من إدارة الأعمال جاءت. لم تجد نفسها في الوظيفة، فتركتها وقرّرت دراسة علم "سياسات الجسد والنوع". سافرت إلي لندن، وأصابها الشغف بتلك الدراسة على مدار عام كامل. عملت شهراً واحداً في إعداد البرامج، ثم بدأت تصنع فيلمها الأول "أجساد بطولية" الذي، رغم انتمائه إلى القالب التلفزيوني تماماً، يُقدّم قضية قوية. عمق القضية وثراء الأرشيف في الفيلم جعلا مهرجانات عدّة تعرضه، وأولها مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية (إدفا)، في دورته الـ35 (9 ـ 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022).
"العربي الجديد" التقت المخرجة السودانية سارة سليمان في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، الذي عرض فيلمها هذا في المسابقة الرسمية لدورته الـ24 (14 ـ 20 مارس/ آذار 2023)، علماً أنّه نال جائزة جمهور مالمو (25 ألف كرون سويدي. الدولار الأميركي يساوي نحو 10 كرونات سويدية)، في الدورة الـ13 (28 إبريل/ نيسان ـ 4 مايو/ أيار 2023) لمهرجان مالمو للسينما العربية (السويد).
كيف رأيت استقبال الجمهور لفيلمك؟
في مهرجان "إدفا"، فاجأني استقبال الجمهور. أولاً، استلم المهرجان 4 آلاف فيلم، اختير منها 80 فقط، كان فيلمي بينها. ثانياً، خصصوا له 5 عروض، أحدها للنقّاد والصحافيين والعاملين في الإعلام، والأخرى للجمهور، بتذاكر مدفوعة. كلّ حفلة كانت كاملة العدد. فوجئت لأنّي توقّعت أنّ النسبة الأكبر من الجمهور ستكون للسودانيين، أو ذوي البشرة السمراء، أو مُشاهدين من أصول أفريقية. فوجئت أنّ غالبيتهم من ذوي البشرة البيضاء. لهؤلاء ثقافة كبيرة ورغبة في المعرفة، وأسئلتهم عبّرت عن اندماج كبير بالفيلم وموضوعه. كانوا يشاهدون بقلوبهم وعقولهم، ونظرتهم عميقة جداً.
في العرض الأول في السودان، انهارت فتاة سودانية، وظلّت تبكي طويلاً. آخرون تأثّروا، وللبعض دموع في العيون. قبل الإسماعيلية، كانت هناك عروض عدّة في السودان. لم يقتصر الأمر على انهيار نساء، فهناك رجال بكوا تأثّراً هم أيضاً.
إذا أثّر الفيلم فعلياً على عاطفة رجال، أتمنى أنْ يؤثّر على عقولهم وتفكيرهم وأسلوب تعاملهم مع النساء.
في الأصل، هم متضامنون مع النساء، ويدافعون عن قضاياهنّ، ويجهدون في مساعدتهنّ. عموماً، لاحظت أنّه مع الأغنية المبثوثة في الدقائق الـ10 الأخيرة يبدأ الانهيار. ربما كلمات الأغنية تلمس العواطف جداً، فلا يسيطر المُشاهد على دموعه. فرح مختلط بألم.
يبدو لي أنّه كان لديك أرشيف ضخم جداً. كيف بدأت الفكرة؟
حصلت على منحة من الحكومة البريطانية لـ"القادة الشباب" في دول مختلفة في العالم، عام 2016. سافرت إلى بريطانيا للدراسة في جامعة "سوس". نلت ماجستير في دراسات النوع (الجندر). حقيقة، سافرت أساساً للماجيستر، رغم أنّي لم أكن أمتلك كامل المصاريف. كنت أريد هذا بقوة. لاحقاً، حصلت على المنحة.
