قلّما نشرت مجلة فوغ غلافاً سياسياً لم يؤجج جدلاً واسعاً. أثارت سابقاً بلبلة حين امتنعت عن تخصيص أحد أغلقتها للسيدة الأميركية الأولى السابقة ميلانيا ترامب، رغم أن ميشيل أوباما ظهرت قبلها ثلاث مرات على الغلاف. طلّة نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، "غير الرسمية" أثارت أيضاً انتقادات. والآن، تعود المطبوعة العريقة إلى دائرة الجدل، بعدما منحت غلافها للسيدة الأوكرانية الأولى، أولينا زيلينسكا.
المقالة تحمل عنوان "بورتريه الشجاعة" وتوقيع آنّي ليبوفيتز، وتتضمن صوراً متنوعة لأولينا زيلينسكا: واحدة وهي تجلس على الدرجات الرخامية للقصر الرئاسي، وأخرى وهي تمسك يد زوجها الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي، وواحدة وهي تقف إلى جانب مجندات في مطار أنتونوف. ستطرح النسخة المطبوعة من العدد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وعلى عكس المرة السابقة التي ظهرت فيها أولينا زيلينسكا على غلاف "فوغ"، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، غداة انتخاب زوجها رئيساً لأوكرانيا، فإن القصة لا تركز هذه المرة على الموضة، بل على الحرب التي ترزح تحتها بلادها. في كل الصور المنشورة، لا تظهر زيلينسكا أو زوجها مبتسمين.
ومع ذلك، فقد أثارت القصة ردود فعل عنيفة. وهذا ليس مستغرباً، فللمجلة أخطاء كثيرة ارتكبتها في الماضي، وعلى رأسها المقابلة الشهيرة عام 2011 مع أسماء الأسد، زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد. وصفت الأسد حينها بـ"أكثر السيدات الأوليات نقاءً وحيوية وجاذبية" و"المتألقة، الشابة، وفائقة الأناقة". كما كتبت أن أسرة الأسد "ديمقراطية إلى أقصى الحدود"، ووصفت النظام السوري بـ"العلماني، حيث تكسب النساء كالرجال، ويُمنع الحجاب الإسلامي في الجامعات". واستدعى مقالها هذا حملة انتقادات عنيفة ضدها، واتُهمت بتلميع صورة الأسد أمام الرأي العام، إذ بدأت الصورة الخيالية للسيدة الأولى بالتصدع بعد اندلاع الثورة السورية في العام نفسه، عندما أُلقي القبض على مجموعة من طلاب المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و15 عاماً، عُذبوا بسبب عبارات معارضة كتبوها على جدران مدارسهم في مدينة درعا. وخرج مئات السوريين في مدينة درعا للاعتراض على معاملة الأطفال، وانتقلت الاحتجاجات سريعاً إلى مناطق أخرى. وبعد الحملة المذكورة، حذفت مديرة تحرير "فوغ"، آنا وينتور، المقال من موقع المجلة، علماً أنه حمل عنوان "زهرة في الصحراء".
الحملة على غلاف فوغ الذي خصص للأسد يعود بين فترة وأخرى، خاصة بعد انكشاف المجازر التي ارتكبها الأسد بحق السوريين على مدار السنوات الماضية، وبعدما تبين أن دورها لم يكن محصوراً فقط بكونها زوجته، إذ نشرت صحيفة ذا غارديان، عام 2017، تسريبات من بريد الزوجين الإلكتروني، وأظهرت الرسائل الإلكترونية إنفاق الأسد مبالغ ضخمة على شراء المجوهرات والملابس والديكورات الداخلية، في الوقت الذي يتعرض فيه السوريون للقصف المتواصل. وكانت هذه الرسائل قد انتشرت في سورية، بالإضافة إلى صور نُشرت على موقع "فيسبوك" تُظهر أفراد السلطة الحاكمة، يستمتعون بالحفلات السخية، بينما يموت كثير من السوريين جوعاً.
First Lady Olena Zelenska, Kyiv, Ukraine, July 2022 / For @voguemagazine To Be Featured In Vogue Magazine, October 2022 pic.twitter.com/dxMaWUbEHu
— Annie Leibovitz (@annieleibovitz) July 26, 2022
على "تويتر"، كتبت الصحافية أمريتا بيندر: "بينما تعاني أوكرانيا أهوال الجحيم، تلتقط فوغ صوراً للرئيس وزوجته". اغتنمت النائبة مايرا فلوريس، وهي جمهورية من ولاية تكساس، الفرصة لمهاجمة إدارة بايدن لدعمها المالي لأوكرانيا، ولمحت إلى أنها تمول التفاخر الزائف. وغردت العضوة في الكونغرس وهي من اليمين المتطرف لورين بويبرت: "بينما نرسل إلى أوكرانيا 60 مليار دولار كمساعدات، يقوم زيلينسكي بالتقاط الصور لمجلة فوغ". وكتب آخر: "لا أتذكر أن زوجة صدام حسين (الرئيس العراقي الراحل) ظهرت على غلاف مجلة فوغ حين اجتيح العراق".
موقع بي بي سي أشار أيضاً إلى أن بعض مطلقي نظرية المؤامرة استغلوا الصور للقول إن لا حرب تدور أصلاً في أوكرانيا.
ومع ذلك، دافع قراء آخرون عن زيلينسكا، واعتبروا صورها رمزاً للفخر الوطني: وسيلة لإظهار الأناقة الأوكرانية للعالم، وتذكير بالبلسم الذي يمكن العثور عليه في الجمال، ولمحة للإنسانية المشتركة في مواجهة العدوان.
Vogue places Olena Zelenska on the cover and publishes photos of the presidential couple: pic.twitter.com/sSdeJSVOCt
— The Insider (@InsiderEng) July 26, 2022
ولم تتجاهل زيلينسكا هذه الانتقادات التي وجهت إليها، إذ قالت في حديث لها مع "بي بي سي"، الخميس: "أنا أستغل كل فرصة متاحة لأتحدث عن أوكرانيا. وهذه فرصة هائلة، لأن ملايين الأشخاص يقرأون فوغ. كان واجبي التحدث إليهم مباشرة". وأشار إلى أن المقابلة كانت قصيرة ولم تستغرق سوى "ساعات قليلة". وأضافت: "دائماً سيكون هناك من ينتقد... أعتقد أن من الأفضل فعل شيء ما والتعرض للانتقاد على عدم فعل أي شيء على الإطلاق".