بعد تجاربها العديدة والمتنوّعة في الغناء والتمثيل، أصدرت سُهير صالح أخيراً أغنية بعنوان "كافي". صالح خريجة قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام 2016، لها مزاجٌ خاص في تقديم خياراتها الفنية، وشغفٌ بالتراث المحلي السوري. هنا، مقابلة لـ"العربي الجديد" معها، حول تجربتها وجديدها.
من هي سُهير صالح؟ حدثينا عن خلفيتك الاجتماعية والثقافية، كيف أثرت في خياراتك الفنية اللاحقة؟
أنا الأُخت الوسْطى في عائلة لا يمتهن أحد منها الفن. ولدت في مدينة جبلة في محافظة اللاذقية، توفي أبي وأنا طفلة، وكان يملك صوتاً جميلاً، وله أثر كبير في حياتي. تخرجتُ من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل في عام 2016. لعائلتي منطوقٌ اجتماعي مختلف عن البيئة المحيطة ذات العناصر البسيطة، شخوص هذه البيئة يعتمدون في حياتهم على البحر والأرض. لم تؤثر هذه الخلفية بتفاصيلها وشخوصها في خياراتي الفنية اللاحقة، بقدر ما جذبتني ودفعتني إلى المثالية في كل شيء.
لكِ تجارب في السينما والتلفزيون، وأخرى غنائية. لماذا هذا التنوع؟ أهو خيار للتجريب أم هدف؟ وكيف تعرفين عن نفسك فنياً؟
أنا إنسانٌ صُوَري. أتخيل الأشياء وأتعايش معها في مخيّلتي قبل تجربتها. وهذا حاصلٌ مع أي شخصية سينمائية أقدمها. لمشاهد الصورة أهمية أكبر من مشاهد الحوار بالنسبة إلي، على الرغم من كوني خجولة ولا أعرف التعامل مع الكاميرا، فإنني أجد ذاتي في السينما. أما التلفزيون، فهو نتاجٌ شخصي لا أسعى إليه بقدر ما أسعى إلى السينما.
بالنسبة للموسيقى، لست موسيقية، لديّ مشروعي الشخصي في الموسيقى التوثيقية. أقدم نفسي مؤدية ومغنية. مع الموسيقى أسافر إلى عوالم ساحرة. هذا التنوع بالأعمال هو هدفٌ بحد ذاته، يتحقق عند حضوري في محيط فني ضخم، أمارس فيه حريتي ومهنتي أمام الأضواء، بغض النظر عن المادة التي أقدمها، دائماً سأسعى إلى الحفاظ على مساحة التجريب خاصتي.
بالنسبة للتجارب التلفزيونية، كيف تستعدين لأداء الدور؟ وما التقنيات التي تلجئين إليها؟
بداية أعمل على صناعة الشكل الخارجي للشخصية، ثم ابدأ بوضعها في مواقف متنوعة، وأحاول تقريبها لذاتي ووجداني.
لنعود قليلاً إلى الماضي. كيف ومتى حدث لقاؤك الأول مع الصورة التلفزيونية والسينمائية؟
كان مسلسل "رأفت الهجان" أول ما شاهدت، وأذكر فيلماً للأطفال عنوانه "الجرة"، أخذني أبي وأنا طفلة لمشاهدته. لا أذكر منه الكثير، هذا الأثر الموجود داخلي بسبب أبي والذكرى ككل، وليس من الفيلم فقط. في بداية مهنتي لم أكن أعي ماذا أفعل، لذلك لا أحب تجاربي الأولى مع الصورة.
ما الفرق بين العمل للتلفاز والعمل للسينما؟
الفرقُ كبيرٌ وبسيط. الأعمال التلفزيونية هي مجموعة من الحوارات، أما السينما فهي مجموعة من الصور. أميلُ تلقائياً للسينما، وكممثلة أجد ذاتي فيها. أحب الصورة والنصوص الجدلية المكثفة، وأقدر الجهد المبذول فيها، حتى وجهي أراه فيها مختلفاً وحقيقياً وحاضراً أكثر.
ما العوامل الأساسية لحسم قرارك حول إذا ما كنت ستلعبين دوراً ما أو لا؟
العنصر الأول والأهم هو النص. مدى جودته على مستوى الشكل والمضمون. هناك مجموعة من العوامل أيضاً، أهمها ظرف العمل، ومن سيدير العملية الفنية والإنتاجية، وبالتأكيد ماذا سيقدم العمل لي، خصوصاً أنني لا أحب أن أكرّر نفسي.
كان ظرف العمل في مسلسل "مع وقف التنفيذ" مثالياً. التفاهم والاحترام المتبادل بين شركة الإنتاج، والمخرج، والكُتاب، وطاقم العمل، أدى إلى توافر ظروف مريحة ساهمت في الحصول على أفضل نتيجة. أتمنى أن تتحقق هذه الظروف في تجاربي المستقبلية.
أطلقتِ قبل مدة قصيرة أغنيتك الجديدة "كافي". حدثينا عن هذه التجربة أكثر.
"كافي" هي أولى الإنتاجات الشخصية. تكفّلتُ مادياً بالعملية الإنتاجية، أحبها كما لو أنها طفلتي، ولم أسع لترويجها، كتبها ولحنها أنس حميدي، ووزع الموسيقى بديع عيسى. هي اختزالٌ لمشاعري خلال الفترة السابقة، وموجهة لشخصٍ لم يعد موجوداً في حياتي. كنت بحاجة للبوح، بعد أن تراكمت تفاصيل نفسية سيئة، ففضلت الغناء على الكلام. أحب كيف عرفتني "كافي" على هذا القدر الكبير من حب الأصدقاء لي، ووجودهم بجانب مشروعي وإيمانهم به.