لماذا الجندرية تحديداً؟
كنت ناشطة كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر". لديّ 35 ألف متابع. كنت أطرح مواضيع كثيرة مع الشباب. كنت صوتاً للشباب، وكانت برامج كثيرة في التلفزيون تستضيفني للتحدّث عن قضاياهم. شعرت أنّ الميديا قوّة وسلطة، وأنّي، كسارة، لديّ مسؤولية فردية تجاه النساء. لا بُدّ أنْ أساهم في التغيير. أعتقد أنّ المرأة أساس المجتمع، إذا صَلُح وضعها وأحوالها، ينصلح المجتمع كلّه. لذا، زاد اهتمامي بقضيتها ووضعها، وأيضاً لأنّي عشت هذه الإشكالية كامرأة سودانية أفريقية عربية مسلمة. هذا الخليط عشته في تجارب أتحدّث عنها في "أجساد بطولية"، أو شاهدتها بعينيّ.
هل تعيشين في السودان؟
ولدت ونشأت في السودان. لكنْ، في الأعوام الأخيرة، وبعد الزواج، أقيم في بريطانيا. هناك، كانت المرّة الأولى التي أطّلع فيها على نظريات سياسات الجسد (Body Politics)، فأصابني هوسٌ بها. أصبحت أفكّر، وأربط كلّ شيء بها. اكتشفت أنّ التحكّم بالنساء يدور حول الجسد، ليس فقط في السودان، بل أيضاً في العالم العربي. في الأردن مثلاً، عُدّل أخيراً القانون الذي يجعل المغتصب ينجو بفعلته، ولا يُعاقب. إذا تزوّج الفتاة المغتَصَبة، تسقط العقوبة. حتّى فترة قريبة، لم يكن القانون يُعاقب على جرائم الشرف. لهذين الأمرين علاقة بالنساء وبأجسادهنّ. هذا منتشر في دول يسود فيها التخلّف، وتحكمه العادات والتقاليد والدين. هذا كلّه يدور حول جسد المرأة.
لكنّك قررت العمل على النساء السودانيات.
استحوذت عليَّ الفكرة، ولم أعد أستطيع تجاوزها. فكّرت أنْ يكون مشروع التخرّج عن سياسات الجسد، واخترت التحرر في العملية النسوية السودانية. وجدت زوايا عدّة: الأولى عن استخدام الجسد للتحرّر، عندما خرجت النساء من المساحات الخاصة والمنازل إلى الساحات العامة، للعمل في المدارس والمستشفيات وغيرها من المؤسّسات، والثانية عن استخدام الحكومات الجسد من أجل القمع، فأيّ فتاة تخرج إلى الشارع يُقبض عليها، وتُسجن، كما حدث في مسألة "كشف العذرية". هذا نوع من التحكم عن طريق الجسد. يفعلون ذلك ليقولوا إنّ الفتاة التي لديها نشاط سياسي منحرفة. الأسرة تمنعها. ومن خلال التصنيف، يجعل المجتمع نفسه يمنعها، لأنّ البيت لا يريد العار أو الفضيحة. من خلال "كشف العذرية"، تُكسَر الفتاة. كلّ الديكتاتوريات تمارس القمع على الجسد. في الحروب ومناطق النزاعات، لا يغتصبون الأولاد بل البنات، لإذلال الرجال. كذلك العادات والتقاليد كما في الفيلم، ومنها الختان، وتشويه الوجه تحت مسمّى "الجمال".
مشاهد تشويه الوجه مؤلمة وقاسية. حين تتحدّث المرأة عن الحفرة في الوجه، واستمرار وضع القطن في هذا الجرح العميق طويلاً لحفر أخدود فيه كإحدى علامات الجمال، هذا مشهد غير مُحتمل.
هذه العادة توقّفت في السودان، لكنّ الختان لا يزال موجوداً، رغم صدور قانون يجرّمه عام 2020. مع ذلك، لا تزال هذه العادة تُمارَس في المجتمع. سَنّ القوانين وحده لا يكفي للعمل بها. لا بُدّ من نشر الوعي، وتغيير العادات والتقاليد. مع ذلك، المُبهر لي أنّه، رغم كلّ الألم الذي مرّت به المرأة السودانية، لم تنكسر. إنّها تحكي عن هذا القهر بكلّ جسارة وقوّة. تحكي عن آلامها وهي ثابتة. أريد للإخوة السودانيين أنْ يشعروا بهذا الفخر. كلّما أصوّر، أتخيّل الفيلم مَشَاهد، رغم أنّي لم أصنع فيلماً من قبل. كلّ علاقتي بالإعلام كانت عبر استضافتي في برامج تلفزيونية.
