كان عام 2020 الماضي حاسماً بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً بالنسبة لـ"فيسبوك" و"تويتر"، اللتين وجدتا نفسيهما أمام اختبار خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. كما تعرضت شركات الإنترنت العملاقة للانتقادات التي استهدفتها من أنحاء العالم بسبب فشلها في وقف سيل المعلومات المضللة، خصوصاً فيما يتعلق بالانتخابات الأميركية وفيروس كورونا المستجد.
تضليل وانتقادات
دشّنت مواقع التواصل سنة 2020 بجدل حول الأخبار الكاذبة المتعلقة بالانتخابات الأميركية، إذ تمت مطالبة "فيسبوك" و"تويتر" بحظر الإعلانات السياسية التي تحمل تضليلاً. رفض مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ ذلك، لكن بعد أشهر من الانتقادات قرّرت "فيسبوك" في يونيو/حزيران السماح للمستخدمين بإيقاف الإعلانات السياسية.
وواجهت "فيسبوك" أزمة أخرى عندما قررت ترك منشور لترامب وُصف بأنه دعوة للشرطة لإطلاق النار على المتظاهرين. برّر زوكربيرغ قراره بأن "مساءلة من في مواقع السلطة لا يمكن أن تحدث إلا عندما يتم تمحيص خطابهم في العلن". في المقابل، رفض موظفو الشركة أنفسهم هذا القرار، بينما أخفت "تويتر" التغريدة خلف رسالة تحذير.
ومن السياسة إلى كورونا، لم تتوقف الانتقادات الموجهة إلى "فيسبوك". يقول معظم الصحافيين الذين يغطون فيروس كورونا إن الموقع هو أكبر مصدر للمعلومات المضللة، متفوقاً على المسؤولين المنتخبين. ووصف 66 في المئة من الصحافيين، في استطلاع أجراه المركز الدولي للصحافيين ICFJ ومركز Tow للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا، "فيسبوك" بأنه المصدر الرئيسي "للتضليل الغزير".
كما نشر "تويتر" و"يوتيوب" ومحرك "غوغل" بشكل متكرر معلومات مضللة حول "كوفيد-19"، بحسب ما وجد الاستطلاع. ويدعم الاستطلاع النتائج التي نُشرت في أغسطس/آب وتفيد بأن المواقع التي تنشر معلومات خاطئة عن الصحة جذبت ما يقرب من نصف مليار مشاهدة على "فيسبوك" في إبريل/نيسان وحده، مع تصاعد جائحة كورونا في أنحاء العالم.
يقول معظم الصحافيين الذين يغطون فيروس كورونا إن فيسبوك هو أكبر مصدر للمعلومات المضللة، متفوقاً على المسؤولين المنتخبين
ومع اقتراب تداول اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد على نطاق عالمي، بدأت الشركات تتأهب لمحاربة التضليل حوله.
وأعلنت "فيسبوك" أنها "ستزيل ادعاءات فاعلية لقاح لم يصادَق عليه بينما ترفض إعلانات تثني الناس عن التطعيم. واعتمدت "تويتر" سياسة طويلة لحذف التضليل المتعلق بالفيروس. وحدَّث "يوتيوب" سياساته لتشمل إزالة مقاطع تحوي ادعاءات تتعارض مع إجماع الخبراء، فيما تزيل "تيك توك" المحتوى المضاد للقاحات، بشكل استباقي أو من خلال تبليغات مستخدميها.
تركيز على الولايات المتحدة... إهمال لباقي العالم
في الوقت الذي ركزت "فيسبوك" حربها على الأخبار الكاذبة والمضللة في الولايات المتحدة، تباطأت الشركة في ملاحقة الحسابات الزائفة التي أثرت على الانتخابات في دول أخرى حول العالم. وفي منشور كتبته الموظفة صوفي جانغ، التي عملت في فريق "فيسبوك" المخصص لملاحقة النشاطات المشبوهة، في يومها الأخير بالعمل، قالت إن المديرين التنفيذيين في الشركة تجاهلوا أو تباطأوا في الرد على تحذيراتها المتكررة بشأن هذه المشكلة.