هل تجدين أن الفيديو كليب ضرورة؟ وماذا يضيف للأغنية؟
نعم، مهم بالتأكيد، خصوصاً في الفترة الأخيرة، تكمن أهميته بقدرته على نقل الأغنية لفئة أوسع. وبما أنني ممثلة، أجد الأداء طريقة توصيل أيضاً، ارتباط الصورة مع الصوت يساهم بنقل مشاعر الأغنية بكثافة أكبر، وذلك عبر أداء الممثل ولغة جسده وأفعاله.
تساهم مواقع التواصل الاجتماعي بتقديم الفنان للجمهور خارج العمل الفني. ويلاحظ الجمهور تجربته الشخصية وكيف قدمها فنياً. هذا لم يحدث في الماضي. في زمن الكاسيت على سبيل المثال، كان الفنان يعتمد على غناء القصائد وعلى الصوت الجميل، ولا تعنيهم حالة الاقتران بالصورة ولا الالتفات للموضة، التلفاز بعدها باستديوهاته المزخرفة، قدّم صورة مبالغاً فيها للفنان، مواقع التواصل الاجتماعي وازنت هذه التفاصيل، وهي للجميع في النهاية.
ما سبب توجّهك إلى اللهجات المحلية والتراث، تحديداً تراث الجنوب السوري؟ علماً أنه ليس خاصاً بالجنوب السوري وحده، بل بفلسطين والأردن أيضاً.
لدي تجربتي في الحفاظ على التراث المسموع والحكايات الشعبية القديمة لمنطقة الساحل السوري وفلسطين ولبنان. هذه التجربة ستصدر قريباً، وقد وثقتُ فيها شكل اللحن القديم، والشعر اليومي، وطقوس الأعراس، والحصاد، والأعياد المحلية، داخل هذه المناطق، بدأت وحدي أتلمس أشكال الألحان المختلفة، وكيف تغيرت، عملت على تطويرها لتتناسب مع عصرنا الحالي، من دون أن تفقد خصوصيتها.
بالنسبة للجنوب السوري، أشعر أن لدي مسؤولية حفظ وصَوْن هذا الإرث المتروك، نتيجة عوامل عدة، كالحرب مثلاً، أو قلة المُغنيات في المنطقة. من حق أبناء هذه اللهجات ومن فقدوا منازلهم وأماكنهم، أن يستمعوا لموسيقاهم وحكاياتهم وأغانيهم علناً، وأن تغدو فنونهم علنية ومتداولة.
ما العوامل التي تحدد إن كانت أغنية ما سورية؟
أولاً اللهجة التي تُغنّى بها، ثانياً ارتباطها بحكاية سورية، وأخيراً يجب أن تقدم صورة شعبية سورية شبه يومية.
لا توجد موسيقى سورية. يوجد كثير من الملحنين والموزعين الموسيقيين المحترفين، لكن اللحن السوري غير موجود، يضاف إلى ذلك التفاوت الموسيقي والشعبي بين المناطق في سورية، والاختلاف الكبير بطريقة تقديم الموسيقى في كل منطقة. معظم التوجه الموسيقي اليوم مصري ولبناني، والجميع يبتعد عن المحلي التراثي، لهذا تقع علينا مسؤولية إظهار وإيصال الصورة اليومية الشعبية.
ما الأعمال الموسيقية والأعمال السينمائية المفضلة لديك؟ ولماذا؟
أحب الأعمال السينمائية التي أُخذت عن رواية، كرواية "العطر" لباتريك زوسكيند، والفيلم الذي أُخذ عنها وأخرجه توم تايكور. في الغالب أذهب إلى الفيلم حين تعجبني الرواية. في روايات عديدة تخيلتُ نفسي وأنا ألعب دور البطولة. إذا تحولت رواية "المئذنة البيضاء" للكاتب السوري يعرب العيسى إلى عمل مصور، فأنا بالتأكيد سأكون من ضمن الأشخاص المشاركين.
موسيقياً أفضّل مدرسة عبد الوهاب، هو شخصٌ هندسي، يرسم موسيقاه بطريقة هندسية، تصل للمستمع بديناميكية عالية، امتلكَ الحساسية والطاقة الإبداعية فصنع موسيقى عظيمة.
ما مشاريعك القادمة؟
صدرت أخيراً أغنيتان من التراث الهجيني، أنتجتهما مؤسسة "اتجاهات ثقافة مستقلة". وسيكون هناك مسلسل درامي اجتماعي مكون من خمس حلقات، يروي قصة عائلتين بينهما صراعٌ حول مبادئهم ومنطلقاتهم الاجتماعية، ألعب دور ضحية في العمل. المشروع في مرحلة التصوير، وهو التجربة الأولى لمخرجٍ شاب لدي إيمانٌ في العمل بجانبه.
إن كانت لديك الميزانية الكاملة والحرية الكاملة لصناعة عمل ما، فأي عمل ستصنعين؟
سأعملُ على إخراج عمل مسرحي غنائي (أوبريت) يتحدث عن المجتمع السوري، يُكتب ويُلحن ويُقام على المسارح السورية، ليسافر بعدها ويصبح عالمياً. نحن لا نملك تجارب كهذه. وبترجمة العمل، كما نشاهد العروض العالمية المترجمة، سننفتح على الخارج بفكرنا وفننا، أريده أن يكون رسالة فنية متكاملة ومتنوعة بأنماطها.