لكنّ كتالوغ "مهرجان الإسماعيلية" يذكر أنّك عملت مع قنوات تلفزيونية؟
بعد انتهائي من الماجستير، أعددت برنامجاً لـ"بي بي سي عربي"، لشهر. حين وقفت خلف الكاميرا، انبهرت، وشعرت أنّي أمتلك القوة والسلطة في اختيار الضيوف والموضوع، وأبحث في القضية، وأقدّم المَشاهد بصورة قوية جداً. كنت أُجرّب ذلك لأول مرة، فقلت لهم: "أريد أنْ أصنع هذا الفيلم"، لكنّي كنت أتساءل في الوقت نفسه: "كيف أصنعه؟". ثم سافرت إلى السودان، وأمضيت فيه شهراً، فصوّرت أول مقابلة، ثم سافرت إلى لبنان فصوّرت مقابلة ثانية. هكذا بدأت التصوير عام 2018، وبدأت أرى الطريق وأفكّر في الفيلم الذي أصنعه. تعلّمت من التجربة والخطأ. ثم تفشّى كورونا، فتعطّلت الأمور والحياة لبعض الوقت.
هذه أول تجربة لك في الإخراج، فهل فكّرت في مشاهدة أساليب سينمائية؟ في قراءة كتب لتحديد الأسلوب الخاص بك في الإخراج؟ أمْ اكتفيت بتجربتك خلف الكاميرا؟
أنت الوحيدة التي سألتني هذا السؤال. في الحقيقة، لا أحضر أفلاماً كثيرة. أحبّ مشاهدة المسلسلات. في هذه التجربة، كنت أعتمد على إحساسي فقط. لم أكن أعرف أين أضع الكاميرا، ولا كيف. لا شيء عن تأسيس المشهد، أو زاوية الكاميرا. أقول للمصوّر أنْ يفعل هذا أو ذاك، أنْ يضع الكاميرا هنا، أنْ نأخذ هذه الزاوية، أنْ نجلس هنا، وأثناء ذلك أتابع الصوت. حرفياً، لم تكن عندي أي خبرة.
يبدو أنّك تعلّمت فعلياً في هذا الفيلم؟
ليس فقط هذا. فريق العمل لم يكن يدري أنّي لا أعرف شيئا، وأنا فعلياً لم أكن أعرف شيئاً. الحظّ "ضرب" معي.
لا أعتقد أنّ للموضوع علاقة بالحظ. أعتقد أنّه إضافة إلى ثقافتك ووعيك وإرادتك، كنت تقفين وراء الكاميرا في شهر العمل مع "بي بي سي عربي". كنت تتأملين وتشاهدين وتراقبين وتسجلين في ذاكرتك. هذا كلّه صار في مخزونك المعرفي. كانت عيناك وحواسك مشحوذة، تراقب وتعمل. إحساسك ناشطٌ ومنتبه، وإن في اللاوعي.
ربما. كثيرون ممن شاهدوا الفيلم يندهشون أنّه الأول لي. لكنْ، أعتقد أنّ لديّ أيضاً نظرة وإحساساً في الاختيار. منذ أعوام، أحب التصوير، مثلاً علاقتي بإخوتي وأولادهم، كنت أوثّق لحظات حياتهم بالصور. عندما أكون مع أفراد العائلة، كنت أصوّر، بهاتفي الجوّال، الأطفال مثلاً، وهم يتحدّثون ويروون قصصهم. أحب التوثيق والكاميرا والتصوير.
ماذا عن رحلة الأرشيف البصري، لأنّ هناك مشكلة كبيرة في الوطن العربي معه؟
سؤالك يُعيد إليّ مواجع. هذا كان أصعب شيء في تحقيق الفيلم. كنت مضغوطة جداً بسببه، لأنّه يعتمد حرفياً على الأرشيف. بحثت عن الأرشيف في عملي على اللقاءات في الأعوام الـ4. بدأت بالأرشيف الوطني. في السودان، يوجد مكان اسمه دار الوثائق، فيها صحف ومجلات وصُور فوتوغرافية. هذا المكان تعامل معي باحترام، فلديه نظام وبنود ولوائح. راسلتهم، واستجابوا لي. لكنّ الفيديوهات كانت بشكل أساسي في التلفزيون القومي. طبعاً لديهم عدم احترام للأرشيف والتوثيق، وعدم إدراك أهمية دعمي بمادة أرشيفية.
