ينظم منتدى شارك الشبابي (مقره الرئيسي في مدينة رام الله) فعالية سينما النزوح التي تتخلّلها عروض سينمائية موجهة في جلّها للأطفال في أماكن النزوح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه. الفعالية جزء من حملة "شارك شعبك"، التي أطلقها المنتدى منذ عام 2009، إثر العدوان الإسرائيلي على غزة في تلك السنة.
ولفت المدير التنفيذي لمنتدى شارك الشبابي، بدر زماعرة، إلى أن المبادرة انطلقت بداية من مراكز المهجّرين في المدارس خصوصاً في شمال قطاع غزة، حين بدأت العملية العسكرية لجيش الاحتلال. وقتها نظّم المنتدى عشرات العروض هناك، وسط تفاعل كبير، بعضها كان في مدرسة تضم 22 ألف مهجّر بينهم ثمانية آلاف طفل.
وأشار زماعرة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن جميع الأفلام كارتونية، خصوصاً أن الأطفال الذين شهدوا أكثر من نزوح وصولاً إلى جنوب قطاع غزة، خصوصاً في رفح وأجزاء من خانيونس، انقطعت علاقتهم بالتلفزيون منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما انعكس على شكل إقبال فاق التوقعات، وتجاوز حدود مراكز النزوح إلى خارجها.
سينما النزوح على ما تبقّى من جدران غزة
نظّمت فرق منتدى شارك الشبابي في قطاع غزة، بعض عروض سينما النزوح على ما تبقى من جدران منازل في شوارع بعض الأحياء في جنوب القطاع، وتحديداً خانيونس ورفح، وهي عروض تليها نقاشات من الأطفال وذويهم حول الأفلام المعروضة، ممن أكدوا على أهمية هكذا برامج، وتأثيرها الإيجابي على أطفالهم، ولو لبعض الوقت.
وأكد زماعرة أن قرابة خمسة وأربعين متطوعاً في حملة "شارك شعبك"، هم من نفّذوا وينفّذون عروض سينما النزوح بكل تفاصيلها، خصوصاً اللوجستية منها، ويتنقلون من مكان لآخر، بدءاً من البحث عن تيار كهربائي من خلال بطاريات ألواح شمسية، وجهاز عرض (بروجيكتر)، وشاشة عرض بيضاء من قماش، أو تلك المخصصة لهكذا عروض حال توفرها. "العروض لوجستياً ليست بالأمر السهل، بل هي معقدة وصعبة، ولكن هناك إصرار من المتطوعين على بث الأمل والفرح والفائدة في نفوس الأطفال".
وأشار المدير التنفيذي لمنتدى شارك الشبابي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن العروض تتركز هذه الفترة في سبعة مواقع في دير البلح، ومواقع أخرى في خانيونس، إضافة إلى خمسة عشر موقعاً بشكل يومي في رفح، مضيفاً أنه "لم يعد بالإمكان تنظيم عروض السينما في شمال قطاع غزة، مع بقاء الحضور الفني الترفيهي للأطفال هناك. نأمل أن نعود إلى عرض الأفلام في الشمال الذي يعاني من ظروف صعبة للغاية، حيث بدأت العروض من هناك بشكل تلقائي"، ومن ثم تحوّل إلى برنامج حمل اسم سينما النزوح.
السلسلة الكارتونية الفلسطينية "مجد"
تتنوّع الأفلام التي تعرض في إطار سينما النزوح ما بين أفلام رسوم متحركة شهيرة، وأخرى ذات طابع تعليمي، وبعضها يحمل جانباً كوميدياً ترفيهياً، لكن جميعها تمزج ما بين المتعة والفائدة، وهي عروض مكثفة تمتد ساعة لكل عرض، بعيداً عن الملل، وبينها السلسلة الكارتونية الفلسطينية "مجد".
و"مجد" (الولد والبنت) هما شخصيّتان كرتونيّتان لفتى وفتاة من فلسطين، يبلغ عمرهما 12 عاماً، يرافقان الأطفال من خلال عدّة وسائط في مجموعة من الرحلات التي تتناول قيماً إيجابية تُساهم في بناء شخصّيتيهما، وتؤثر فيهما، وفي بناء مستقبلهما التعليمي والتربوي.
ورحلة مجد التي انطلقت منذ قرابة خمس سنوات، تشتمل على مجموعة تدخلات بآليات وأدوات جديدة للحد من العنف المبني على النوع الاجتماعي في المجتمع الفلسطيني، التي تُنفّذ من خلال أنشطة تسعى إلى الحد من العنف.
وجاء اختيار "مجد"، لكونه اسما فلسطينيا مُنتشرا، ويستخدم لتسمية الأولاد والبنات على حد سواء، فيما طُوّرت وسائط وأساليب متعددة، فتخاطب هذه الشخصية الكارتونية الإيجابية، بطريقة مبتكرة، الأطفال وذويهم في المدرسة والمنزل والشارع. وهو مشروع قام ولا يزال بمبادرة من منتدى شارك الشبابي، بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكّان، وبدعم من الحكومة البلجيكية. السلسلة من بين الأدوات والأساليب الجديدة لمساعدة الأطفال للانتقال إلى مرحلة المراهقة والبلوغ، مسلحين بقيم إيجابية، تقوم على مناهضة العنف، وتعزيز مبادئ الحقوق عامة، وحقوق الفتيات والنساء خاصة، في حين أن إدماجها في عروض سينما النزوح في غزّة، جعل منها شخصية مُقاومة بشكل أو بآخر، ترافق الأطفال وتتنقل معهم من موقع إلى آخر، في رحلة النزوح المتواصلة منذ قرابة الخمسة أشهر.
وشدّد زماعرة على أن حملة "شارك شعبك" التي تشتمل على برامج إغاثية وتعليمية وثقافية وفنيّة عدة، يقوم على تنفيذها 410 متطوعين، من شمال القطاع إلى جنوبه، مضيفاً أن منفّذي البرامج، بما فيها سينما النزوح، هم من المهجّرين أيضاً، وتنقّل غالبيتهم قسراً من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وهم كغيرهم يعيشون مآسي الحرب، ويفقدون أحبابهم في القصف المتواصل، ولكن "نعمل على تعزيزهم بالتركيز على أهمية ما يقومون به، وهو ما يلمسونه بأنفسهم، خصوصاً أن أي عرض لسينما النزوح لا يقل عدد متابعيه عن ألفي طفل، وذلك عبر لقاءات تتواصل انطلاقاً من مقر منتدى شارك الشبابي في مدينة رفح"، مؤكداً أن طلبات التطوّع في ازدياد، وأن آخر العروض باتت تتم على جدران بنايات في الشوارع، عند توفر الظروف المناخية أيضاً.
ويرى زماعرة أن المهجّرين من منازلهم، ليسوا فقط بحاجة إلى مسكن وطعام وشراب ودواء وغير ذلك من الأساسيّات التي يشارك المنتدى في تأمين ما يمكن تأمينه منها، بل هم، خصوصاً الأطفال منهم، بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي، وأنشطة ثقافية، وإعادة التفكير في ملف التعليم.