يزور العراق عشرات الأوروبيين والأميركيين وسيّاح من جنسيات أخرى في ظروف سرية، ولا تُعلَن غالبية هذه الزيارات من قبل السيّاح إلا بعد انتهاء زياراتهم وعودتهم إلى بلدانهم الأصلية، لأسباب تتعلق باحتمالية المخاطر أو التهديدات التي قد يتلقونها من الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم "داعش"، أو المليشيات المتشددة، التي ترى الانفتاح الثقافي والسياحي والترفيهي بين العراق ودول العالم، من عين استخبارية مرتبطة عادة بنظرية المؤامرة، خصوصاً المليشيات المدعومة من إيران.
وخلال الأشهر الماضية وصل سياح أجانب إلى بلاد الرافدين، وهي حالة لم يشهدها العراق منذ عقود، الأمر الذي أعاد لأذهان العراقيين ذكريات أمجادهم القديمة في التواصل مع العالم، ولا سيما أن العراق يحتوي على العديد من المناطق السياحية، كالأهوار والأنهر والغابات والمناطق الصحراوية الجاهزة للتخييم، وعشرات المواقع الأثرية، مثل أور وبابل ونينوى وغيرها، إضافة إلى مناطق السياحة الدينية، مثل المراقد والمزارات والجوامع.
ويتداول ناشطون عراقيون وصفحات على مواقع التواصل، بعض منشورات السياح الأجانب وآرائهم وصورهم، وهم يتجولون في بغداد ومحافظات جنوبيّ البلاد والمناطق الغربية والشمالية، معتبرين أن هذه حالة مشجعة لإعادة تصدير المرافق السياحية العراقية من قبل السلطات والجهات الحكومية المختصة لاستقبال مزيدٍ منهم، وتهيئة الظروف الأمنية لزياراتهم، إضافة إلى تفعيل الجانب السياحي وتشغيل الأيدي العاملة المحلية في تدعيم هذا القطاع المهمل. وما ساعد على الدفع بهذا الاتجاه، الآراء الجيدة من قبل السياح، التي تصف فترة وجودهم في العراق على أنهم لم يتعرضوا لمضايقات، كذلك إن كثيراً منهم تعرّف إلى أشخاص جيدين يتمتعون بالأخلاق الحسنة والكرم، وهي عادة أصلية عند العراقيين.
فيكي (بريطانية ) وهي سائحة زارت العراق وتقريبا نصف المحافظات والمناطق الاثرية
— MohammedHisham (@TheGodFather10q) September 7, 2021
لان الصور كثيرة pic.twitter.com/6IqdHEefLK
في السياق، تقول الناشطة العراقية تبارك حسن، إن "هناك سياحة سرية تحدث في العراق من قبل الأجانب، وتحديداً من قبل شريحة الشباب الذين يسعون إلى التعرف إلى تاريخ العراق القديم، وزيارة المدن الأثرية وأهوار الجنوب التي تُعَدّ مهد معظم الحضارات القديمة في بلاد الرافدين، وهناك تعاون بين بعض منظمات المجتمع المدني وغرف خاصة على مواقع التواصل، لتقديم المساعدة للسياح، إضافة إلى توفير السكن لهم"، مبينة لـ"العربي الجديد"، أن "السياحة الأجنبية إلى العراق، تمثل حالة من الرعب بالنسبة إلى السياح، لكن التعامل معها بسرية تامة إلى حين انتهاء زيارتهم هو ما يهوّن من هذه المخاطرة، التي يسببها عادة السلاح المنفلت لدى العصابات والمليشيات التي قد تفكر في تهديد السياح أو محاولة الاستيلاء على أموالهم".
أما عضو "مقهى المسافرين العراقيين" الذي كان تجمعاً على "فيسبوك"، فتحوّل فيما بعد إلى تجمع واقعي لمجموعة من الشباب في أكثر من مدينة عراقية، علاء الطيب، فأشار إلى أن "هناك رغبة كبيرة لدى سيّاح أوروبيين وأميركيين وكنديين لزيارة العراق، إضافة إلى العرب، للتعرف إلى الأماكن السياحية وآثاره وتراثه، ونحن على تواصل مع مئات الأجانب الراغبين في زيارة العراق وقضاء أوقات ممتعة فيه، لكن ما يعوق مجيئهم في بعض الأحيان، المخاوف الأمنية، ولا سيما أن العاصمة بغداد غير مستقرة، لكن في محافظات غربيّ العراق وجنوبيّه لا مخاوف على أمن السيّاح".
وأكد الطيب لـ"العربي الجديد"، أن تجمعهم "مقهى المسافرين العراقيين" يساعد السياح الأجانب عادة في طريقة حجز غرف في الفنادق، كذلك إن بعض السيّاح حين وصلوا إلى العراق، فضلوا الخروج من الفنادق والمبيت عند بعض أعضاء التجمع، أو في منازل لأشخاص عاديين بالقرب من المواقع السياحية، مؤكداً أيضاً أن "أكثر ما يدهش السياح، الكرم العراقي، إذ يستغربون المآدب التي تقدم أمامهم ليوم ويومين وثلاثة، ويتجولون بحرّيّة في كثيرٍ من المناطق، ويلتقطون الصور التذكارية، وينشرونها ويعمّمونها على مواقع التواصل بعد انتهاء الزيارة".
من جهته، أشار رئيس مشروع "تقارب" (منظمة غير حكومية) علي السلامي، إلى أن "العراق يشهد دخول نحو 25 سائحاً أجنبياً شهرياً، بشكلٍ منفرد، وليس بشكل مجموعات، ويتوزعون على مختلف المناطق العراقية، ووجدنا خلال الأشهر الماضية، اهتماماً بالغاً من قبلهم بمنطقة الأهوار الجنوبية، إضافة إلى مدينة الموصل، التي شهدت نهاية تنظيم داعش في البلاد".
يتابع حديثه مع "العربي الجديد"، قائلاً إن "السلطات العراقية ترصد توافد الأجانب لغرض السياحة في البلاد، وهي مطالبة بتشكيل قوة أمنية لحمايتهم ودعوة المزيد من السياح لزيارة العراق، ومنع أي محاولات انتقامية للنيل منهم من قبل المليشيات المسلحة التي تنتشر بصيغة انغماسية داخل المدن العراقية، إضافة إلى تأهيل المدن والمناطق السياحية التي تهمّ السيّاح الأجانب".
وكانت وزارة الثقافة والسياحة والآثار، في العراق، قد حددت أسباب قلة تدفق السياح إلى العراق، لكنها تؤكد أنها تساعد في توفير ظروف جيدة تساعد على تذليل الصعوبات أمام شركات السياحة. وقال وكيل وزارة الثقافة عماد جاسم، إنّ "دخول السياح إلى العراق لا يرتبط أساساً بوزارة الثقافة وهيئة السياحة، بل يرتبط أيضاً بوزارة الداخلية والمؤسسات الأخرى... وهناك حرص من الناحية التنظيمية على متابعة وجود السياح ومبيتهم، من أجل الخروج بالوجه المشرق للسياحة العراقية، لأنّ السياحة عانت طوال الفترة الماضية وما زالت تعاني من غياب السياح".