وبعيداً عن روسيا والصين وإيران التي شنت حملات تضليل رقمية واسعة النطاق، بينت جانغ أن دولاً أصغر تدير شبكة حسابات زائفة ورخيصة للتأثير على المواطنين، بينها حملة في هندوراس لدعم رئيس البلاد، وأخرى لمهاجمة المعارضة في أذربيجان.
ودفعت ردود الأفعال القاسية تجاه شركات الإنترنت إلى إعلان الأخيرة عن مجموعة من المبادرات وتوضيح طريقة عمل آلياتها والمعوقات التي توجهها.
أصدرت "فيسبوك" تقريراً يشرح بالتفصيل كيف تستخدم مزيجاً من الذكاء الاصطناعي ومدققي الأخبار البشريين والمنسقين لمحاربة المحتوى الذي يخالف سياساتها
وأصدرت "فيسبوك" تقريراً يشرح بالتفصيل كيف تستخدم مزيجاً من الذكاء الاصطناعي ومدققي الأخبار البشريين والمنسقين لمحاربة المحتوى الذي يخالف سياساتها. وتقول الشركة إن الذكاء الاصطناعي الآن "يكتشف بشكل استباقي 88.8 في المئة من محتوى الكلام الذي يحض على الكراهية الذي نزيله". وأشارت الشركة في تدوينة إلى أن "هذه تحديات صعبة، وأدواتنا أبعد ما تكون عن الكمال. علاوة على ذلك، فإن الطبيعة العدائية لهذه التحديات تعني أن العمل لن ينتهي أبداً". وقالت إنها تواجه مشاكل في المعلومات الخاطئة وخطاب الكراهية في الصور ومقاطع الفيديو وعند التلاعب بالكلمات والصيغة لتجنب الحذف.
"فيسبوك" و"تويتر" أمام القانون
في نوفمبر/تشرين الثاني، مثل رئيسا مجلس إدارة "فيسبوك" و"تويتر" مارك زوكربيرغ وجاك دورسي، في جلسة استماع ثانية، أمام لجنة في مجلس الشيوخ الأميركي في أقل من شهر، حول دور شبكات التواصل الاجتماعي في النقاش العام في الولايات المتحدة.
وركزت الأسئلة على جملة من القضايا، بينها كيفية إدارة الشركتين للمحتوى الذي ينشر عبر شبكاتهما الاجتماعية، وجهود الشركتين في مكافحة التضليل والأخبار الزائفة. ووافق زوكربيرغ ودورسي على ضرورة إعادة النظر في الإصلاح المتعلق بكيفية إدارة المحتوى. دعا زوكربيرغ إلى وضع إطار تنظيمي جديد يمكن أن يشمل الإشراف على المحتوى عبر أكبر منصات التكنولوجيا. وقال دورسي إنه يركز على منح المستخدمين المزيد من الأدوات للتحكم في المحتوى الذي يطالعونه، ربما عبر استخدام الخوارزميات المصممة لتناسب تفضيلاتهم الشخصية.
وكان الفصل 230 من قانون آداب الاتصالات الأميركي، الذي يعود إلى عام 1996، نقطة نقاش رئيسية خلال 2020. يرجع السبب في ذلك إلى أن القانون يعفي شركات الإنترنت من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون في شبكاتها. واجتمع المشرعون الأميركيون لمناقشة الآثار المترتبة على هذا القانون، بهدف مراجعة الحماية القانونية للتعبير عبر الإنترنت. ومن المرجح أن تتعمق المناقشة حول القسم 230 حيث يتطلع المشرعون إلى كبح جماح منصات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن قد يؤدي هذا إلى زيادة الرقابة على الإنترنت، إذ يمكن للمنصة تنظيف المحتوى بشكل استباقي، لكن هذا قد يزيد أيضاً من التعسف ويقتل النقاش العام.