هل رفضوا مساعدتك وتقديم المواد الأرشيفية؟
لا. إنّهم لا يرفضون أبداً. يقولون "تعالي واذهبي" مرات عدّة. وأبقى في هذه الدوامة من دون تحقيق شيء. في كلّ مرة، هناك حجج مختلفة: الكمبيوتر مُعطّل، النظام غير شغّال. أمضيت 3 أشهر بين ذهاب وإياب. لكنْ، عندما وصلت إلى القيادات، تمكّنت من الحصول على المادة الأرشيفية التي أريدها. كان هذا مُعَطِّلاً لي جداً، لأني كنتُ مُقيمة في بريطانيا.
البيروقراطية المعتادة في الوطن العربي.
ـ في التلفزيون القومي طلبوا مني الحصول على "حقوق عرض" مقابل إعطائي ما أريده من الأرشيف. طبعاً رفضت هذه المساومة، ولم أعطِهم أي حقوق.
عموماً، الأرشيف غالٍ. إذا أردتِ شراء شيء منه في أي مكان في العالم، فلا بُدّ من أنْ تدفعي مبالغ طائلة.
الأمر مختلف مع الأرشيف الوطني. يجب ألاّ تدفعي مالاً مقابل الحصول عليه. أتحدّث عن السودان. كمواطنة سودانية، لي حق استخدام الأرشيف الوطني مجاناً. مثلاً، مع وزارة الثقافة لم أدفع شيئاً. يُفترض بهذا أنْ يحدث مع التلفزيون أيضاً. لهذا، لم أتعامل معهم.
الشخصيات التي صوّرتها، ألم تكن تملك أرشيفاً خاصاً بها؟ هل وجدت مصادر أرشيفية أخرى؟
بالنسبة إلى باقي الأرشيف، حصلت عليه من جامعة درم (Durham University) في بريطانيا. هناك أرشيف ضخم جداً منذ وجود الاستعمار البريطاني في السودان.
هل دفعت مقابلاً مادياً؟
كان يُفترض بي أنْ أدفع. لكنْ، لأنّ فيلمي مستقل، قالوا لي: "إذا استطعت الحصول على موارد مالية من بيع الفيلم لاحقاً، تأتي إلينا لنتفاهم".
إذاً، لا يوجد عقد بينكما.
طبعاً هناك عقد بيننا، مُحدّدة فيه الدقائق والثواني التي حصلت عليها، وأسعارها. كذلك استعنت بأرشيف جاد الله جبارة. كان من أوائل الذين اهتمّوا بالأرشيف في السودان، إنسان هاوٍ، يحمل كاميرته عندما لم يكن هناك تصوير أصلاً. أغلب صُوَر الفيلم حصلت عليها من ابنته سارة. اشتريت منها حقوق الاستخدام، إضافة إلى الأرشيف الخاص بالعائلات. كنت أطلب من كلّ شخصية مُشاهدة الأرشيف الخاص بها، وأبحث فيها عن صُور أحتاج إليها. كنت أطرق الأبواب. عندما يقال لي "ستجدين صورة لفلان عند عائلة محدّدة"، أذهب إليها. كان البحث مرهقاً للغاية. مع ذلك، عندما أجد صورة، أفرح كثيراً. هذا الفيلم مثل ابني. أشعر إذا تركته في العرض، كأني أترك ابني وحده. أي شيء فيه مهما كان صغيراً يمثّلني مائة في المائة. حتى الموسيقى والأغنية الأخيرة أنا أنتجتها.
