوا بهيئتهم وحركاتهم واختياراتهم أقرب إلى أجيال المراهقين، وهذا النمط من المغنين ينتج نوعاً معيناً من المعجبين الذين يعبرون عن مشاعرهم وانبهارهم بطريقة هيستيرية، وتفاعل صاخب، وهو ما ميز حفلات الفرقة خلال جولاتها العالمية الأربع الأولى. وبسبب الإقبال الجماهيري، أقيمت بعض هذه الحفلات داخل ملاعب فسيحة لاستيعاب الضغط الجماهيري.

كانت جولة Where We Are التي قامت بها الفرقة، لدعم ألبوهم Midnight Memories، هي أعلى جولة حفلات موسيقية في عام 2014، وأعلى جولة غنائية في التاريخ، والخامسة عشرة في ترتيب أعلى جولة حفلات موسيقية في كل العصور، إذ بلغت إيراداتها 290.2 مليون دولار.

خلال سنوات قليلة، باعت الفرقة أكثر من 70 مليون تسجيل في جميع أنحاء العالم، ما يجعلها واحدة من أكثر فرق الصبيان مبيعاً على الإطلاق. فازت الفرقة بما يقرب من 200 جائزة، بما في ذلك سبع جوائز بريت، وأربع جوائز إم تي في فيديو ميوزيك، وست جوائز بيلبورد الموسيقية، وسبع جوائز الموسيقى الأميركية (بما في ذلك فنان العام في عامي 2014 و2015)، و28 جائزة اختيار المراهقين. في عام 2013، كسبوا ما يقدر بنحو 75 مليون دولار، ليصبحوا ثاني أعلى المشاهير ربحاً تحت سن 30 عاماً وفقاً لمجلة فوربس.

وفازت بلقب الفنان الأكثر مبيعاً في العالم لعام 2013، إذ منحها إياه الاتحاد الدولي لصناعة التسجيلات الصوتية. في عام 2014، أطلقت بيلبورد على الفرقة لقب "فنان العام". وصنفتهم مجلة فوربس على أنهم رابع أعلى المشاهير دخلاً في العالم في عام 2015، ثم في المرتبة الثانية في عام 2016، وكانت الفرقة قد أعلنت بالفعل وقف إنتاجها لأجل غير محدد.

كان توقف "وَن دايركشن"، فرصة لكل عضو من أعضاء الفرقة كي ينطلق بمشروعه الخاص، وهو ما شجع باين على توقيع عقد تسجيل مع شركة ريبابليك ريكوردز الأميركية في مايو/أيار 2017. أصدر باين أغنية "ستريب ذات داون" باعتبارها العمل الرئيس من ألبومه المنفرد الأول في الاستوديو.

بلغت ذروتها في المرتبة الثالثة على مخطط الأغاني الفردية في المملكة المتحدة والمرتبة العاشرة على قائمة بيلبورد هوت 100 الأميركية، وحصلت على شهادة البلاتين في كلا البلدين. صدر ألبومه الاستوديو في ديسمبر/كانون الأول 2019، محققاً نجاحاً كبيراً، فباع أكثر من 18 مليون أغنية فردية في أقل من ثلاث سنوات، وجمع أكثر من 3.9 مليارات استماع.

مثّل ليان باين حالة نادرة في صعوده الجماهيري العالمي الصاروخي. وبقدر جماهيريته كانت صدمة معجبيه وعشاق فنه في أنحاء المعمورة. تجمع كثيرون قرب موقع سقوطه، والتفوا حول صورة له، بعد أن أحاطوها بالشموع والورود. نعاه كثير من نجوم الغناء الشهيرين، لكن أكثر كلمات التأبين تأثيراً جاءت من زملائه القدامى، في فريق ون دايركشن، الذين نشروا صوره معهم في رحلاتهم الفنية، وحفلاتهم التاريخية، مصحوبة بكلمات تعبر عن الصدمة والفقد.

لا أحد يصدق أن الميلاد، والمرض، والعلاج والدراسة، والملاكمة، والركض، والجامعة، والنوادي الرياضية، والصعود الفني الجماعي، ثم التألق الفني الصاخب، واكتساب إعجاب عشرات الملايين حول العالم، وحيازة أكبر الجوائز، وجمع ثروة طائلة، ثم السقوط من شرفة والرحيل.. كل هذه المسيرة الثرية والصاخبة قد جرت خلال 31 عاماً فقط. لكن هكذا كان ليام باين.. يركض ليلاحق الأيام.

المساهمون