سقطات الإعلام اللبناني: كأن العدوان على أرض أخرى

18 أكتوبر 2024
في ضاحية بيروت الجنوبية، أكتوبر 2024 (حسين بيضون)
+ الخط -

تتسم علاقة اللبنانيين بشكل عام بالمؤسسات الإعلامية المحلية والعربية بالاضطراب، ما يتجلّى عند كل انعطافة أو حدث أمني أو سياسي. وسريعاً تصبح وسائل الإعلام وموظفوها من مراسلين ومذيعين ومصوّرين في مرمى الاتهام. تكرّر ذلك في الأسابيع الأخيرة مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على لبنان.

لكن لنبتعد قليلاً عن شعبوية اتهام هذه المؤسسة أو تلك بالعمالة، وهي اتهامات تعرّض كل مراسل على الأرض للخطر، ونركّز في المحتوى الذي بثّته المؤسسات المحلية في الأسابيع الماضية حول العدوان على لبنان. نتحدّث بشكل خاص عن قناتَي LBCI وMTV، إذ كرّرت القناتان نقل المزاعم الإسرائيلية منذ بداية العدوان من دون أي بعد نقدي أو تشكيك فيها، خصوصاً تلك التي كررها الاحتلال حول قصف مخازن أسلحة أو استهداف مراكز لحزب الله، بينما كان يسقط المدنيون شهداء بالعشرات.

لكنّ نقل الرواية الإسرائيلية تطوّر من الأخبار إلى التقارير الخاصة، يبقى أشهرها التقرير الذي نشرته MTV على موقعها الإلكتروني وجاء فيه "كل مركز إيواء، خصوصاً في بيروت وضواحيها، يضم مسلحاً من حزب الله يتولى مهمة التنسيق في كل مركز"، في تحريض على استهداف هذه المراكز التي نزح إليها آلاف النازحين من قرى الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. وبعد انتقادات واسعة للتقرير حذفته القناة اللبنانية.

لم تكن تلك المرة الأولى التي تروّج فيها MTV لأخبار مشابهة تتسق مع الرواية الإسرائيلية، بعد كل غارة أو استهداف أو مجزرة في لبنان (وغزة)، إذ سبق أن رددت مراسلة المحطة نوال بري بعد استهداف الضاحية الجنوبية في سبتمبر الماضي، أن ما قصفه الاحتلال هو مخازن أسلحة لحزب الله، ما أثار موجة غاضبة مما قالته، على اعتبار أنها تبرّر القصف الإسرائيلي لمناطق يسكنها عشرات المدنيين.

عند متابعة تغطية قناة MTV أو قراءة تغريداتها أو التقارير التي تنشرها على موقعها الرسمي، يمكن إيجاد عشرات الأخبار المنقولة عن مصادر إسرائيلية من دون أي تدقيق. لنأخذ على سبيل المثال ما نقلته المحطة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي عن الجيش الإسرائيلي بدخول عناصر من حزب الله إلى مبنى مدرسة في قرية طيرحرفا، واستخدامها لنشر منصة صواريخ موجّهة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد استهدف الاحتلال بعدها بوقت قصير "المخربين داخل المدرسة".

راجع موقع مسبار لتقصي الحقائق، ومقطع الفيديو الذي نقلته القناة عن الجيش الإسرائيلي، ليتبيّن عدم وجود أي مسلحين أو عناصر كما زُعم، إذ تظهر اللقطات فقط الاستهداف والانفجار الناتج عن الغارات الجوية الإسرائيلية.

على خطّ موازٍ تلعب قناة LBCI لعبة مختلفة، فتقدّم على الشاشة تقارير إنسانية و"متزنة" للأوضاع على الأرض، مع مراسليها المنتشرين في لبنان. أما على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، فتردّد ما ينشره جيش الاحتلال من دون أي مسافة نقدية أو تشكيك. لنأخذ على سبيل المثال ما نشرته المحطة اللبنانية عبر حسابها في "إكس" بعد وقت قصير من المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في مدينة النبطية الجنوبية، وأدت إلى استشهاد عدد من المدنيين، بينهم رئيس بلدية النبطية أحمد كحيل، وأعضاء في المجلس البلدي. نشرت القناة: "الجيش الإسرائيلي يقول إنه ضرب عشرات الأهداف لحزب الله في النبطية، وفكك بنية تحتية تحت الأرض". هكذا، من دون أي إضافة أو نقصان، نشرت الرواية الإسرائيلية على اعتبارها خبراً مؤكداً وموثوقاً.

يوم الاثنين الماضي، نشرت المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال خبراً مباشرة بعد المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في بلدة أيطو في شمالي لبنان، أن المنزل المستهدف مستأجر من قبل أحد مراسلي قناة المنار (تابعة لحزب الله) من دون أي تدقيق في المعلومة العشوائية، في محاولة لتقديم سياق سياسي - أمني للاستهداف، لتعود لاحقاً وتنفي الخبر، علماً أن المجزرة سقط فيها 22 شهيداً.

يمكن كتابة آلاف الكلمات عن أداء بعض المؤسسات الإعلامية اللبنانية، وأخطائها وعشوائيتها في التغطية. صحيفة النهار (أعرق صحيفة لبنانية) نشرت قبل أيام قليلة، بعد استهداف حزب الله قاعدة بنيامينا العسكرية، منشوراً على "إنستغرام"، حاول إعطاء بعد إنساني لقصص جنود الاحتلال الذين قتلوا في الهجوم. حمل المنشور عنوان "جنود بنيامينا وعشاؤهم الأخير"، وعلى امتداد ست صور، تحاول "النهار" التكهّن بما كان يتناوله الجنود لحظة قتلهم بعبارات عاطفية من نوع "لكن... تبقى وجبة شنيتزل هي المفضلة، رصدتها صور الهجوم في الأطباق المبعثرة على الطاولات".

بشكل عام تأخذ تغطية صحيفة النهار للعدوان على لبنان هامشاً واسعاً من الانتقادات، فيوم الاثنين الماضي مثلاً، استهدف الاحتلال قافلة مساعدات على طريق بلدة العين البقاعية. نشرت "النهار" الخبر على حسابها على "إكس" على الشكل التالي "صورة لقافلة المساعدات التي صودف مرورها بمنطقة العين خلال الغارات الإسرائيلية"، في إشارة إلى أن الاحتلال لم يكن يستهدف القافلة قصداً، علماً أنه منذ اليوم الأول للعدوان كررت إسرائيل قصف عمّال الإغاثة في مختلف المناطق.

المساهمون