يبدو الفيلم كأنّه يسير وفق التطوّر التاريخي والمجتمعي. لكنْ، هناك ما أزعجني في ثلثه الأخير، عندما تحدّثتِ عن اللواتي امتهنّ التمثيل، والصعوبات التي واجهتهنّ. قالت إحداهنّ: "هذا حدث لأنّ المجتمع يتطوّر". كان واضحاً أنّ الفيلم يسير بالتوازي مع هذا التطوّر، لكنْ فجأة تعودين إلى مَشاهد الزار؟
طقوس الزار وممارسته لا تزال موجودة في المجتمع السوداني. هذه المشاهد حقيقية، وأنا صوّرتها. لاحظي أنّي تحدّثت عن الزار مرتين: أولى في البداية بشكل عابر سريع، ثم في الجزء الأخير من الفيلم توقّفت عند المفهوم الحديث له. هنا، لم أتحدّث عنه من قبيل الشعوذة، بل باعتباره علاجاً، وإحدى أدوات المقاومة عند النساء. هذا حقيقي. النساء يستخدمنه للمقاومة، ولتحرير أنفسهنّ، وإخراج الكبت منهنّ، والتخلّص من القمع.
بتقديري الشخصي أنّ النساء، حتّى في المفهوم الجديد للزار، يشعرن بهذا التحرّر وفضّ الكبت، نتيجة الرقص أساساً الذي يقمن به في ممارسة هذا الطقس. أقصد لو أفرغنا حفلات الزار، قديماً وحديثاً، من كافة الطقوس، واحتفظنا بالرقص فقط، لظلّ التأثير الإيجابي، ولشعرت النساء بالتحرّر وفضّ الكبت.
بالضبط. بعد الرقص والعمل المسرحي، تخرج المرأة سعيدة، ولو لأيامٍ قليلة، قبل أنْ تنتكس مجدّداً.
أودّ أنْ أحيّيكِ لأنّك لم تدرسي السينما ولم تعملي بها قبلاً، لكنّك صنعت فيلماً غنياً بالأفكار، يكشف الموروثات التاريخية، ويُعدّ وثيقة عن معاناة النساء وقهرهنّ. "أجساد بطولية" أثار فضول مشاهدين كثيرين، والشابات المتطوّعات في "مهرجان الإسماعيلية" رغبن كثيراً في مشاهدته. أقول هذا رغم تحفّظي على توظيفك القالب التلفزيوني، وهذا أزعجني. لماذا؟ هل لأنّ الموسيقى مجانيةٌ؟ مثلاً، مع حديث امرأة عن تجربتها المؤلمة، بكلمات مؤثرة، لا حاجة إلى الموسيقى. كما أجد أنّك تمتلكين أرشيفاً غنياً جداً يكفي لصنع فيلم بأسلوب سينمائي.
لا. لم يكن الأرشيف كافياً.
رغم معاناتك في جمع المواد الموثّقة، لديك أرشيف ضخم يكفي لصنع فيلمٍ بحسّ ولغة سينمائيين. هناك حاجة إلى الوقت والاشتغال عليه طويلاً، وإلى الانحياز إلى فكرة المُعادل البصري بديلاً من المقابلات الثابتة. لكنْ، عموماً، ما أنقذه القضية التي جذبت الجمهور، وثراء الأرشيف وندرته، وإخلاصك ودأبك في البحث طويلاً. لديك شغف قوي بالقضية، وجمع الشخصيات، وهذا الكَمّ من المعلومات العميقة. هذا كلّه سبب تميّز الفيلم، ما جعل المهرجانات تتغاضى عن أي شيء آخر.
صراحة، لم يكن هدفي البحث عن جماليات في المعالجة. كان يهمّني إيصال الفكرة ورسالته إلى أكبر عدد من المُشاهدين، والتأثّر بمضمونه والتفاعل معه. ربما ينجح في تغيير شيءٍ ما في الأفكار والمعتقدات، أو إصلاح وضعية النساء بأي قدر. أشعر أنّي تعلّمت في هذا الفيلم، وحالياً أشتغل على ماجستير في الوثائقيات، لرغبتي في تطوير نفسي وأدواتي. أريد المشاركة في الكتابة، كي أستطيع التقدّم إلى صناديق الدعم، لإنجاز أفلامي وتحقيق أحلامي.