فيلمان جديدان لها يفوزان بجائزتين أساسيتين، في الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ" السينمائي: "تشريح سقوط" للفرنسية جوستين تريّيه ("العربي الجديد"، 31 مايو/أيار 2023)، الفائز بـ"السعفة الذهبية"، و"منطقة الاهتمام" للبريطاني جوناثان غلايزر (الجائزة الكبرى). عن دورها في الفيلم الأول، تنال أكثر من ترشيحٍ في فئة أفضل ممثلة، أبرزها "غولدن غلوب" الأميركية (النسخة 81، في 7 يناير/كانون الثاني 2024)، و"بافتا" البريطانية (النسخة 77، في 18 فبراير/شباط 2024)، و"أوسكار" الهوليوودية (النسخة 96، في 10 مارس/آذار 2024).
إنّها الألمانية ساندرا هولر (1978)، التي تُذهِل مُشاهدي Requiem ومُشاهِداته، الذي يُخرجه الألماني هانس ـ كريستيان شميت عام 2006، الفائزة بفضله بجائزة "الدبّ الفضي لأفضل ممثلة"، في الدورة الـ56 (9 ـ 19 فبراير/شباط 2006) لـ"مهرجان برلين السينمائي"؛ تماماً كما تفعل في مهرجان "كانّ"، مع العرض الدولي الأول لـ"توني إردمان" لمارِن أدي، في دورته الـ69 (11 ـ 22 مايو/أيار 2016)، "المنسيّ بشكل مُخجِل من لائحة الجوائز"، كما في تقديم حوار معها لفابيان برادْفِر، منشور في الملحق الفني الأسبوعي لـ"لو سوار" البلجيكية، في 31 يناير/كانون الثاني 2024. رغم هذا التجاهل غير المُبرَّر، بحسب نقّاد سينمائيين عديدين، يُعوِّض الفيلم "هزيمته" بحصوله على نجاحين مقبولين، نقدياً وجماهيرياً.
بمناسبة بدء العروض التجارية في دول أوروبية، في 31 يناير/كانون الثاني الماضي (فرنسا وبلجيكا) و2 فبراير/شباط الجاري (المملكة المتحدة)، نشرت "لو سوار" (العدد نفسه لملحقها الفني الأسبوعي) حواراً مع هولر، يتضمّن كلاماً مُثيراً لنقاشٍ نقدي متنوّع المحتويات، كعلاقة الممثل ـ الممثلة بالشخصية التي يؤدّيها، خاصة إنْ تكن الشخصية "شريرة"، وللممثل ـ الممثلة موقف أخلاقي رافض لها؛ وكيفية تمثيل شخصية كهذه؛ وارتباطها بهِدويغ هوس، زوجة الضابط النازي رودولف هوس (كريستيان فْريدل)، في "منطقة الاهتمام" ("العربي الجديد"، 14 يونيو/حزيران 2023).
بعد قولها إنّ هناك أمثلة عدّة في التاريخ السينمائي، "نُشاهِد فيها ممثلاً يحاول أنسنة شخصية شريرة أو ماكيافيلية"، تؤكّد هولر أنّ هذه الطريقة غير مقبولة منها: "عليّ البحث عن وسيلة تحول دون أنْ أفعل هذا. عليّ التعامل مع هذه الشخصية بشكل مختلف، من الخارج، مع مسافة (بيني وبينها)". تُضيف أنّها غير عارفة إنْ أمكنها النجاح في نقل ما يريد جوناثان أنْ يرويه عبر السينما: "بهذا المعنى، هناك مخاطرة في العمل في فيلمٍ يتناول المحرقة".
ردّاً على سؤال عمّا إذا لم تكن راغبة في التحدّث مثل تلك المرأة الألمانية المتزوّجة ضابطاً نازياً، زمن الحرب العالمية الثانية، تُجيب بأنّها غير عاملةٍ أي جهدٍ من أجل هذا، مُشيرةً إلى وجود أشرطة صوتية مُسجَّلة في المحاكمة، "المُقامة في فرانكفورت، كما أظنّ"، يُسمع فيها صوت هدويغ هوس: "يريد جوناثان أنْ أستمع إلى 5 دقائق فقط من تلك الأشرطة"، لكنّها تُقرّر فوراً أنّها لن تلجأ إلى صوتها ونبرتها: "هذا من شأنه أنْ يُشتِّت انتباهي"، مُضيفةً أنّ هذه "حيلة تقنية، غير راغبة في تجربتها".
تسألها برادْفِر: "هذه الشخصية التي تظهر أمّاً صالحة وزوجة صالحة، هي أيضاً، وبالتحديد، وحشاً فاشياً"، فتردّ هولر: "في الواقع، أنا غير عارفة إنْ كانت هذه أمّاً صالحة وزوجة صالحة. أنا غير قادرة على قول هذا. أساساً، ماذا يعني (تعبير) أمّ صالحة؟ زوجة صالحة؟ بالنسبة إلى البعض، هي غير صالحة لأنّها غير مُطيعة. في لحظةٍ ما، يُمكننا القول إنّنا أمام ثنائيّ عصريّ، يتناقشان عن الأمور التي يجب القيام بها، وعمّا يجب أنْ يفعلاه، وعن أهدافهما، وعن كيفية تربية أطفالهما من دون إظهار عنفٍ، وهذا، في تلك الفترة، غير معتاد".
تُضيف ساندرا هولر أنّ هذا الثنائي، الظاهر "أمامنا" بهذه الطريقة، يوافقان في الوقت نفسه "على إعدام ملايين الناس". ترى أنّ "هذا التناقض موجودٌ دائماً، ويقول الكثير بخصوص الشرط الإنساني، عنّا، وعمّا نحن قادرون على تحقيقه اليوم". بالنسبة إليها، جوناثان غلايزر غير راغبٍ في إنجاز فيلمٍ تاريخي، بل فيلماً يقول "أشياء عنّا نحن، في راهننا، عن انقساماتنا وجدراننا الصغيرة، وعن حدائقنا. أعتقد أنّه يريد أنْ يقول أيضاً إنّ هذا كلّه غير منتهٍ".
في الحوار نفسه، كلامٌ عن مدى إمكانية أنْ يكون اختيار جوناثان غلايزر الممثلة، لكونها ألمانية، فتؤكّد هولر ذلك، إضافة إلى تقديره إياها كممثلة، وتقديره فريدل كممثل أيضاً: "يُريد (غلايزر) قيادتنا في هذه العملية الطويلة، قرب معسكر الاعتقال هذا (المقصود به معتقل أوشفيتز ـ المحرّر)، لأنّ وعينا الشعبي مرتبطٌ، بشكل واضح، بهذا الجزء من التاريخ. هناك شعور بالذنب أيضاً. هؤلاء الأشخاص لا يشعرون بأيّ شيء. يعلم غلايزر جيداً (مدى) تأثير هذه العملية على الأشخاص الذين كنّا عليهم".
تُنهي إجابتها بالقول إنّ المخرج اختارها وزميلها لأنّهما ألمانيان ولأنّه مُعجبٌ بأدائهما، مُضيفةً: "الأمر مختلف بالنسبة إليّ، بسبب المسؤولية التي أشعر بها".